كاتبة وأديبة .. كافحت من أجل تغيير الواقع العربي
- جسدت فى أعمالها الأدبية شخصيات نسائية حقيقية ضحايا للقهر المجتمعي.. - علمت نفسها بنفسها ..وعاشت تبحث فى عن العدل وتدافع عنه - طلبت الطلاق من زوجها دفاعا عن حريتها .. - اتسمت سيرتها الذاتية بالجرأة ومواجهة الذات والمجتمع بأخطائه

رؤية : نجوى إبراهيم
اعتُقِلَت هى وزوجها سويًا مرارًا، بسبب اَرائهما السياسية، وعلى الرغم من الحب والتوافق بينهما، إلا أنها فاجائته بطلب الطلاق عندما شعرت أنه يحاول تملكها والاستحواذ عليها وبدأ يحاول فرض اَرائه، حيث رأت أنه لا قيمة للحب طالما صاحبه يريده امتلاكًا وطُلِقت بالفعل
وأفصحت عن سبب طلاقها فى سيرتها الذاتية “حضن العمر”قائلة أنا طلبت الطلاق رغم الحب الكبير بسبب كلمة واحدة اسمها الحرية، كنت عاوزة أعرف أنا مين، عروسة بدوبارة واللاعب بيلعبها وبيلعب بيها.. اللاعب ده كان القديم اللى عايش جوايا منذ سنين، كنت عاوزة أعرف أنا حرة بصحيح أم بدَّعى الحرية.
وتابعت :”كيف يمكنني أن أمارس الحرية مع رجل غير متحرر من شبح الملكية والموروث”.
وفى المقابل كتب عبد الله الطوخى يقول فى سيرته “دراما الحب والثورة”: الآن أعترف من الأعماق أن القضية بينى وبين فتحية هى قضية الحرية، بالتحدديد حريتها فى مواجهة حريتى، فقد تعاملت معها طوال حياتنا على أننى أنا الراعى المسئول عنها وكان هذا هو اللغم الأكبر.
وكانت تجربة الطلاق فى حياتها محفزًا لخيالها، فكتبت كتابها بعنوان “هل أنا حرة أم أدعي الحرية؟ ” استمر الطلاق ثلاث سنوات ,وحينما التقيا بالصدفة وخلال ساعتين من الحديث اكتشفا أن الحب لايزال موجودا، وتزوجا مجدداً, وبقيا معا أكثر من 25 عاما حتى رحيل الكاتب عبد الله الطوخى.
مشوارها الأدبى
بدأت “فتحية العسال “الكتابة الأدبية عام 1957 ,واهتمت فى كتاباتها بالقضايا الإجتماعية وقضايا المرأة بشكل خاص، فكانت نصيرة المرأة في كل كتاباتها، واشتهرت بشخصيتها الثائرة والمتمردة، عاشت تبحث فى أعمالها عن العدل وتدافع عنه، فذكرت فى مذكراتها أنها بعد تعلمها القراءة والكتابة اكتشفت أن القراءة تفتح لها عالمًا واسعًا, وكانت أول تجربة كتابة حقيقية لها مع الخطابات الغرامية من خلال جواب أرسلته إلى حبيبها فى ذلك الوقت، الذي أضحى بعد ذلك زوجها,ثم بدأ مشوارها الفعلى عندما التقت بــ”جبران خليل جبران” الذي كان له الفضل في تشكيل جزء كبير من أفكارها التنويرية.
و بدأت فتحية العسال مشوارها بالمسرح فى مسرحية “المرجيحة” عام 1969 وتبعتها وتبعتها عام 1972 بمسرحيّة “الباسبور” التي قُدمت على مسرح الجمهوريّة، وكتبت في الثمانينيّات مسرحتين هما “نساء بلا أقنعة” و “البين بين”، ليلة الحنة، من غير كلام.
وبعد تجربة الاعتقال السياسي خرجت علينا بمسرحية جديدة في التسعينيّات هي “سجن النساء” التي عُرضت على خشبة المسرح القومي.
كما كتبت مسلسلات اجتماعية عرضت بالتليفزيون وصلت 57 مسلسلًا بدأت بـ”هى و المستحيل الذى عبرت فيه عن تجربتها الذاتية ,و شمس منتصف الليل، حبال من حرير، رمانة الميزان، بدر البدور، حتى لا يختنق الحب، لحظة صدق الذى حصل على جائزة أفضل مسلسل عام 1975.
حضن العمر
ونشرت سيرتها الذاتية بعنوان ” سيرة فى حضن العمر” صدر فى جزئين عام 2002 وحازت جائزة الدولة للتفوق في الآداب عام 2004 , نالت عنه باحثة جزائرية “قاسمى وهرة ” على درجة الماجستير من جامعة وهران، وقد أهدت فتحية الجزء الأول إلى زوجها عبد الله الطوخى وكتبت تقول “إلى عمق النهر وعشرة العمر الطويل عبد الله الطوخى”، وأهدت الجزء الثانى إلى ابنتها صفاء الطوخى تقول فيه “إليك مسرحيتى بلا أقنعة حتى لا ترين قيودى”.
وامتزج الحكي في هذه السيرة بين العام والخاص ,واتسمت بالجرأة ومواجهة الذات والمجتمع بأخطائه , قالت فيها :كنت أتردد كثيرًا في البوح حتى أمام نفسي، أخاف البوح عن إحساسي بالمهانة لما حدث في طفولتي وفي مراهقتي بفعل التخلف الذي كان سائدا حينذاك.
مكانتها الأدبية
تتصدر الكاتبة المناضلة قائمة التأليف المسرحي في مصر، وهي لا تمثل هذه المكانة استنادًا إلى حجم إبداعها المسرحي فقط مقارنة بزميلاتها، بل أيضًا بسبب تميزها الفني الواضح فقال المجلس الأعلى للثقافة عن كتاباتها يوم رحيلها عندما تقرأ كتابات فتحية العسال، فإنك تحس أنك أما كاتبة عامرة الروح، تحمل عبء رسالة إنسانية عادلة، تدعو إلى تحرير المرأة المصريّة من قيود التقاليد البالية، وتنادي بالصدق في كل العلاقات، وتدين الزيف والنفاق، وكل ما هو متخلف في حياتنا.
تخطى التقدير الذى تحظى به الكاتبة فتحية العسال مصر إلى مجمل العالم العربي، ومن هنا كان طبيعياً أن تصدر “الهيئة العربية للمسرح” بياناً تنعي فيه “الكاتبة الكبيرة” جاء فيه :”تشاطر الفنانين المصريين والعرب أحزانهم لرحيل الكاتبة المسرحية فتحية العسال”.
العمل بالسياسة والإعتقال
انخرطت فتحية العسال في العمل الحزبى و الوطني منذ شبابها حيث عاصرت فترة الاستعمار الإنجليزي لمصر، وانضمت لأحزاب سرية وعبرت عن رفضها لمعاهدة “كامب ديفيد” التي وقعت عام 1979 وهو ما تسبب في تعرضها للاعتقال ثلاث مرات, وكانت هى من طالب الرئيس “محمد نجيب” بالمساواة في المعاملة بين جميع المعتقلين وفي هذه الأثناء، تم القبض عليها في سجن المطرية لتقضي 14 يومًا بمفردها مع رضيعها كما سجنت على خلفية تظاهرها ضد الأحكام العرفية في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر 1954,وكانت تعارض حكم “عبد الناصر” المتمثل في حكم الفرد، ومع ذلك كانت تراه الزعيم الوطني الأوحد الذي حافظ على القومية العربية وعروبة مصر.
في عهد “السادات” اعتقلت فتحية العسال بسبب موقفها الرافض لاتفاقية الصلح مع إسرائيل – كامب ديفيد – وحول تلك الواقعة قالت: عندما تشكلت لجنة الدفاع عن الثقافة القومية لمواجهة التطبيع في المجال الثقافي وأنا كنت جزءا منها وكانت معي لطيفة الزيات وعواطف عبد الرحمن وأمينة رشيد ورضوى عاشور وعبد العظيم أنيس ومحمود أمين العالم ونبيل الهلالي وجمال الغيطاني ويوسف القعيد.. وفي معرض الكتاب عام 1979 تم تخصيص جناح لإسرائيل فخرجنا جميعا وحرقنا العلم الإسرائيلي وتظاهرنا، وأثناء الليل قبضوا علي ووجدوا في بيتي المطبوعات والمنشورات التي تخص اللجنة، فأودعت سجن القناطر وهي التجربة التي تمخض عنها مسرحية “سجن النسا” التى تحولت لمسلسل تليفزيونى بعد رحيلها عام 2014 ,و نال إشادة جميع النقاد وغالبية من شاهدوه و اعتبره البعض أحد علامات الدراما العربية.
بعد اعتقالها صدر قرار بمنع جميع أعمالها من التليفزيون والمسرح والسينما فكتبت إبداعاتها فى هذه الفترة بتوقيع نجيبة العسال وهو اسم شقيقتها الكبرى ,وصدر قرار بالإفراج عنها في ديسمبر عام 1981
ووصفت الفنانة صفاء الطوخي؛ مشهد اعتقال والدتها الأديبة المناضلة فتحية العسال ضمن حملة 3 سبتمبر 1981 الشهيرة للرئيس الراحل محمد أنور السادات، والتي شهدت اعتقال ما يزيد عن 1500 من رموز المعارضة السياسية في مصر، على خلفية معارضة توقيع اتفاقية كامب ديفيد, انه كان اعتقال بشياكة ,وقالت خلال لقائها ببرنامج «معكم» مع الإعلامية” منى الشاذلي “إن اعتقالها؛ لم يكن بالمفاجأة -بل كان متوقعا- إذ إنه تم اعتقال جميع الناشطين السياسيين، وكل من يربطه علاقة بالورقة والقلم والرأي في مصر.
وتابعت : قوات الشرطة استقبلتها بلطف وترحيب فضلا عن ضيافتهم بالمشروبات إلى حين الانتهاء من تحضير حقيبة أغراضها , وذهبت معاهم بشجاعة شديدة.. وكان اعتقال بشياكه.
ولفتت إلى تزامن اعتقالها مع محاولات وقف تحضيرات مسرحيتها “نساء بلا أقنعة” على مسرح السلام، لولا إصرار الفنانة الكبيرة “سميحة أيوب” على استكمال التحضير، مشيرة إلى تزامن خروجها من السجن؛ مع يوم افتتاح العرض.
وعن رؤيتها لمشهد اعتقالها والذي تخلل فترة دراستها بالمرحلة الثانوية قالت: “لم أكن متفاجئة لأنها كانت ثورية وصاحبة سوابق كثير.. لكن مكنتش عارفة الاعتقال هيستمر لامتى .
وأضافت أن والدتها؛ كانت مشعة بالقوة الإنسانية مع ترحيلها، إذا أنها كانت تدرك أن هذا الثمن الطبيعي لمواقفها. وأفصحت أن والدتها كانت تساندهم من داخل المعتقل بجواباتها المهربة التي كان ترسلها لهم .
ولفتت إلى خروج والدتها من تجربة الإعتقال الأخيرة؛ بكتابة مسرحية “سجن النساء”,وتم الإفراج عن “فتحية العسال” عقب اغتيال الرئيس الراحل السادات، بالتزامن مع تقلد الرئيس الأسبق مبارك السلطة، ضمن سلسلة الإفراجات عن جميع المعتقلين السياسيين آنذاك.
وأوضحت الفنانة صفاء الطوخي، أن أسرتها كانت عائلة استثنائية، إلا أنه كان بيتا مصريا تقليديا مثل كل البيوت؛ لكنه كان مطعما بالثقافة والفنون والتمرد لزوجين بروح الثورة والتمرد.
عاشت فتحية العسال حياة مزدحمة بالعمل العام والوطنى والأدبى فكانت عضو مجلس إدارة اتحاد الكتاب ورئيس جمعية الكاتبات المصريات وأمين عام اتحاد النساء التقدمي وعضوة بحزب التجمع,خاضت تجربة الانتخابات البرلمانية أكثر من مرة ولكن لم يحالفها الحظ
واصلت جهادها ونضالها حتى أواخر أيامها فلم يمنعها المرض من المشاركة فى ثورة 25 يناير فصممت على النزول للميدان ,ومن بعدها شاركت في اعتصام المثقفين إبان عصر الإخوان أمام وزارة الثقافة عام 2013 للمطالبة بإقالة وزير الثقافة الذى كان محسوب على جماعة الإخوان .
ورغم رحيلها بعد صراع مرير مع المرض فى يونيو 2014 إلا أنها لا تزال حاضرة معنا بكتاباتها وأعمالها الدرامية، التي عبرت فيها عن معاناة المرأة ونادت بحقوقها وتحريرها .