“سميرة موسى “ميس كورى الشرق… أول عالمة للذرة
- أذهلت العالم بنتائج أبحاثها ..وكرمتها مصر اعترافا بجميلها .. اغتالتها اسرائيل لمحاولتها نقل العلم النووي إلي مصر والوطن العربي

كتبت نجوى إبراهيم
سميرة موسى التى لقبت ب”ميس كورى الشرق” هى أول عالمة ذرة مصرية ,أدركت منذ صغرها أن العلم هو هدفها ورسالتها فى الحياة ,فتفوقت ونبغت فيه ونالت العديد من الدرجات العلمية وكان هدفها الأسمى هو الاستخدام السلمى للذرة فى مكافحة مرض السرطان , كانت دائما تقول “أمنيتي أن يكون علاج السرطان بالذرة مثل الأسبرين”..وكانت مؤمنة بأن الحديث عن السلام يجب أن يكون من موقف قوة ..فواصلت أبحاثها وأذهلت العالم بنتائج هذه أبحاث حتى توفيت عام 1952..
ولدت سميرة موسى في الثالث من مارس 1917 بقرية سنبو الكبرى مركز زفتى بمحافظة الغربية بمصر، كان لوالدها مكانة اجتماعية مرموقة بين أبناء قريته، وكان منزله بمثابة مجلس يلتقي فيه أهالي القرية ليتناقشوا في كافة الأمور السياسية والاجتماعية.
وفى العام الثانى من عمرها جاءت ثورة 1919 لتنادى بحرية الوطن فتربت سميرة موسى وترعرت على الشعارات السياسية التى تنادى بالاستقلال والحرية .. ساهم هذا المناخ فى تشكيل وعى سميرة ودفع بقوة فى أن تصبح امرأة وطنية تعتز بمصريتها وعروبتها دائماً
تلقت سميرة موسى تعليمها الأولى بكتاب القرية حيث أتمت حفظ القرآن الكريم ,وظهر نبوغها فى المدرسة الأولية بالقرية ,وبدا حبها الشديد للعلم والمعرفة ,ورغبتها فى التفكر والتدبر الكشف عن الغوامض.
وعندما شبت الفتاة ..كان هناك تيار ينادى بحرية تعليم المرأة فى جميع مراحل التعليم ..وكان يقود هذا التيار رائدات العمل النسائى صفية زغلول، وهدى شعراوي، ونبوية موسى، وغيرهن ، وهنا أدركت سميرة موسى أن العلم هو طريقها وهدفها فى الحياة ,ولذلك اتخذت قرارها مبكرا بأن العلم أولا..,فانتقلت مع أسرتها إلى القاهرة من أجل استكمال تعليمها الثانوى بمدرسة بنات الأشراف الثانوية الخاصة ,والتى قامت على تأسيسها وادارتها نبوية موسى الناشطة النسائية المعروفة .
نبوغها وتفوقها جعها تحصد الجوائز الأولى فى جميع مراحل تعليمها فكانت الأولى على شهادة التوجيهية عام 1935 ولم يكن فوز الفتيات بهذا المركز مألوفا في ذلك الوقت حيث لم يكن يسمح لهن بدخول امتحانات التوجيهية إلا من المنازل حتى تغير هذا القرار عام 1925 بإنشاء مدرسة الأميرة فايزة، أول مدرسة ثانوية للبنات في مصر.
تقوقها وحصولها على المركز الأول دفع الحكومة تقدم للمدرسة معونة مالية ..وعندما علمت نبوية موسى رغبة الفتاة فى التحويل الى مرؤسة حكومية لأنها تحتاج إلى معمل للطبيعة وهو غير متوافر بمدرستها الخاصة أسست ناظرة المدرسة معمل لها لتضمن بقائها فى المدرسة واستمرار نبوغها .
ومن أبرز الأمثلة على نبوغها منذ الصغر هو قيامها بإعادة صياغة كتاب الجبر الحكومي في السنة الأولي الثانوية، وطبعته علي نفقة أبيها الخاصة، ووزعته بالمجان علي زميلاتها عام 1933
وبعد اتمامها تعليمها الثانوى أصرت على دخول الجامعة ,وأمام إصرارها وافق والدها على قرارها ,والتحقت بكلية العلوم جامعة القاهرة ,فكانت الأولى فى جميع السنوات ,وتفوقها لفت انتباه أستاذها الدكتور مصطفى مشرفة أول مصرى يتولى عمادة كلية العلوم ,تأثرت به تأثرا مباشرا ليس فقط من الناحية العلمية بل أيضا من الجوانب الإجتماعية فى شخصيته.
حصلت سميرة موسى على بكالوريوس العلوم وكانت الأولى على دفعتها ولذلك تم تعينها معيدة بالكلية وذلك بفضل هود الدكتور مصطفى مشرفة الذى دافع عن تعينها وتجاهل انتقادات وآراء الأنجليز.
ثم حصلت على درجة الماجستير ,وبعدها غادرت سميرة موسى إلى انجلترا فى بعثة علمية للحصول على درجة الدكتوراة ,وحصلت عليها فى سبعة عشر شهرا فقط ,وتابعت دراستها من أجل الاستخدام السلمى للذرة فى مكافحة السرطان ..خاصة بعد أن دخلت أمها فى صراع طويل مع هذا المرض. حيث كانت تقول: «أمنيتي أن يكون علاج السرطان بالذرة مثل الأسبرين».
تمكنت من خلال أبحاثها إلى معادلة هامة تمكن من تفتيت المعادن الرخيصة مثل النحاس ومن ثم صتاعة القنبلة الذرية من مواد تكون فى متناول الجميع ,إلا انه لم يتم تدوين نتائج هذه الأبحاثفى العالم العربى .
كانت تأمل أ يكون لمصر مكانة كبيرة وسط التقدم العلمى الكبير الذى كان يشهده العالم الغربى وقتئذ.
عاصرت ويلات الحرب وتجارب القنبلة الذرية التي دكت هيروشيما وناجازاكي في عام 1945 ولفت انتباهها الاهتمام المبكر من إسرائيل بامتلاك أسلحة الدمار الشامل وسعيها للانفراد بالتسلح النووي في المنطقة
فكانت تأمل أن تسخر علومها فى الذرة لخير البشرية وليس لهدمها .,وكانت مؤمنة بأن فكرة السلام لابد وأن نتحدث عنه من موقف قوة ,وقامت بتأسيس هيئة الطاقة الذرية بعد ثلاثة أشهر فقط من إعلان الدولة الإسرائيلية عام 194,و حرصت علي إيفاد البعثات للتخصص في علوم الذرة فكانت دعواتها المتكررة إلي أهمية التسلح النووي، ومجاراة هذا المد العلمي المتنامي ,كما كانت عضوا في كثير من اللجان العلمية المتخصصة علي رأسها “لجنة الطاقة والوقاية من القنبلة الذرية التي شكلتها وزارة الصحة المصرية
حصلت الدكتورة سمرة موسى على منحة دراسية للولايات المتحدة الأمريكية عام 1951 لدراسة الذرة بجامعة كاليفورنيا.وأذهلت العالم بنتائج أبحاثها فى مجال الذرة خاصة فى الأوساط العلمية فى أمريكا وأوروبا.,ودع إلى عقد مؤتمر دولى بكلية العلوم تحت شعار الذرة من أجل السلام ,حيث شارك فيه علماء من شتى بقاع الأرض.
وعادت إلى أمريكا مرة أخرى لاستمال أبحاثها ,ولتعريف الشعب الأمريكى بقضية بلادها ,وواصلت أبحاثها فى الذرة وتبادلت الأفكار مع الاساتذة فى الجامعات ,واطلعت على أحدث ما وصلت إليه الذرة هناك.
سافرت سميرة موسي إلي بريطانيا ثم إلي أمريكا لتدرس في جامعة “أوكردج” بولاية تنيسي الأمريكية ولم تنبهر ببريقها أو تنخدع بمغرياتها ففي خطاب إلي والدها قالت: “ليست هناك في أمريكا عادات وتقاليد كتلك التي نعرفها في مصر، يبدءون كل شيء ارتجاليا.. فالأمريكان خليط من مختلف الشعوب، كثيرون منهم جاءوا إلي هنا لا يحملون شيئاً علي الإطلاق فكانت تصرفاتهم في الغالب كتصرف زائر غريب يسافر إلي بلد يعتقد أنه ليس هناك من سوف ينتقده لأنه غريب
استجابت الدكتورة سميرة إلي دعوة للسفر إلي أمريكا في عام 1952، أتيحت لها فرصة إجراء بحوث في معامل جامعة سان لويس بولاية ميسوري الأمريكية، تلقت عروضاً لكي تبقي في أمريكا لكنها رفضت وقبل عودتها بأيام استجابت لدعوة لزيارة معامل نووية في ضواحي كاليفورنيا في 15 أغسطس، وفي طريق كاليفورنيا الوعر المرتفع ظهرت سيارة نقل فجأة؛ لتصطدم بسيارتها بقوة وتلقي بها في وادي عميق، قفز سائق السيارة ,و زميلها الهندي في الجامعة الذي يقوم بالتحضير للدكتوراة اختفي .
أوضحت التحريات أن السائق كان يحمل اسمًا مستعارا وأن إدارة المفاعل لم تبعث بأحد لاصطحابها كانت تقول لوالدها في رسائلها: «لو كان في مصر معمل مثل المعامل الموجودة هنا كنت أستطيع أن أعمل حاجات كثيرة». علق محمد الزيات مستشار مصر الثقافي في واشنطن وقتها أن كلمة (حاجات كثيرة) كانت تعني بها أن في قدرتها اختراع جهاز لتفتيت المعادن الرخيصة إلي ذرات عن طريق التوصيل الحراري للغازات ومن ثم تصنيع قنبلة ذرية رخيصة التكاليف
في آخر رسالة لها كانت تقول: «لقد استطعت أن أزور المعامل الذرية في أمريكا وعندما أعود إلي مصر سأقدم لبلادي خدمات جليلة في هذا الميدان وسأستطيع أن أخدم قضية السلام»، حيث كانت تنوي إنشاء معمل خاص لها في منطقة الهرم بمحافظة الجيزة. لا زالت الصحف تتناول قصتها وملفها الذي لم يغلق، وإن كانت الدلائل تشير – طبقا للمراقبين – أن الموساد، المخابرات الإسرائيلية هي التي اغتالتها، جزاء لمحاولتها نقل العلم النووي إلي مصر والوطن العربي في تلك الفترة المبكرة
لم تنس مصر ابنتها العزيزة ,فقد قامت بتكريمها عندما منح الرئيس الراحل محمد أنور السادات اسمها وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى عام 1981 ,وأطلق اسمها على إحدى مدارس وزارة التربية والتعليم بقريتها ,وتقرر إنشاء قصر ثقافة يحمل اسمها فى قريتها عام 1998.
لم يتوقف دور الدكتورة سميرة موسى على البحث العلمى فحسب بل حرصت على تكوين مكتبة كبيرة متنوعة تم التبرع بها إلي المركز القومي للبحوث حيث الأدب والتاريخ وخاصة كتب السير الذاتية للشخصيات القيادية المتميزة. أجادت استخدام النوتة والموسيقي وفن العزف علي العود، كما نمت موهبتها الأخري في فن التصوير بتخصيص جزء من بيتها للتحميض و الطبع وكانت تحب التريكو والحياكة وتقوم بتصميم وحياكة ملابسها بنفسها
شاركت د. سميرة في جميع الأنشطة الحيوية حينما كانت طالبة بكلية العلوم انضمت إلي ثورة الطلاب في نوفمبر عام1932 والتي قامت احتجاجا علي تصريحات اللورد البريطاني “صمويل” شاركت في مشروع القرش لإقامة مصنع محلي للطرابيش وكان د. مصطفي مشرفة من المشرفين علي هذا المشروع ,وشاركت في جمعية الطلبة للثقافة العامة والتي هدفت إلي محو الأمية في الريف المصري,وجماعة النهضة الاجتماعية التي هدفت إلي تجميع التبرعات؛ لمساعدة الأسر الفقيرة ,وانضمت أيضًا إلي جماعة إنقاذ الطفولة المشردة، وإنقاذ الأسر الفقيرة.