إبداعات عربيةعاجل

باحث نرويحي تتبع حكاياتها ..صعود وانهيار خمسين دولة ومملكة اختفت من الوجود

 

يمثلكتاب”البلاد المختفية” نوعامختلفامنكتبالتاريخ بسبب موضوعه الفريد وغير المألوف،وفيهيشير مؤلفه الباحث النرويجي بيرون بيرج إلى العديد من المواصفات والمحدداتالتي يمكن حال توفرها في كيان جغرافي ما أن تجعل منه “دولة”،كما يبحث المؤلف الإمكانيات التيتجعلدولةتُعمرطويلاوأخرىتنطفيء، ولا يتوقف بيرج عند حدود سبل بقاء الدول واستمرارها على مستوى القوة والجغرافيا والامكانيات بل يبحث في محددات أخرىبعيداعنأسبابقدرتها علىالبقاء،حيث يظلالسؤالعنجودةالحياةالتيتوفرهالأفرادشعبها،ومدىاستعدادها لإسعادهم.

منبيننحوألفدولةحولالعالمأصدرتلنفسهاطوابعبريديةمنذعام 1840 تعبرفيهاعنطموحاتهاوتحتفيبمناسباتهاوأبطالهاوتخلدأيامهايجمعكتاب “البلاد المختفية” الذي صدر حديثا عن دار الترجمان للطبع والنشربيندفتيهقصصالخمسيندولةاختفتمنالوجود،وطواها النسيان، ويحصي المؤلف من بينها ثلاث دول استمرت لمايزيدعلىقرنونصف،وعشراًلمتتجاوزالخمسسنوات،أما الغالبيةالباقيةفبقيت على خريطة العالم مابينخمسسنواتوثلاثةوثمانينعاما،وما يدهش في هذه القضية أن هناك دولا اختفت، وأغلقت بوابات حكمها بمجردأنأصدرتلنفسهاطوابع بريد،ولم تكن صاغتبعد نشيداوطنيا أوصنعتعلما، وكان عددها ثماني دولا تراوحتفتراتوجودهامابينأسابيعوشهورقليلة.  

الكتاب قدم نسخته العربيةمحمدالبلاسيوأميرةالطحاويوراجعه الكاتبأيمنشرف، وصدر في نسخته النرويجية الأصلية بعنوان “لا مكان..أطلسالبلدانالمختفية 1840 – 1975″،وفيه يرصد بيرج تبايناتكبيرةبين الدول التي تلاشت من الوجود،وركز علىحجم كل منها وشكلها، فضلا عن موقعها وفترة وجودها،وقال إنها رغم تلك التباينات تشتركفيحقيقةواحدةهي أنهاعانتطويلاحتىتصدرطوابعهاالخاصة،وذكر أن أسماءبعضهاقدتكونمألوفةنسبيافيالغربمثل”بيافرا”أو”نيوبرونزويك”،وبعضهامألوفاًفيالشرقمثلطنجةوطرابلسويافعالعلياورأسجوبي،وكثيراًمنهامثل”لابوان”و”تاناتوفا”و”إنيني”غير معروفةلا فيالشرقولا في الغرب،لكنجميعهذهالدولالمفقودةتمتلكقصصامثيرةتستحقالحكي،سواءتلك التي لمتعمركثيرامثل”كاريلياالشرقية”التيلمتعشسوىبضعةأسابيعخلالالحربالسوفيتيةالفنلنديةعام 1922،أوالتي كانتدولامعمرةمثل”يافعالعليا”اليمنالحالية، وعاشتقرابة 167 عاما (1800-1967)،أو”دولةأورانجالحرة”التيأسسهاالبويرفيجنوبإفريقياالحالية،وعاشتقرابة 50 عامافيأواخرالقرنالتاسععشر.ولفت المؤلف إلى أن هذاالطيفالواسعيعكس تاريخالدولفيالقرنين 19 والـ 20، وماشهدهمنأيديولوجياتوموجاتهجرةوصراعات مختلفة.

قسم المؤلف كتابه إلى 6 فترات تاريخية احتلت الأولى عشرين عاما بدأت من 1840 وحتى1860، وتحدث فيها عن مجموعة من الممالكمثل مملكة “الصقليتين” التي كانت تضمنابوليوصقلية، ومملكة “هيليجولاند”البريطانية، “1807 – 1890″،والتي بلغتعدادسكانها 2200 نسمة،ومساحتها أقل من اثنين كيلومترمربع، واشتهرت بأنشطتها السياحية، وفي عام 1890 باعهاالإنجليزلألمانيامقابلالحصول على جزيرةزنجبارقبالةالسواحلالشرقيةالأفريقية،وقام الألمان بعد شرائها بتبسيط الاسم إلى هيلجولاند،وأنشأواعليها قاعدةبحرية، وقد أعاد الانجليز احتلالها أثناء الحرب العالمية الثانية، وظلت تستخدمها في تدريبات الطائرات، ثم في بداية النصف الأول من الخمسينات أرجعوها لألمانيا من جديد.

وتركزت الفترة الثانية بين عامي 1860 و1890، وتضمنت دولا قام اقتصاد بعضها على تجارة السلاح، مثل مستعمرة أوبوكالفرنسية التي ارتبط تاريخها بطموحات الشاعر الفرنسي رامبو وسعيه لحصد المال والثراء، وقد كانت عبارة عن قرية على البحر الأحمر، واشترتها فرنسا عام 1862 من أجل تأمين امدادات الفحم لقواتها البحرية والتدفق المستمر للسفن المحملة بالسلاح من وإلى مستعمراتها في جنوب شرق آسيا.

أما مستعمرة”جزرالهندالغربيةالدنماركية” فكان نشاطها الأساسي منصبا على زراعات السكر، وقد ظهرت إلى الوجود عندماطالبتشركةالهندالغربيةوغينياالدنماركيةبالأحقيةفيمجموعةمنالجزرتقعشرقهايتيمباشرةً، كان ذلكفيمنتصفالقرنالسابععشر،وكانتالجزرالثلاثالمعنيةخصبةبشكلغيرعادي،وكانت”سانتتوماس”و”سانتجون”بركانيتينفيالأصلبهماجبالوتضاريسجبلية،فيحينتشكلت”سانتكروا”منخلالالشعابالمرجانيةوكانتمسطحةتماما،وبلغتالمساحةالإجماليةللجزرحوالي 350 كيلومترًامربعًا،وقد وفرت حتىنهايةالقرنالثامنعشرازدهارًاكبيرًاللدنماركوالنرويج،لكننجاحهاالتجاريكانيعتمدكلياعلىالعبودية، ومع مرور  السنين وتردي أحوالها التجارية قررت الدانمرك بيعها للولايات المتحدة الأمريكية عام 1917، مقابل 25 مليوندولار،وقامت الأخيرةبتسميتهاباسمالجزرالعذراء،مع الاحتفاظ بأسماءالشوارعوالأعيادالدنماركية.

وتحدث المؤلف عن 6 دول ظهرت في الفترة1890 – 1915، منها ما كان يستخدم في معاملاته نقودا حجرية، مثل”كارولينز” وتقعشمالغينياالجديدةغربالمحيطالهادئ، بعدها تأتي الفترة من1915 وحتى 1925، وتضمنت “رأسجوبي” و”روسياالجنوبية” و”الجمهوريةالطرابلسية” و”كاريلياالشرقية”، ثم الفترة من 1925 وحتى 1945، وأخيرا الفترة ما بين 1945و1975، وتحدث خلالها عن دولة يافعالعليا وبيوتها الطينية وطوابعها المبهرجة.

وأشار بيرج إلى أن الزخارفوالرموزالمختارةللطوابعمثلت دائمانوعامنعرضالذاتالوطنية،تعبيراعنأهدافوطموحاتالسلطاتالحاكمة،ومنخلالالطوابعالبريديةالتياستخدمتبالفعل،ولمتكنمجردتذكاراتيقتنيهاهواةالطوابع،ويقودبيورنبيرجقارئهفيرحلةمسحساحرةللدولالتيسقطتوالمستعمراتالتياختفت،وكأنالطوابعبوابةللتاريخوالسياسةوالمجتمع،فنوعيةطباعتهاونوعالورقالمستخدمفيهايشيلنابدرجةالاستقرارالسياسيوالاقتصادوالتواصلمعالعالمالخارجي،ويقولبيرجإنقدرةتلكالدولعلىإصدارطوابعهاكانت معياراسائدايمكنمنخلالهقياسسلطةالدولةفيالعصرالحديث.

وبالإضافةإلىالطوابعيعتمدبيورنبيرجعلىالأدبوشهاداتشهودالعيانعلىأحداثالنشأةوالنهاياتوكذلكعلىالمصادرالتاريخيةالموثوقةفيإلقاءنظرةغيرتقليديةعلىتلكالدولغيرالمعروفةعلىنطاقواسع،ليقدملناحكاياتحافلةبالمعلوماتوحقائقمثيرةأقربإلىالخيال،ومنالطرائففينطاقناالعربي-أنكثيرامنطوابعدولةيافعالعلياكانتتحملصوراللوحاتالفنانالفرنسيإدجارديجا،ومنبينهالوحة”راقصاتالباليه”.   

يذكر أن بيورنبيرجمهندسمعماريوباحثومحاضرمن مواليد 1954،نشرالعديدمنالمقالاتوالكتبحولالهندسةالمعمارية،منبينها”بيئةموادالبناء” وصدرفيطبعتينعامي 2000 و2009،ويعتبر مرجعتعليميفيعددمنالجامعاتحولالعالم.

 

زر الذهاب إلى الأعلى