بنت النيل .. حققت حلم عظيم كان يراود الكثيرات من النساء المقهورات
حطمت القيود والأعراف وكانت تردد : أنت وحدك تجرؤين.. أثبتت في رسالتها أن حقوق المرأة في الإسلام أضعاف حقوقها في أي تشريع آخر ..

نجوى إبراهيم
“درية شفيق” مناضلة وكاتبة وشاعرة.كافحت من أجل المطالبة بحقوق النساء المهدرة ..امرأة متفردة…. كما وصفتها الباحثة الأمريكية سينثيا نلسون فى كتابها درية شفيق امرأة مختلفة الذى ترجمته نهاد سالم, المشروع القومي للترجمة 1999.
.. لقبت درية شفيق ب “بنت النيل” على اسم أول مجلة نسائية انشأتها تحدثت فيها عن السياسة والموضة.. كانت جميلة الجميلات تحدت الأعراف والتقاليد وشاركت في مسابقة ملكات الجمال وحصلت على لقب الوصيفة الاولى فى مسابقة ملكة جمال العالم..ورأت في المسابقة مناسبة لإظهار نفسها كمسلمة يحق المشاركة ..سافرت بمفردها للدراسة فى باريس….اقتحمت البرلمان المصرى في 1951، سعيا لمنح المرأة حقوقها السياسية، نجحت فى أن تحصل المرأة على حق الانتخاب و الترشح في دستور مصر عام 1956… تم وضعها تحت الإقامة الجبرية بعد انتقادها لجمال عبد الناصر ووصفه بالدكتاتور في 1957، وعاشت منعزلة حتى انتحارها عام 1975.
النشأة
ولدت شفيق في 14 ديسمبر عام 1908 في مدينة طنطا. كان والدها أحمد أفندى شفيق يعمل موظفاً بالسكة الحديد وأمها رتيبة ناصف بك ,ونظرا لسفر أبيها المستمر بحكم مهنته عائلة درية تتنقل بين مدن الدلتا وطنطا والمنصورة والإسكندرية ,بينما كانت والدتها رتيبة ناصف ربة منزل. ..تربت “درية “على الثقافة والحرية شرط ألا يتعارض مع مبادئ الإسلام، الذي حرصت أسرتها على زرعه في شخصيتها..
التحقت بنت النيل بمدرسة نوتردام دي أبوتر التى تديرها البعثة الفرنسية بطنطا، وعاشت مع جدتها بعد وفاة أمها، وسفر والدها الدائم لعدة محافظات أخرى بسبب ظروف عمله، لتكون من أوائل الطالبات المتفوقات في مصر، وبعد اتمام المرحلة الاعدادية واجهت النظرة الذكورية فى المجتمع حيث لم تكن مواصلة التعليم متاحة إلا للأولاد،ولكنها لم تستسلم و أصرت على استكمال دراستها بشكل ذاتي ووصلت إلى الاختبارات النهائية وسافرت إلى الأسكندرية لتعيش مع والدها ,وفي 1923 التحقت درية بمدرسة الليسيه، استعدادًا للحصول على البكالوريا. وحصلت عليها في العام التالي، مستحقة وسامًا فضيًّا لتحقيقها المركز الثاني من بين المتقدمين للامتحان في مصر.
رحلتها إلى باريس
لفتت أنظار هدى شعراوي التي ساعدتها في الحصول على منحة حكومية لدراسة الفلسفة في جامعة السوربون في باريس,فاختارتها وزارة المعارف ضمن أول منحة للطالبات للدراسة بجامعة السوربون في باريس عام 1928, وكان سفرها وحدها أمرًا غريبًا على عائلتها، كما ذكرت شفيق فى كتابها “رحلتى حول العالم”, فقالت الجدة:هذا جنون! كيف تسافر هذه الصغيرة للعيش وحدها بين الدروز؟” كان كل من ليس مسلمًا عند الجدة درزيًّا بالتأكيد!تعترف درية في مذكراتها أنها فكرت في كلام جدتها، وفي أن مصيرًا موحشًا ينتظرها ,وتخيلت نفسي أعيش وحيدة في أواخر أيامي ,وهو ما حدث,و قبل سفرها اصطحبها الأب إلى طنطا ليزورا قبر أمها، هذه المرة لم تبك، كانت تشعر أنها امتداد لأمها، وأنها”على أعتاب تحقيق حلم عظيم غير معلن من رواد أجيال من النساء المقهورات ,وكانت تقول :أنت وحدك تجرؤين..
كان زملاؤها في باريس يطلقون عليها أبا الهول، لأنها تفضل الوحدة..كانت المواجهة الأولى لدرية شفيق مع السلطة فى جامعة السوربون عندما رفضت أن تدرس التاريخ والجغرافيا وأردت أن تدرس الفلسفة كما كتبت فى إحدى رسائلها لهدى شعراوى ..فكان رد الإداري المسئول :”المسألة ليست ما تحبين وما تكرهين فالقرار قرار الحكومة “,ولكنها لم تقطع هذه المسافة كى تستسلم، كتبت إلى طه حسين تطلب مساعدته؛ وهو صاحب الفضل أصلاً في التحاق الفتيات بالجامعة 1928، وبعد أيام قليلة أرسل طه حسين برقية إلى المسؤول موجهًا بتغيير برنامج دراسة درية حسب رغبتها، بعدها بأسبوع كانت مسجلة في قسم الفلسفة في السوربون
وفي أحد الإجازات التى عادت فيها درية إلى الأسكندرية حاول أهلها تزويجها عريس ثري، فوافقت، وعندما قدم لها العريس خاتم ألماس ومجوهرات ثمينة شعرت بأنها باعت نفسها وقررت فسخ الخطبة ,ثم عادت لباريس لاستكمال دراستها .
مسابقة ملكة جمال العالم
في إجازة أخرى عام 1935؛ نُظمت في الإسكندرية مسابقة لاختيار فتاة مصرية لتمثيل مصر في مسابقة ملكة جمال العالم، شاركت فيها درية شفيق من دون علم عائلتها، لتتعرّض إلى سيل من الانتقادات لكونها أول مصرية مسلمة تخوض هذه المسابقة التي كانت حكراً على الأوروبيات والقبطيات في ذلك الوقت.
رأت شفيق في المسابقة مناسبة لإظهار نفسها كمسلمة يحق المشاركة لها، وعن ذلك تقول “في باريس أثبت نفسي في الفضاء الفكري، والآن أود أن أثبت نفسي في الفضاء الأنثوي”، بحسب ما نقله كتاب “درية شفيق: الناشطة النسوية المصرية” لسينثيا نيلسون عام 1996. وعن جمالها كتبت شفيق “كما ولو أن الطبيعة حرمتني من النفوذ والثروة، وعوضتني كنوع من العدالة بهذه المواصفات”، وقد استطاعت أن تفوز بلقب الوصيفة الأولى، لتهاجمها الصحافة المصرية بشدة. “كنت الفتاة المسلمة التي تصرفت ضد الإسلام..
واستقبلت درية رسائل من زميلات ومدرسات قديمات في طنطا يلمنها على عبثها بتعاليم الإسلام وخروجها على التقاليد، لكن أباها كان داعمًا، وهو ما أدهشها كثيرًا. لم تقتصر الضجة على ذلك، إذ أتاها طلب جديد للزواج، العريس هذه المرة هو الصحفي أحمد الصاوي محمد، صاحب ومؤسس مجلة “مجلتي”، وهو صحفي موهوب وشهير، تخرج في السوربون، وعرف بمقالاته المؤيدة لقضايا المرأة فتقول :”في خضم الجدل الذي أحاط بي تسلل إلى حياتي صحفي مصري يمتلك مجلة ناجحة. كان شديد الدمامة وشديد الجاذبية، فأغمضت عيني عن قبحه، و تخيلته سيرانو دي برجراك” وتم عقد القران سريعا ,ولكن سرعان ما اكتشفت درية انه رجل رجعى ,ووصل الأمر أنه ابتزها بصورة لها بفستان عاري الكتفين، وطلب منها أموالاً وإلا سينشر الصورة في كل الصحف فصممت على الطلاق قبل أن يتم الزواج ومع بلوغها سن الـ 32، كانت قد حازت على دكتوراه في الفلسفة من جامعة “السوربون” وكان موضوع الرسالة “المرأة في الإسلام” حيث أثبتت في رسالتها أن حقوق المرأة في الإسلام هي أضعاف حقوقها في أي تشريع آخر ..