الزعيمة المعطرة..صاغت مستقبل المرأة السياسى.. اقتحمت البرلمان المصرى

نجوى إبراهيم
جمعت “درية شفيق”بين الذكاء والجمال والعلم والتفوق,واصلت نضالها على مدار سنوات فى شتى المجالات ..هى من دافعت عن حق المرأة المصرية فى الإنتخاب والترشيح ..وقفت فى وجه الإحتلال البريطاني والعنف والاضطهاد الذي كان يمارسه تجاه المرأة..
ورغم حياتها المليئة بالتحديات والصعوبات وكفاحها المستمر إلا أنها تزوجت واستطاعت تكوين أسرة صغيرة ..فبعد طلاقها من الصحفى أحمد الصاوى ذالك الزواج الذى لم يستمر سوى 3 أشهر عادت إلى باريس لاستكمال دراستها ..وأثناء تواجدها في باريس، التقت درية ب “نور الدين رجائي”ابن خالتها الذي كان حاصلاً على درجة الدكتوراه في القانون التجاري,لم تكن تتخيل يوما أنها ستتزوجه فتقول فى مذكراتها :”لن أتزوج أبدًا من دون جوان ومقامر ، فهذا مصدر للمشكلات العديدة، ثم إنه ليس برجل يفكر في الاستقرار”ولكنه كما تقول أخرجها من عزلتها وكأنها دخلت عالما آخر ..وفي أكتوبر 1937، في مقر القنصلية المصرية تزوجته, وهي تكبره بسبع سنوات، بعيدًا عن الأهل، في تحد واضح للأعراف السائدة,وأنجبت منه ابنتين هما عزيزة وجيهان.
العودة إلى الوطن
عادت “درية شفيق” إلى مصر وبدأ دورها الاستثنائى والتاريخى ..فبعد أن أنهت مناقشة رسالتها الثانية فى السوربون كان حلم درية هو التدريس فى الجامعة
,ولكن رفض الدكتور أحمد أمين تعيينها بحجة أنه لا يستطيع تعيين امرأة جميلة للتدريس في الجامعة ,لجأت درية مرة أخرى إلى وزير التعليم إلا انه لم ينصفها وأخبرها :أن أمين قال “يوم تخطو درية شفيق الجامعة، هو يوم أغادرها أنا”. وعٌينت مفتشه للغة الفرنسية بوزارة الأوقاف. وبعد ذلك حاولت الإنضمام للاتحاد النسائي النخبوى الذي أنشأته هدى شعرواي،إلا أن هدى شعراوى رفضت بحجة أنها من طبقة متوسطة رغم أنها كانت داعمة لها فى البداية ويقال أن الصحفى أحمد الصاوى كان وراء ذلك.
قررت ” درية” خوض معركتها الكبرى لحصول المرأة على حقها واتجهت للصحافة لتوصيل صوتها للمجتمع فرغم حداثة عهدها بالصحافة تولت رئاسة تحرير مجلة المرأة الجديدة التى تصدرها الأميرة شويكار, الزوجة الأولى للملك فؤاد بعدما طلبت منها ذلك ,ثم أصدرت مجلة نسائية باللغة العربية أسمتها”بنت النيل “وكانت تضم مقالات حول قضايا نسائية، ونصائح للمرأة بشان تربية الأطفال وأقسام للموضة كان لديها عقيدة راسخة بأن المرأة الناجحة هي من تهتم بأنوثتها و ثقافتها على حد سواء, ظهر العدد الأول في 1 نوفمبر 1945، بخمسة قروش وفي ساعتين بيعت 5000 نسخة منها,وأسست مجلة كتكوت للأطفال ,كما قامت بتشكيل حركة للقضاء على ثالوث”الفقر والمرض والجهل”المنتشر فى مصر آنذاك ، ودعت سيدات الصفوة إلى انشاء المنظمات الأهلية أو دعم المنظمات القائمة كالمرأة الجديدة ومبرة محمد على ..وأنشأت أول مدرسة لمحو الأمية في بولاق بوسط القاهرة وترجمت القرآن الكريم إلى اللغتين الإنجليزية والفرنسية، كما ألفت عدة دواوين شعرية .
وفى عام 1946 ضمت “درية”مجلة المرأة الجديدة إلى مجلة بنت النيل وأصبحت المرأة الجديدة صوت “درية النضالى الثقافى الموجه نحو الغرب ,وبنت النيل صوتها النضالى النسائى الموجه للمرأة المصرية والعربية من الطبقة الوسطى .
وفي أواخر الأربعينيات أسست حركة لـ”التحرر الكامل للمرأة المصرية” عرفت باتحاد بنت النيل في 1951وكان هدفها تجديد وتنشيط الحركة النسائية المصرية التى قد ضعفت بعد وفاة هدى شعراوى.
و في يناير سنة1950 عندما عاد حزب الوفد للسلطة و استأنفت الحركات الوطنية نشاطها, أعلنت( درية) عن برنامج طموح للاصلاح الأجتماعي فبدأت هي وزميلاتها بعدد من الأنشطة الاجتماعية والاقتصادية تم تخطيطها وتوجيهها بوعي نحو خدمة طبقة أخري من النساء, وهن النساء العاملات والمحتاجات في القاهرة، و أفتتحت كافيتريا تقدم وجبات ساخنة مدعومة للنساء العاملات ، وإفتتحت مكتبا لتشغيل طلبة الجامعة.
ومع نهاية عام1950 بدأ اسم( درية شفيق) ينتشر في مصر والشرق الأوسط بفضل نجاح مجلتيها وانتشر اسم ( بنت النيل) بين النساء الفقيرات في الأحياء الشعبية في المدن, وبين النساء المتعلمات من الطبقتين العليا والوسطي.
اقتحام البرلمان
ناضلت لانتزاع حقوق المرأة ففى فبراير 1951 نظمت مظاهرة بمشاركة 1500 سيدة وتحركت التظاهرة من قاعة ايوارت بالجامعة الأمريكية في القاهرة واقتحمت البرلمان واستمرت المظاهرة لمدة اربع ساعات حتي اضطر نائب رئيس النواب إلي استقبالها بعد أن انتزعت من رئيس المجلس وعدا بأن ينظر البرلمان فورا في مطالب المرأة. لقد كانت هذه اللحظة, لحظة تاريخية للحركة النسائية كلها,وكانت أبرز المطالب التى تقدم بها الوفد النسائى إصلاح قانون الأحوال الشخصية، بوضع حد لتعدد الزوجات, وتقنين الطلاق ,والسماح للنساء بالمشاركة في الكفاح السلمي ضد الاحتلال ومنحهن حق الترشيح والانتخاب للبرلمان،و تساوي الاجور في العمل المتساوي, ولكنها سجنت بتهمة الاقتحام، دافع عنها العديد من المحاميين، أبرزهم صديقتها “مفيدة عبد الرحمن”..في الأسبوع التالي, قدم نائب وفدي مشروع قانون لرئيس مجلس النواب بتعديل قانون الإنتخاب ومنح المرأة حق الانتخاب والترشيح للبرلمان.
ثورة يوليو
وبعد قيام ثورة 23 يوليو عام 1952 طلبت من الحكومة تحويل اتحاد بنت النيل إلى حزب سياسي فتم الأمر ليصير حزب اتحاد بنت النيل أول حزب نسائي سياسي في مصر.
وفي وقت إعداد لجنة مشكلة من قبل حكومة الثورة لإعداد دستور مصري جديد وذلك عام 1954، احتجت درية شفيق لعدم وجود امرأة واحدة بين أعضاء اللجنة، وقامت برفقة نساء أخريات بإضراب عن الطعام لمدة 10 أيام، حينها وعدها الرئيس محمد نجيب في رسالة نقلها إليها محافظ القاهرة وقتها بأن الدستور المصري الجديد “سيكفل للمرأة حقها السياسي”، وظلت تكافح حتى حصلت المرأة المصرية على حق التصويت والترشح في الانتخابات العامة لأول مرة في دستور 1956
النضال ضد الاستعمار
لم يتوقف نضال “درية” لتحرير المرأة فقط، بل ناضلت كثيرا ضد الاحتلال الإنجليزي وكانت لها كتاباتها المؤيدة لحق مصر في الاستقلال والتحرر، وأسست في 1951 فرقة نسائية لمقاومة الجيش البريطاني، يتم فيها تدريب النساء والفتيات علي القتال، والتمريض في ميادين الحرب، وقادت حملات كبيرة للتبرع بالدم، كما قامت بحملة تبرعات لتقديم المساعدات المالية للعمال الذين فقدوا عملهم في منطقة القناة.وقادت في السنة نفسها مظاهرة نسائية حاصرت بنك باركليز الإنجليزي بالقاهرة، ودعت لمقاطعته وسجنت مرة أخرى.