نالت شهرة واسعة .. وصفها الكاتب الأمريكي “جون جنتر” بأنها زعيمة الحركة النسائية فى مصر.
فقدت حريتها ومجلاتها وأموالها وزوجها لأنها طالبت بحقوق المرأة.. فرض عليها عبد الناصر العزلة ..عاشت وحيدة ..وانتهت حياتها بمأساة

نجوى إبراهيم
بعد اضراب “درية شفيق” عن الطعام فى 1954 اعتراضًا على تشكيل لجنة تأسيسية خالية من النساء لوضع الدستور..نشرت وكالات الأنباء العالمية اخبارًا عنها وعن صديقاتها، وتلقت دعوات من كل أنحاء العالم بصفتها زعيمة وصاحبة دور استثنائي. وكانت هذه فرصة للحديث عن جهود المرأة المصرية وسعيها من أجل الحصول على حقوقها .. تلقت درية شفيق خطابًا من “جارلاند إيفانز هوبكنز”، نائب رئيس مجلس إدارة جمعية الأصدقاء الأمريكيين في الشرق الأوسط، يدعوها فيه لزيارة الولايات المتحدة في جولة تستمر لستة أسابيع، لتحاضر في عدة محافل أمريكية بشأن القضايا والمشكلات التي تواجه المرأة المصرية المعاصرة.
وافقت درية على الرحلة وخططت أن تمر على روما ولندن وباريس قبل السفر إلى أمريكا، وأن تمر في طريق عودتها عبر المحيط الهادي بطوكيو وكلكتا و دلهي و كوالالمبور وكراتشي وبيروت، وتلقت خطابا آخر من مارجريت كوربت أشبي؛ السياسية والنسوية البريطانية، تخبرها أن الجميع متشوق لسماعها، وأنها رتبت لها لقاء مع بعض البرلمانيات في مجلس النواب. واقترحت أن تلقي محاضرتها حول وضع المرأة القانوني بعد ثورة يوليو…وهو ما سجلته درية فى كتابها رحلتى حول العالم..
على مدى رحلتها تتبعتها الصحافة، وفى ذلك الوقت بدأ الصدام بينها وبين عبد الناصر حيث بدأ الأخير فى حملة الاعتقالات الشهيرة وهو الأمر الذى رفضته بشدة خاصة وأن قضت عمرها تناضل من أجل الحرية لذلك تجاهلت الحديث عن الحكومة في مقابلاتها..
وكانت ترى ترى أهمية قصوى لهذه الرحلة فكتبت عنها قائلة :”فقد اعتقدت حقا أنه لا يمكن لأمة أن تتقدم ونساؤها مكبلات، وألا وجود لأمة مكبلة ونساؤها أحرار.
وكانت روما محطتها الأولى ,ثم باريس وكانت خير سفير للمرأة المصرية وفى الولايات المتحدة الأمريكية انتقلت بين أغلب الولايات، والتقت السياسيين والناشطين في مجال حقوق المرأة، وأجرت حوارات صحفية و إذاعية، وكتبت عنها الكثير من الصحف والمجلات، وزارت الكونجرس ,ووصفها الكاتب الأمريكي جون جنتر، صاحب كتاب في داخل أفريقيا أنها زعيمة الحركة النسائية في مصر، وقوة سياسية لا يستهان بها، وإلى جانب هذا فهي واحدة من أجمل نساء الشرق الأوسط!
وفي اليابان طالبت درية أعضاء البرلمان الياباني بإصدار تشريعات تقضي على نظام الجيش,و أدهشها أن تستسلم النساء في اليابان لنظام يجعلهن مكرسات لخدمة الرجل.
وفي باكستان انتقدت رئيس الوزراء شاودري محمد علي علنا، لاتخاذه زوجة ثانية , واستجابت لمطالب الجمعيات النسائية في باكستان وركزت محاضراتها على الظلم الذي يقع على المرأة من جراء الزواج الثاني.
أما فى الهند فقد كانت لها مكانة خاصة عندها، قبل الرحلة وبعدها، هناك شعرت أنها تقترب من أرض مقدسة، وأنها وجدت طريقها المتمثل في الحقيقة. عندما عرفت أن جواهر لا نهرو، رئيس الوزراء، سيمر بكلكتا في أثناء وجودها هناك، طلبت من القنصل المصري أن يدبر لها لقاءه. وفقًا لما قاله القنصل المصري لاحقًا؛ كان نهرو على علم بنشاطها في النهوض بالمرأة، وقد رحب بلقائها، واستمر اللقاء ساعتين، وعندما انتهى اللقاء فضلت عدم الحديث عنه كي لا تصل تقارير عن تفاصيله إلى القاهرة!
عندما عادت إلى القاهرة كانت هدفا للصحافة المصرية وفي حين وصفتها ديلي ميرور بأنها كليوباترا الجديدة، بدأت الصحف المصرية، وللمرة الأولى، تكتب عنها بوصفها “الزعيمة المعطرة” ..
الرجل الوحيد فى العالم
وفى عام 1957 واجهت درية الرئيس “عبد الناصر” بقوة و أعلنت لأجهزة الإعلام الدولية إحتجاجها على ( دكتاتورية جمال عبد الناصر) ,و اعتصمت في السفارة الهندية اعتراضا علي تصفيتة للتنظيمات الاهلية ، وطالبت باستقالته. فأرسلت بيانا من قلب السفارة الهندية لعبد الناصر جاء فيه… (نظرا للظروف العصيبة التي تمر بها مصر قررت بحزم أن أضرب عن الطعام حتى الموت .. وأنا كمصرية و عربية أطالب السطات الدولية بإجبار القوات الإسرائيلية على الإنسحاب فورا من الأراضي المصرية .. وأطالب السطات المصرية بإعادة الحرية الكاملة للمصريين رجالا ونساءا بوضع حد للحكم الديكتاتوري الذي يدفع بلادنا إلى الإفلاس والفوضى ، و اخترت السفارة الهندية لأن الهند بلد محايد ولن أتهم بأنني فضلت معسكرا ما). غضب “جمال عبد الناصر”غضبا شديدا لأن الشرطة المصرية لا تستطيع أن تدخل السفارة الهندية للقبض عليها .
وتناولت الصحافة العالمية قصتها بعناوين مثيرة أبرزها امرأة من وادي النيل ترفع راية المقاومة ضد عبد الناصر.وأطلقت عليها (إذاعة مونت كارلو) لقب (الرجل الوحيد في مصر!)
ووقف إلى جانبها الرئيس الهندي “نهرو” ، وظل على إتصال بجمال عبد الناصر والسفارة الهندية.
إتصل”نهرو” بجمال عبد الناصر في 6 فبراير 1957 يطلب عدم السماح بالتعرض للدكتورة درية شفيق إذا ما رغبت في الخروج من السفارة الهندية بالقاهرة. وأبلغ “نهرو”سفيره في القاهرة أنه يعتبر الدكتورة “درية شفيق”ضيفة على السفارة وإذا ما رغبت في الإنتقال إلى المستشفى أو إلى أي مكان آخر في سيارة تابعة لسفارة الهند وفي رعاية السفير.. وتم نقلها لمستشفى مورو لتلقي العلاج.
وذكرت فى مذكراتها أنها قالت:أنا أضحي بحياتي بغية تحرير وطني، وأنا وحدي أتحمل المسؤولية, قالت درية شفيق هذه الجملة، وكانت تعنيها، فقد تحملت وحدها المسؤولية ,حيث أمر عبد الناصر فورا بتحديد إقامتها في بيتها، وفي 28 فبراير طردها زملاؤها من اتحاد بنت النيل، واتهتمتها بعض زميلاتها بالخيانة، وعينت الحكومة لجنة من خمس سيدات أصدرت قرارًا بإغلاق دار النشر، وقضت على كل إصداراتها من المجلات تدريجيًّا. ظلت لثلاث سنوات رهن الإقامة الجبرية، بعدها، وحتى عندما رفعت الحراسة، لم تخرج منه، وبعد عشر سنوات على عزلها، أمر عبد الناصر بسجن زوجها لأشهر عديدة لاتهامه بالتحضير لعمل تخريبي، ثم وُضع اسمه على لائحة الحظر من دخول البلاد، وتم الطلاق بين شفيق وزوجها عام 1967، وبذلك “غرقت شفيق في عزلة كاملة” ربما تحققت المخاوف التي نبهتها إليها جدتها، بأنها ستعيش وحيدة وسط كل هذا الصخب، ربما كانت ترفض مواجهة من أدوا بها إلى هذا المصير بعد ثلاثين عامًا من النشاط و الإنجاز والحرية.. دخلت شفيق في اكتئاب حاد أدى بها لرمي نفسها عن الطابق السادس في أحد أيام سبتمبر من عام 1975.
كتبت الناشطة النسوية فاطمة عبد الخالق في جريدة الأهرام بعد عقود على انتحار شفيق: “كان هناك وقت، كانت فيه درية شفيق الرجل الوحيد في مصر… لقد استطاعت منذ عام 1957 أن تخبرنا أننا في طريقنا إلى الديكتاتورية، لكن للأسف كنا مجموعة حمقى غاضبين”.
و قد قامت درية في آخر حياتها بترجمة القرآن الكريم إلى اللغتين الإنجليزية و الفرنسية. و ألفت كتاباً بالفرنسية بعنوان: إنني في الجحيم. وفيه تقارن بين جحيم دانتي في (الكوميديا الإلهية) و بين و جحيم حياتها،الى جانب المجلات التى أصدرتها والقصائد الشعرية باللغة العربية والفرنسية وكتابتها رحلتى حول العالم ..
مشهد النهاية
توفيت درية شفيق في العام 1975 حين سقطت من شرفة منزلها في الزمالك بالقاهرة,ووصف “مصطفى أمين حادثة انتحارها كما رآها فى سبتمبر 1975 قائلا:عندما عدت إلى منزلى رأيت حشدا من الناس يحيط بملاءة بيضاء ,سألت ماذا حدث قالوا :لقد ألقت سيدة نفسها من شرفة الطابق السادس ,نظرت تحت الملاءة البيضاء وجد جثة درية شفيق جارتى ..هذه المرأة التى دوى صوتها فى جنبات العالم وملأت تصريحاتها الدنيا ,هذه المرأة التى ألقت عليها الأضواء العالمية أينما ذهبت ..هذه المرأة التى كانت نجمة المجتمع المصرى والعربى والأوربى والأمريكي,نسى الناس اقتحامها للبرلمان مطالبة بحق المرأة فى التصويت ,نسوا اضرابها عن الطعام فى عام 1954 من أجل حقوق المرأة ,ونسوا أنها فقدت حريتها ومجلاتها وأموالها وزوجها لأنها طالبت بحقوق المرأة ,ولقد دفعت ثمنا فظيعا بمقاومتها بينما استسلم الآخرون..