رفضت الزواج حتى لا تكون محكومة ..وكرست حياتها لتعليم الفتيات
أديبة وكاتبة من الطراز الأول.. أنفقت مالها الخاص على إنشاء المدارس الأهلية ..وعاشت على معاش وزارة المعارف.. أعداء النجاح.. أبرز العقبات فى حياتها

قراءة : نجوى إبراهيم
حققت “نبوية موسى”نجاحا باهرا فى عمها وهو الأمر الذى دفع خصومها الى تدبير العديد من المكائد لها ,فاستطاع بعض الخصوم إقناع الإنجليز أن نبوية من الوطنيات العاملات بالسياسة فتم نقلها إلى القاهرة و أعيد تعيينها فى المعارف بوظيفة وكيلة معلمات بولاق ثم تم ترقيتها في 1916م ناظرة لمدرسة معلمات الورديان بالإسكندرية. وظلت في هذه الوظيفة حتي عام 1920,ولم يكن لنبوية عمل فعلى فى الوزارة ,ولذلك اتجهت إلى الكتابة فى الصحف ونشر مقالاتها فى جريدة الأهرام ,وفى احدى مقالاتها انتقدت نظم التعليم في مصر الأمر الذى أثار غضب المستشار الإنجليزي للمعارف فمنحها إجازة مفتوحة مدفوعة الأجر .
وفى عام 1926 شنت هجوما جديدا على وزارة المعارف ,وطالبت بتعديل برامج الوزارة وقصر عمليات التفتيش فى مدارس البنات على النساء دون الرجال ..وتم فصلها من عملها بالحكومة ولكنها لم تستسلم ،واتجهت إلى القضاء فأنصفها وأعاد لها اعتبارها..
مدارس الأشراف لتعليم البنات
بعد انتهاء خدمتها بالمعارف سافرت إلى الأسكندرية ونجحت فى تأسيس مدرسة ابتدائية أهلية للبنات بالتعاون مع جمعية ترقية الفتاة ,ودعت نبوية موسى إلى تشجيع التعليم الأهلى للبنات ، وبررت ذلك بأن الأمة لا تنتج إلا إذا كانت نشيطة عاملة، ولا تكون نشيطة مادام نصفها أشل,لا حياة فيه ,فتوسعت فى إنشاء المدارس وعُرفت مدرستها باسم مدرسة البنات الأشراف، وأصبح لها سمعة وشهرة كبيرة، وأصبحت مصروفاتها أكثر من مصروفات المدارس الأميرية وزاد الإقبال عليها,واهتمت بمدارسها الخاصة فارتفع شأن مدارس بنات الأشراف بالاسكندرية ,وأنفقت مبلغ المكافأة الذي حصلت عليه من المعارف علي تطويرها فأصبحت من أفضل المدارس من حيث البناء،و تجهيزات والإعداد والإدارة والتعليم ,ثم قررت نبوية موسى أن تمد نشاطها من الأسكندرية إلى القاهرة ،وطالبت نبوية موسى بتوحيد مناهج التعليم لكل من البنين والبنات، واهتمت برياض الأطفال ..أنفقت أموالها الخاصة على إنشاء المدارس الأهلية وعاشت على معاشها من المعارف.
الإسهامات
تعد الفترة فيما بين 1937 و1943 من أزهى فترات “نبوية موسى “وأكثرها نشاطًا وحيوية وفاعلية، ففيها تعدت الخمسين من عمرها، وقامت إلى جانب إدارة مدارسها بانشاء مطبعة ومجلة أسبوعية نسائية باسم الفتاة صدر العدد الأول منها 20 أكتوبر 1937 ..ولكن تم اغلاقها فى عام 1942 عندما تولى حزب الوفد الحكومة نظرا لتوجهها السياسى
شاركت في كثير من المؤتمرات التربوية، وكان لنبوية موسى نشاط اجتماعي كبير من خلال الجمعيات والمؤتمرات النسائية على المستويين المحلي والعالمي، كما أن لنبوية موسى بعض المؤلفات الدراسية التي قررتها وزارة المعارف،كان أبرزها كتاب “ثمرة الحياة فى تعليم البنات ” و”المطالعة العربية”, وكان لها دور كبير في الدفاع عن حقوق المرأة حيث قامت في عام 1920 بنشر كتاب عن المرأة والعمل ,و القاهرة عام 1939, وكتبت سيراتها الذاتية كاملة فى كتاب “تاريخى بقلمي”,والذي أعادت المرأة والذاكرة إصداره في طبعته الثالثة، 1999، وقدمته د. رانيا عبد الرحمن ود. هالة كمال، وهو ضمن السير الذاتية المعدودة التي تركتها لنا الرائدات المصريات في العصر الحديث، كما جاء في مقدمة الكتاب ،كما إن “نبوية موسى” أديبة وكاتبة من الطراز الأول فقامت بتأليف رواية تاريخية باسم “توب حتب” حيث تحتوى على الكثير من المناقشات العلمية والأخلاقية ونشرت فى هذه الفترة ديوانها الشعرى الذى صنفها كأديبة شاعرة بارعة وارتبطت معظم قصائدها بالمناسبات كرثاء زعماء الأمة وشخصيات بارزة ,وتحتل ثورة 1919 مساحة غير قليلة من ديوانها وصفت قصائدها فى مقدمة ديوانها قائلة:”تكاد قصائدى تكون مجمل تاريخ لأول أدوار تعليم البنات فى مصر , وقد ضمّنتها جزءًا عظيما مما كان في الحركة الوطنية… لهذا أقول: أن ديوان آشعارى- إن جاز لي أن أسميه كذلك – ليس كدواوين الشعراء , كله خيال بل هو تاريخ إجمالي للحركة الوطنية والنهضة النسائية فى مصر , كذلك لها قصص قصيرة كتبتها عام 1911 مستلهمة من الحياة المصرية القديمة.
المقارنة بين الرجل والمرأة
معاناتها منذ الصغر كنت نتيجة للتفرقة بينها وبين الرجل مما جعلها تطيل المقارنة بين الرجل والنساء ..هذا ما ذكره “عباس محمود العقاد “فى جريدة آخر ساعة بتاريخ 11 يوليو 1943 قائلا: أن السيدة نبوية موسى كانت تزور الأستاذ “داود بركات” فى صحيفة الأهرام، وأنه جلس معهما فى مكتب واحد يتسع في بعض الأحيان لخمسة أو ستة من الزوار.
ويضيف بأنه لا يذكر أنها خاضت قطُ في حديث من أحاديث السياسة التي كانت تشغل الأذهان كلها في تلك الأيام، وإنما كان شاغلها الأكبر حديث الرجل والمرأة في الحياة العامة والخاصة، وكانت تطيل المقارنة بين الرجال والنساء، وتقيم الدليل تلو الدليل على أن الرجل هو أضعف الجنسين عقلًا وأقصرهما باعًا وأقلهما حيلة! ومن أدلتها التي كانت تكررها لإثبات هذا الرأي أن الرجل والمرأة يأكلان الحلوى معًا، ولكن الرجل هو الذي يؤدي الثمن وحده وهو طائع، فلماذا يصنع ذلك لولا أنه هو المخدوع المغلوب الذي يسخَّر لقضاء مآرب المرأة من قديم العصور؟ ويقول أنها لما أكثرت من تكرار هذا الدليل قال لها مرة: بل أقدر من الرجل والمرأة معًا طفلهما الصغير، فردت: وكيف ذلك؟ فقال العقاد لأنهما يعطيانه الطعام ويقدمان له الدواء ويرشوانه بالدراهم أحيانًا ليُقْبل على الأكل والعلاج! فقهقهت نبوية حينما سمعت ذلك وقالت ضاحكةً: “هذا قياس مع الفارق!” كانت تقول نبوية أن أحاديث الرجال «وقلة عقولهم»؛ لأنهم يقعون في حبائل المرأة، ولا يعرفون لها جمالًا غير جمال الأجسام دون جمال العقول.
الإنتصار للمرأة
كرست “نبوية موسى” حياتها من أجل الإنتصار لحق المرأة فى التعليم , ولذلك رفضت الزواج للتفرغ لقضيتها فقالت فى سيرتها ::” لم أكن دميمة الوجه في صباي، ولكنني كنت أعلن عن نفسي الوحاشة لأتقي الرجال، فقد كنت أكره الزواج حتي لا أكون محكومة” فكرست حياتها لخدمة التعليم، خاصة تعليم البنات.
لم تتوان «نبوية موسي» طيلة حياتها لإعطاء المرأة حقوقها، التي رأت أن أهم خطوة لذلك هي تسليحها بالتعليم ,وكان لنبوية موسى دورها الفعال ضمن الحركة النسائية في مصر الحديثة، حيث كانت ضمن وفد الاتحاد النسائي المصري الذي ضم هدى شعراوي وسيزا نبراوي وريجينا خياط ومدام ويصا واصف المشاركات في المؤتمر الدولي للمرأة في روما في عام 1923.
كما شاركت في تأسيس الاتحاد النسائي المصري، وعدة جمعيات نسوية. تبرعت إلى وزارة المعارف قبل نهاية حياتها بمدرسة “ترقية الفتاة” التي كانت قد أنشأتها واشترت مقرها من مالها الخاص.
وفي نهاية شهر أبريل عام 1951، رحلت نبوية موسى،عن عالمنا ولكنها تركت خلفها سجلا حافلا بالمعارك لأجل تعليم الفتيات…