
يصادف هذه الأيام ذكرى مناسبتين عزيزتين علىكل القوى التقدمية العربية والعالمية -الذكرى السادسة والخمسون الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين” والذكرى السادسة عشر لرحيل مؤسسها الدكتور جورج حبش . وتعود جذور هذا الحزب الطليعي لحركة القوميين العربالتي أسسها في مطلع الخمسينيات نخبة من المثقفين الثوريين العربعلى راسهم الدكتور جورج حبش في الجامعة الامريكية بيروت..وفي سنة ١٩٦٧ داهمت الامة العربية نكسة كبرى نتج عنها احتلال فلسطين بالكامل مع اجزاء آخرى من الوطن العربي وضعت الأمة العربية وحركتها الوطنية امام استحقاقات تاريخية . على ضوئه أجرت الحركة كما هو معروف مراجعات فكرية نقديةحادة ؛حيث عقدت مؤتمرها بعد النكسة مباشرة وخرجت بوثيقة نظرية حملت عنوان الثورةالعربية امام معركة المصير صاغها جورج حبش خلاصتها سقوط برامج البرجوازية الصغيرة وضرورة تبني الماركسية ودور الطبقة العاملة على رأس التحالف الوطني العريض والعنف الثوري المنظم وحرب الشعب الطويلة المدى والاستقلال التنظيمي لفروع الحركة في رسم برامجهم الخاصة وفق الظروف الجديدة على هذا الاساس تأسست الجبهة الشعبية التحرير فلسطين في١١ ديسمبر من نفس العام .. كتنظيم ثوري جبهوي يساري وأصبح من الناحية النظرية عملية الانتقال الى مواقع الاشتراكية العلمية مسألة محسومة داخل صفها القيادي .. انما كيفية تشريبها لقواعد التنظيم والجماهير الشعبية والانتقال بالجسم التنظيمي من حزب برجوازي صغير الى حزب ماركسي لينيني أخذ طريقين في معظم فروعها.. واذا أعتمد التقييم الذي تقدمة الجبهة نفسها و أستقر عليه معظم من تناول تلك المرحلة التاريخية فقد برزتيارين داخل الحركة والجبهة الأول ماركسي والثاني غير متحمس أو معادي لها ؛ وفي التيار الماركسي نفسه رأيين أحدهما : أتسم بضيق النفس البرجوازي حيث اختار الطريق الاسهلفي مواجهة ما سماه باليمين وحسم التناقض بالانشقاقات والمزايدةوالاحتماء بالطهارة الماركسية وتقاطعت تطلعاته مع أجندة اطراف داخلية وخارجية كانت تسعى لإجهاض العملية الثورية الجديدة وهي نظرة بالمجمل يسارية طفولية مغامرة غير ناضجة قدمت مسوغاتها على اساس تحليل نظري متسرع يفتقد الى حدا كبيرا للحصافة الايديولوجية ومدفوع بالنزعة البرحوازية الصغيرة والدوافع الذاتية الانتهازية تحت ستار اللفظية الثورية والآخر : أخذبالمنهج المادي الجدلي في تحليل ظاهرة التحول واخضع التنظيم لأحد اهم قوانين الديالكتيك المادي ” نفي النفي “بحيث تتعايش وجهات النظر داخل التنظيم الثوري حتى تتمكن الظاهرة اليسارية من نفي نقيضها في الممارسة العملية وهي وجهة نظر الدكتور حبش وقد حسمت التجربةمعظم تلك السجالات والاشكاليات النظرية لمصلحة هذا التوجه الأمر الذي أعطى الجبهة الشعبية خصوصية فريدة على الصعيدين العربي والدوليمكنها من قراءة الواقع ولوحة التناقضات الرئيسية والثانوية بشكل دقيق والحفاظ على دورها الطليعي رغم الظروف والمتغيرات الصعبة حتى هذه اللحظة وقدمت لأحقا نموذجا في الاوساط التقدمية وقد لخصوأجزل مؤسسها في خطابه التاريخي امام المؤتمر الوطني السادس تميزها بأربعةمفاصل رئيسية ولا حاجه للتكرار .. وما يهم تأكيده بان الجبهة الشعبية هي التنظيم العربي ربما الوحيد الذي طرح بشكل علمي وأضح رؤية فكرية وسياسية وتنظيمية متكاملة لقضية الثورة وطريقهاووظف الماركسية اللينينة وقوانينها العلمية بشكل خلاق ؛ استشرف عبرها افاق العمل الوطني ببعديه القومي والاممي وشكلت نقلة نوعية على مستوى حركة التحرر الوطني العربيوقدمت رؤية متقدمة انطلاقا من خصوصية الواقع العربي مفادها بان ” الاممي الجيد هو القومي الجيد وليس العكس “وان استحضار تلك المرحلة قد يضيءجانب مهم لما وصلت إليه القوى التقدمية من تراجع بصرف النظر عن الجوانب الموضوعية وحيثربط الماركسية بالانشقاقات التنظيمية تعد من اخطر التشويهات النظريةالتي قدمتها التجربة اليسارية العربيةحينها .ان الاشتراكية العلمية اذا لم ترفد الحركة الثورية باسلحة فكرية وتنظيمية جديدة تخلصها من ترسباتالمفاهيم القديمةعلى ارضية أكثر وضوحا في وعي الواقع وتحديد طبيعة المرحلة ومهماتها وتعميق وحدة الكتلة التاريخية في مرحلة الثورة الوطنية الديمقراطية بحيث تنير طريق الجماهير نحو أهدافها في تحرير الأرض والانسان تتحول الى إضافية كمية لا أكثر . كان لأبد من الرجوع قليلا للخلف من اجل استقراء المشهد الراهنبتجلياته المختلفة بحيث تشق القوى التقدميةمجراها نحو الجماهير العربية وكسر جدار التعتيم السياسي و الاعلامي وتظهير ادوارها التاريخية والراهنة في حماية المشروع الوطني التحرري بابعادهالتقدمية .وهذا يتطلب من كافة القوى التقدمية العربية تعبئة فكرية وسياسية وتنظيميةمضاعفة وتوفير الدعم بكل اشكاله للقوى السياسية الثورية التي تحمل السلاحوعدم الاحتكام للفعالية العسكرية الراهنة باعتبارها معيار وحيدا للتراجع و تسليم الرايات. ويبقى الكفاح المسلح وسيلة وليس غاية ويتحدد بالظروف الذاتية والموضوعية وان صعود شكلمعين في ظرف معين دون قراءه لوحة الواقع ومتطلباته بشكل علمي موضوعي ليس بالضرورة ان يعطي افضلية أو يقدم النضال الوطني خطوات للأمام . وقد مارست القوى التقدميةوفي مقدمتها الجبهة الشعبية العنف الثوري المنظم وأبدعت في تنويع وسائلهبحسب الظروف والمعطيات سنوات طويلة قبل غيرها ولاشك بان الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين تشكل بحد ذاتها مدرسة ثورية متكاملة ؛ فكريا وسياسيا وثقافيا وكفاحيا ؛حيث قدمت قوافل الشهداء ؛ قادة وكوادر وقواعد في سبيل الحرية والاستقلال والعودة وتقرير المصير وفي هذه الظروف التي يتعرض فيها الشعب الفلسطيني لحرب إبادة جماعية يرتفع فعلهاوصوتها عاليا كحزب يساري طليعي مقاتل عليه الرهان الكبير في انهاض القوى التقدميةالفلسطينية والعربية بحيث تتصدر المشهد الوطني .. وفي الانطلاق المجيدة تحية للرفيق المناضل الكبير أحمد سعدات الامين العام للجبهة ورفاقهالمعتقلين في سجون الاحتلال وتحية لكل قيادة وكوادر واعضاء الجبهة ..وعاشت فلسطين حرة عربية
كاتب ومحلل سياسي من سلطنة عمان
Masoudahmed58@gmail.com
