إبداعات عربية

“نقد العقل الزنجي”.. مفكر كاميرونييفضح ممارسات الغرب العنصرية ضد الزنوج

 

قراءة : احمد عبد الحافظ

سعى المفكر الكاميروني المتخصص في الفكر ما بعد الكولونيالي”أشيل مبيمبي” في كتابه “نقد العقل الزنجي” لفضح الممارسات العنصرية التي قام بها الغرب الأوروبي الاستعماري ضد الزنوج والعرق الذي يمثلونه، وبحث”مبيمبي”، في كتابه الذي صدرت نسخته العربية حديثا عن دار “الروافد الثقافية اللبنانية” بترجمة للمصري خالد قطب، سبل التخلص منهابعد الاعتراف الغربي بما جرى من جرائم استغلال وعبودية وانتهاكات في حق الشعوب الأفريقية وسكان جزر الكاريبي، فأن “ردالحقوقوالتعويضاتوالعدالةتعد،حسب قوله، من أهمشروطالنهوضالجماعيللبشرية”.

وذكرمبيمبي في الكتاب”أن الزنجي كان الكائن الوحيد منبنيالبشر،الذيصنع الغرب منشخصهتجارة،ومنذ القرن الثامن عشر شكلَّ بكيانه ولونه وعرقه فيخيالالمجتمعاتالأوروبية المستوىالأدنى من الإنسانية”المرفوض وغيرالمعترفبه”، مشيرا إلى أن هذا هو التصور الذيانطلقمنهالمشروعالحديثللمعرفة،وكذلكالحكومة.

وذكر أن “النبعالبدائيللرأسماليةسواء من ناحية “ولادةموضوعالعرقأو من ناحية الزنجي”كانا الدافعالمزدوجللانتهاكاللامحدودلجميعأشكالالحظر،والإلغاء، وأيتمييزبينالوسائلوالغايات، وأديا لحدوثعنفغيرمحسوب نتيجة لقوةالاستيلاء،والتحكموالاستقطاب.

وتساءلمبيمبي:”هلإنزالأوروباإلىمرتبةمقاطعةبسيطةفيالعالمسوف يشيرإلىانقراضالعنصرية،بعدتفككأحددلالاتهاالرئيسية؟أم أنه،وعلىالعكسمنذلك،وبمجردحلفكرة “الزنجي” هذهالشخصيةالتاريخية،سنصبحجميعًازنوجاًللعنصريةالجديدةالتييتمإنتاجهاعلىنطاقكوكبيمنخلالالسياساتالليبراليةوالأمنيةالجديدة،وحروبالاحتلالوالافتراس،وممارساتتقسيمالمناطق؟.

الرأسماليةكانت دائمًا-حسب رأيه- بحاجةإلىدعمعنصريلاستغلالمواردالكوكب، وهذاالحالالذيكان بالأمس مازال مستمرا حتى اليوم،وسوف يظل حتىعندماتبدأالرأسمالية فيإعادةاستعمارنفسها.

وتحدث مبيمبي عن “مفهوم العرق”، مشيرا إلى أنه غير موجود كحقيقة طبيعية أو فيزيائية أو أنثروبولوجية أو وراثية لكنه ظهر كبناء خيالي وإسقاط أيديولوجي تتمثل وظيفته في تحويل الانتباه عن النزاعات التي تعتبر خلافاً لذلك أكثر واقعية، مثل صراع الطبقات والجنسين، والإشارة للمخاوف والرعب،والاقتران بالكوارث والمعاناة اللانهائية.

“مفهوم العرق”في بعده الخيالي، لدى “مبيمبي” يرمز للشخصية التي تنطوي على نوع من العصاب الرهابي، والوسواس والهيستيرية في مواجهة آخر يتسلح مطمئناًبالكراهية، ويتعامل مع الخوف، ويمارس قتل الإيثار،ويعطي للاستياء المرير، الرغبة التي لا يمكن كبتها في الانتقام،أما مصطلح الزنجي فيراهمبيمبي غامضاً ومثيراً للجدل، وجاء تعيينه للإشارة للعديد من الأشياء السلبية دفعة واحدة، لافتاً إلى أن العنصرية شكل من أشكال التمثيل البدائي،وهو مصطلح سطحي يستطيع بالكاد التمييز بين الخارج والداخل.

وانشغلمبيمبي في كتابه بالإجابة عن سؤال أساسييدور حولالعالمفي العصر الحالي، وتفكيرهفيالاختلافوالحياة،والمتشابهوالمختلف؟مشيرا إلى أن منطقتوزيعالعنفعلىنطاقكوكبيلميعديدخرأيمنطقةفيالعالم،وأن هناك عمليةواسعة تتم على قدم وساقلخفضقيمةالقوىالمنتجة،لذلك لن يدوم العالم ما لم تستمر البشرية، وتتولى مهمة تشكيل ما يجب أن يسمى احتياطيات الحياة.

وإذا كان رفض الهلاك،حسب قوله، يجعلنا كائنات تاريخية، ويسمح للعالم أن يكون عالماً، فإن هذا لا يمكن أن يتحقق إلا إذا أصبحت الرغبة في الحياة حجر الزاوية وطريقة جديدة للتفكير في السياسة والثقافة.

ولبناءهذاالعالمالمشتركسيكون ضروريا، من وجهة نظر المفكر الكاميروني،استعادةأولئكالذينخضعوالعمليةتجريدوتجسيدفيالتاريخللجزءمنالبشريةالذيسُرقمنهم، وإعادةتجميعالأجزاءالتيتمبترها،وإصلاحالروابطالمكسورة،وإحياءعمليةالمعاملةبالمثلالتيبدونهالاوجودلأي نوع من التساميفيالإنسانية.فالردوالتعويضلابد أن يكونا فيصميمعمليةبناءوعيمشتركللعالم،من أجلتحقيقالعدالةالشاملة. فأخلاقياتالردوالتعويض،حسب مبيمبي، تستوجبالاعترافبمايخص الآخر،وضمانصونه وحمايته،دون النظر لفكرة قبوله والرضا عنه أو رفضه وعدم موافقته. هكذا يرى مبيمبي علاج ما ظهر من آفات وجروح بعد أن حذر من أن الأشكال المتعددة من الممارسات الغربية العنصرية والمجحفة ضد الآخر الزنجي، والتي تم انتهاجها على مدار عقود من الزمان أدتلتجفيف مصادر الحياة باسم العرق أو الاختلاف، وتركت آثارًا عميقة في كل من الخيال والثقافة والعلاقات الاجتماعية والاقتصادية، فضلا عن إنسانيةالإنسان.

ولاينفصلبناءالمشتركات الإنسانيةعنإعادةابتكارمجتمععالميمفتوح،يحظىبالرعاية،بعيدا عنأسلوبالتضمين،والبقاءفيحدود ما هو مرتبطبنا، وهو، حسب وجهة نظره،شَكْلُمنالاختلاف،يأتي فيمعظمالحالات،بسبببناءالرغبة في التميز،ونتيجة عن تجريدوتصنيفوتقسيموإقصاء، ويعتبرعملامنأعمالالقوةالتي يتماستيعابهالاحقًاواستنساخهافيإيماءاتالحياةاليومية،وينتقلإلى سلوكالمستبعدينأنفسهم الذينيعيشونبشكلمكثفتجربةالاستبعادفيظلهذهالظروف،فيكونإعلانهم عنالاختلافهواللغةالمعكوسةلرغبتهمفيالاعترافبهم والاندماج معهم، وحمايتهم، وتجنيبهم الخطر.

أما عن حرص الزنوج على إظهار “التميز العكسي” فليس ،كقول مبيمبي، أكثر منمجرد لحظة فيمشروع عالم يأتي، من آخرماثل أمامهم،تكون وجهته عالمية، وخالياً من عبء العرق ومن الاستياء والرغبة في الانتقام.

 

زر الذهاب إلى الأعلى