باحثة البادية.. شكلت صوتا مناصرا للمرأة المصرية
جمعت بين الأفكار الغربية والتحرر وبين الإسلام والتقاليد..

عرض : نجوي إبراهيم
فى زمن القى وحش الجهل والتخلف والفقر بظلاله على المجتمع المصري والعربى شقت ملك حفني ناصف دربها بين الأشواك شامخة برأسها نحو السماء منفنحة أمام التطور والارتقاء بالإنسان ،متحدية العقبات الإجتماعية التى تقف فى وجه إنصاف وتحرير المرأة من قيود الرجعية..هكذا وصفها الكاتب صالح محمد سودة فى كتابه “نهج باحثة البادية ملك حفني ناصف فى مقاومة الفساد والطغيان”
فكانت ملك حفني ناصف واحدة من الشخصيات المؤثرة في زمانها و حياتها ، شكلت صوتا مناصرا للمرأة فى المجتمع ..وعلى الرغم من الأفكار التي وافقت بها العديد من نسويات تلك الفترة، إلا أنها تميزت بمجموعة من الأفكار الخاصة التي جمعت بين الأفكار الغربية والتحرر من جهة وبين الإسلام والتقاليد من جهة أخرى، ورأت أن الجمع بين الطرفين يشكل مزيجا مقبولا يقوّم المجتمع بالشكل الأفضل ويحرك المرأة المصرية بالاتجاه الصحيح، فطرحت مجموعة من الأفكار التي تخص الزواج والتعليم ونقاب المرأة المسلمة الذي رفضت ملك إزالته وهو ما شكل فارقا كبيرًا بين وجهة نظرها وآراء غيرها من دعاة النسوية. كما دعت إلى إجراء تغييرات جذرية فيما يخص قوانين الزواج. فحاربت تعدد الزوجات، وناصرت حق المرأة ان تكون قادرة على الطلاق حتى عند عدم موافقة الزوج. كما حضت على منع الزواج لمن هن دون الستة عشر عامًا…
أهم أعمالها
كانت ملك مؤمنة بأن التعليم هو السبيل الوحيد لتحرير العقل وترسيخ الأخلاق السلوكية. فنذرت نفسها للدفاع عن حقوق المرأة وخاصة حقها في التعليم ,ورأت أن توجيه المرأة علميًا يشكل عاملًا مهمًا للارتقاء بوضعها المجتمعي، واقترحت مجموعة من الإصلاحات لتحسين ثقافة الفتيات الدينية، ودعت لتوسيع مدارس التمريض.
كما أدلت بمجموعة من الآراء تمثلت بعشر مقترحات لتحسين حياة المرأة المصرية، وطرحت افكارها هذه في المجلس التشريعي المصري عام 1911. ناقشت الأفكار الخمس الأولى تعليم المرأة وضرورة تلقينها مبادئ التمريض والإسعافات الأولية والاقتصاد؛ في حين ناقشت الأفكار الباقية حقوق المرأة الأخرى كالزواج والطلاق والنقاب, وكانت تحث الآباء على تعليم بناتهم وكانت تعلم الفتيات كيفية الاعتناء بأنفسهن..
ومن أبرز أقوالها :المرأة المصرية لا تقدر نفسها قدرها، وطالما رأيت سيدة تضاحك الخادمات وتكاشفهن بأسرارها فلا يتأخرن عن إذاعتها في البيوت الأخرى، وهذا من الخطأ في الرأي، يجب أن يعامل الخدم بالرأفة ولكن لا تتعدى تلك الرأفة حدودها”..
وقالت:”لا تبخل علي وكن جموحا فكنز العلم أمسى في ضياع سنبقى بعد “عائش” حيارى كسرب في الفلاة بغير راعي”.
رأيها فى الزواج
وصفت ملك حفنى ناصف طريقة الزواج فى مصر بأنها معوجة فقالت :طريقة الزواج في مصر طريقة معوجة عقيمة نتيجتها في الغالب عدم الوفاق بين الزوجين يقيم الرجل معالم العرس أيام وليالي ولم يتأكد من حسن أخلاقها أو جمال نفسها، إنما سمع عن بياضها وسمنها أو مالها من الخاطبة التي تصف حسب نصيبها من نوال العروس وأهلها.
اشتهرت ملك حفني بوعيها الديني ونزعتها القومية ، فهي تحاول في كل ما تكتبه وفي كل محاضراتها وندواتها أن تأخذ بعين الاعتبار الأوضاع القومية ، وتستشهد بحذر شديد بالحضارة الغربية .
النسائيات
لم تكن ملك حفنى ناصف أول كاتبة مصرية وعربية تطالب بحقوق المرأة فحسب، بل كانت أول كاتبة دعت إلى تجديد الفكر الدينى فى مقالاتها بصحيفة «الجريدة» والتى كانت لسان حال حزب الأمة، وقد أحدثت ملك حفنى ناصف ثورة فكرية على الصعيد الإجتماعى عندما طالبت بوجوب تعليم المرأة لتحريرعقلها، وتقويم أخلاقها بالعلم الصحيح..نظمت ملك أول قصيدة لها فى رثاء السيدة عائشة التيمورية التى توفيت عام 1902 لتكون أول قصيدة تنشر لها فى الجرائد ويبدأ اسمها فى التردد بالمحافل الأدبية.
وكانت تلتقى ملك مع قرائها عبر مقالاتها “النسائيات “بجريدة الجريدة التى تناولت فيها كافة حقوق المرأة وقد جمعت ملك هذه المقالات التي بلغ عددها 24 مقالاً مع خطبتين وقصيدة واحدة في كتاب حمل العنوان نفسه، بمقدمة لأحمد لطفي السيد مدير “الجريدة”. وبعد وفاة ملك بعامين، صدرت طبعة ثانية من “النسائيات” تضمنت ترجمة لحياة الكاتبة بقلم شقيقها مجد الدين، وأُلحق بهذه الطبعة جزء ثان يضم مراسلات ملك ومي زيادة التي جرت على صفحات “الجريدة” و”المحروسة”، وقطعة نثرية لها في وصف البحر. وفي الستينيات أصدرت وزارة الثقافة كتابا جمع ما أمكن جمعه من آثار ملك النثرية والشعرية بعنوان “آثار باحثة البادية”، وهو اللقب الذي اتخذته بعد زواجها وانتقالها للعيش ببادية الفيوم.وتضمن هذا الكتاب المزيد من مقالاتها وخطبها ومحاضراتها، منها ما ألقته في الجامعة المصرية، وكذلك أشعارها التي نظمتها في مناسبات مختلفة، ومنها أبيات كتبتها وهي في الثالثة عشرة من عمرها بعد حصولها على الشهادة الابتدائية , وهناك قصيدة نددت فيها بإحياء قانون المطبوعات عام 1909، وأكثر من قصيدة رثاء، فقد رثت الشيخ محمد عبده وعائشة التيمورية.
علاقة الرجل بالمرأة
انطلقت فى كتابها تعالج الكثير من القضايا الشائكة التى لها علاقة بالمرأة فتحدثت عن علاقة الرجل بالمرأة قبل الخِطبة وفى الزواج، وفى المعاملات، وفى آداب الطريق وغيرها…أكدت على معانى مهمة منها قولها: ضرورة معاملة الزوج لزوجته الند للند أو على الأقل معاملة الوصى لليتيم لا معاملة السيد للعبد لأن الاستبداد بالمرأة يأتى بعكس المراد.
فانتقدت استبداد الرجل وتسلّطه داخل الأسرة. وتتساءل كيف يحدث هذا ورجالنا على هذا الاستبداد يأملون صلاح الأمة، وتربية أبنائها على حب الاستقلال والدستور.. فتقول “لاحظت ازدواجية بعض الرجال “المستنيرين” بين حضورهم العام وحضورهم داخل أسرهم، إذ لا يهتمون بالتحدث مع زوجاتهم وبناتهم ونقل معارفهم إليهن، ويكونون في غاية اللطف مع الغرباء خارج المنزل بينما هم داخله أشدّاء قساة يرهبون الزوجات والبنات.
“لا أحب الأب يتكبّر على أهله وأولاده، فيظهر لهم بمظهر الجبار العنيف ويظن أن ذلك استجلاب للهيبة”، وتؤكد أن تجبّر الأب “يضعف الأخلاق في الطفل و يفسدها، إذ يربّي فيه الجبن والذل، ثم الاستبداد متى كبر”، وأن الأب القاسي، حتى إذا أراد أن يعلّم أفراد أسرته، لا يجدي ولا يفلح، “لأن شدة الخوف تذهب بالفكر”.
