
تحليل ومتابعة : محمد عطا
يبدو أن الشعب الافغانستاني على موعد مع العذاب والصدمات ، بعد سيطرة حركة طالبان المتطرفة على السلطة فى صيف 2021 ، عقب الانسحاب الأمريكي المفاجئ بعد 20 عام من الاحتلال ،ولم يجلب سوى الخراب والفوضى والتدمير .
وبعد أكثر من عامين من عودة حكم طالبان للسلطة ،ازدادت الصراعات الاجتماعية فى البلاد وأصبحت الأوضاع الاقتصادية من سئ لأسوأ، نظام سياسي غير واضح المعالم تغلب عليه الصبغة الدينية المتطرفة المتجددة المخالفة لتصحيح وثوابت الدين الحنيف.
وحسب مراقبون للمشهد الافغاني ،فإنه وبعد أكثر من عامين من حكم طالبان ، لم يتغير شيء بل ازداد الوضع سوءا، خصوصا بعد أن منعت الحركة الفتيات الأفغانيات من الذهاب إلى المدرسة، ومنع النساء من العمل في الوظائف المحلية والمنظمات غير الحكومية وقمعت وسائل الإعلام وغيرها الكثير.
ومنذ عودة حركة طالبان إلى حكم أفغانستان وهى تواجه تحديات كثيرة تفاقمت في نهايات العام الماضي بعد قرارها منع تعليم الفتيات في المراحل الثانوية والجامعية، كما أن تفاقم الأزمة الاقتصادية واستمرار التحديات الأمنية جعل قدرة الحركة على تحقيق كثير من وعودها السابقة بجلب الأمن والاستقرار محل شك بل ودرب من الخيال والوهم .
وقرار الحركة الأخير بمنع تعليم الفتيات في المراحل الثانوية ثم الجامعية والذي أعقبه قرار آخر بمنع النساء من العمل في القطاع الخاص، سابقة غير متكررة في تاريخ النظم والجماعات المتشددة؛ فجميعها لم تمنع تعليم النساء إنما منعت الاختلاط في فصول الدراسة، وسمحت للنساء بالتعلم في كليات تضمهن فقط، ومنعت الرجال طلابًا ومدرسين من دخول أي مؤسسة تعليمية تخصهن
ورفض الأزهر الشريف بشدة هذا القرار وأعلن شيخه الإمام أحمد الطيب أن قرار طالبان منع النساء الأفغانيات من التعليم الجامعي يتعارض مع الشريعة الإسلامية، كما رفضت الأمم المتحدة القرار الحركة واعتبرته جريمة ضد الإنسانية.
وحسب خبراء فى الجماعات الاسلامية فإن حركة طالبان من أكثر التنظيمات الإسلامية محافظة وتشددًا؛ فلديها بنية عقائدية فيها كثير من الدين وقليل من السياسة، والمقصود هنا التفسيرات المغلوطة والمتشددة للنصوص الدينية بعيدا عن صحيح الدين والوسطية والاعتدال
وتحكم حركة طالبان تحكم أفغانستان منذ أكثر من عامين وفق نسق عقائدي شديد الانغلاق، وقامت بخيار وحيد شجعه العالم وهو فصل الحركة عن جماعات التطرف العنيف العالمية، وتصورت أنها تحتاج فقط إلى مساعدات اقتصادية من المجتمع الدولي بدون شروط سياسية واجتماعية، وأصرت على التمسك بنظام يخنق المجتمع ويقهر المرأة ولا توجد فيه أي سلطة منتخبة ولو شكلية، فهناك حكومة تدير أفغانستان، وهناك أمير المؤمنين أو قائد الحركة هبة الله أخوند زادة يحكم البلاد.
واستمرت حركة طالبان في التمسك بمجموعة من المفاهيم والتفسيرات الدينية الخاصة بها جعلتها ترفض «الديمقراطية» ومفاهيم حقوق الإنسان، لأنها تمنح حق التشريع للشعب، مؤكدة أن «الحاكمية لله»؛ ولذلك لم تحرص الحركة طوال سنوات حكمها السابقة والحالية على وضع دستور ينظم شؤون البلاد، واحتفظت بالشعار العام البراق الذي يردده عادة معظم التنظيمات الدينية وهو “القرآن والسنة هما دستورنا”، ولا تؤمن الحركة بالانتخاب؛ فأميرها يختاره “أهل الحل والعقد”، وحتى الشورى تَعُدُّها غير ملزمة إنما هي للاسترشاد، كما ترفض الأحزاب وتعدها نوعًا من العصبية الجاهلية.
وقامت طالبان ببعض المواءمات مع الولايات المتحدة الأمريكية والمجتمع الدولي، وأبدت مرونة تجاه بعض القضايا الخارجية، وفصلت نفسها عن تنظيم القاعدة وحاربت داعش، إلا أنها استمرت في التمسك بمجموعة من المفاهيم والتفسيرات الدينية الخاصة بها التي عزلتها عن العالم، إلا فيما يتعلق بطلب المساعدات الاقتصادية والإنسانية.
ووجه الدكتور ناجح إبراهيم الخبير فى شؤون الجماعات الاسلامية، أن إدارة حركة طالبان للدولة الأفغانية كارثية ولم تقدم جديدا ،بل ساهمت فى أن يسوء الوضع فى البلاد أكثر مما كان أيام الاحتلال الأمريكي ذاته الذى سيطر على البلاد أكثر من 20 عام .
وأضاف ناجح ابراهيم فى تصريحات خاصة ” للوسط العربي” ، إن حركة طالبان لم تطور من نفسها طوال تاريخها ولم تقدم مفكرين مثل الأزهر الشريف لتجديد الخطاب الديني لمواكبة التطورات الحديثة ، لتحقيق الأهداف المنشودة من المجتمع .
وتابع إبراهيم حديثه ” للأسف الشديد حكم الحركة ساهم فى ازدياد أن زيادة انغلاق المجتمع وقهر المرأة والسيدات، بعد قراراتها الكارثية بمنع تعليم الفتيات وعدم عمل المرأة والتى تجاوزت ما يحدث فى العصور الجاهلية والظلامية المدعومة من الاحتلال الأمريكي الذى يريد تحقيق مصالحه حتى لو على حساب الشعب المغلوب على أمره .
وأكد إبراهيم إن استمرار حركة طالبان فى حكم أفغانستان كارثي سيزيد من الصراعات والغليان الداخلي ،الذى قد يصل بالأمور إلى وضع يخرج عن السيطرة.
