شخصيات عربيةعاجل

رائدة النضال الصحفي.. و حررت المرأة من الجهل وانتقدت السفور.المال

نجوى إبراهيم 

انتقدت ملك حفنى ناصف فى مقالاتها الكلفة بين الزوجين بدلا من البساطة في التعامل، وأن تنادي الزوجة زوجها ب”يا سيدي” أو “يا أفندي” أو “حضرتك” و”سعادتك”، وتعيش منه في خوف ووجل دائمين، وتتقبل إهانته لها بل تخطّيء نفسها وتسترضيه. وهذا الخضوع – كما تقول – سببه احتياجها لإنفاقه أو خوفاً من الطلاق أو لأجل أولادها، مشيرة إلى أن “تأليه البعول” أمر يعود لزمن الجواري، أما الحرّة فلا يليق بها هذا المسلك، وإذا كانت الزوجة اليابانية التي تضربها مثلاً تسجد لزوجها، فإن هذا الأمر لا يمكن أن يكون مقبولاً من “مسلمات مؤمنات لا نشرك مع الله أحدا”، وأن المفترض أن الزوجة مساوية لزوجها وندّة، لا جارية لسيد.

آمنت ملك بتقسيم العمل بين الرجل والمرأة، فلكلٍّ طبيعة مختلفة، و مساواتهما في الحقوق والواجبات لا تعني أن يكون عملهما واحداً،وكانت جريئة فى التعبير عن رأيها فى هذا الشأن فقالت معتزة بمهام المرأة ودورها: «إن لنا من شئوننا البيتية ما يكفى لشغلنا ولنا من عاداتنا القديمة المستهجنة ما يُبيح فى طلب إصلاحه حيواتنا، فجدير بالرجال ألا يشغلوا وقتنا، وفكرنا بالشكوى من أعمالهم وأظنهم يقع عليهم ظلم الحكومة مرة وضيق العيش أخرى فلا يجدون من ينتقمون منه لأنفسهم سوانا”,ودعت لإطلاق الحرية في تعلم الفتاة أي من العلوم لمن تريد. ولا تعارض خروج المرأة للعمل في أي مهنة شريفة وإن كانت ترى أن هناك وظائف معينة أنسب لطبيعة المرأة كتعليم الأطفال والتمريض والطب، والخطابة والكتابة والعلم والأدب “أما المُلك فقد تولّته نساء كثيرات ومنهن من أحسن سياسته كل الإحسان”.

فشل الزواج

اهتمت ملك ايضا فى مقالاتها بموضوع فشل الزواج وعدم الوفاق بين الزوجين، وانتبهت فى ذلك الوقت المبكر إلى فكرة تأويل الدين الحنيف على غير ما أريد منه فى أحكام الزواج والطلاق، كما نددت بالزواج القسرى كما طالبت بضرورة ملاءمة سن الزوجين حتى لا تتزوج الفتاة إلا متى صارت أهلا للزواج كفؤا لتحمل مصاعبه، ورأت أن ذلك لا يكون قبل سن السادسة عشرة.

وتحدثت عن المخاطرة بالارتباط بشريك لا تعرف عنه الفتاة شيئا إلا بعد المعاشرة ليس إلا نتيجة الاعتقاد المقلوب فى القضاء والقدر، فتقول: «إن القضاء والقدر لا تجدى مغالبتهما، ولكن لا يصح اتخاذهما وسيلة للإهمال فى جلب المنفعة أو درء الضرر فإن هذه المسألة مسألة اختيار محض، للعقل أن يحكم فيها وحده. وتطرح رؤية اجتماعية مهمةمستقاة من منظور دينى فتقول حول الطريقة الشرعية للخطبة: «فلا يتزوج اثنان قبل أن يجتَمعا بحضور مِحرم”.

تعدد الزوجات

 وانتقدت انتشار «تعدد الزوجات» فى ذلك الوقت، وحملت عليه حملة عنيفة، فقالت: «إن بنات العصر الحالى حتى الجاهلات منهن يفهمن الحياة أكثر من أمثالهن الغابرات فأصبحن لا ترضيهن الكسوة والطعام فقط كأحد خدم المنزل وقالت: «إن تعدد الزوجات مفسدة للرجل، مفسدة للصحة، مفسدة للمال، مفسدة للأخلاق، مفسدة للأولاد، مفسدة لقلوب النساء، والعاقل من تمكن من اكتساب قلوب الغير فكيف بقلوب الأهل والعشراء، لأن الرجل فضلا عن تحمله أعباء أسرتين وقيامه بلوازمهما يرى كل زوجة من الاثنتين تجتهد فى التبذير لتعجزه عن الإنفاق على الأخرى أو لتمنعه من الزواج بأخرى، مفسدة للأخلاق لأن زوج الضرائر فى ذاته طمع، طمع وشره، مفسدة للأولاد لأننى رأيت بنفسى أن كل ضُرة تطبع كراهتها لضرتها فى نفوس أولادها، مفسدة لقلوب النساء لأن الأولى تكرهه بلا شك لإغضابه إياها وجرحه لعواطفها، والثانية لا تصافيه مطلقا ما دام متعلقاً بغيرها فهو كالمُنبتّ لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى”

وتابعت :إن الدين لم يسمح بتعدد الزوجات وبالطلاق هكذا من غير شرط كما يفعل الآن رجالنا، وإنما جعل لهما شروطاً وقيوداً لو اتبعت لما أنّ منها النساء البائسات”.. وقالت الأديان “لم تخلق لجلب البؤس وإنما خلقت لإسعاد البشر”

السفور والحجاب

عارضت ملك حفنى ناصف سفور النساء والتخلى عن الحجاب وهو الأمر الذى آثار جدلا واسعا فى زمانها وجعلها موضع انتقاد من أنصار السفور، وكتبت في هذه القضية مرّات موضحة ومفصّلة دون أن تتخلى عن رأيها المعارض للسفور، وكانت تتخذ مسلك وسط كما تقول بين التفرنج والجمود.

وكما انتقدت السفور الفوري انتقدت أيضا التشدد في الحجاب وما يفعله المتطرفون من حبس المرأة والتضييق عليها، وتسمي ذلك وأداً لا حجاباً. ومع دفاعها عن النقاب لا تعتبره معيارا للأفضلية:

فتقول “يتساوى عندي السفور والحجاب ما دامت العفة والحشمة لا غبار عليهما”، “وعندي أن المرأة السافرة الجادة في أخلاقها وسيرها خير من المؤتزرة بأثقل الحرير وأمنع النقاب وهي خليعة لعوب”. 

وتقول فى مقالة  أخرى لها بعنوان: ” فى المقارنة بين المرأة المصرية والمرأة الغربية”: “إن إسفار النساء عن وجوههن لم تُجمع الأئمة على تحريمه فضلا عن أنهم كلهم يجيزونه عند الخطبة تحاشيا من وقوع الاختلاف ودعوى الغش فيما بعد.”و تقول أيضا: “هناك قوم يتشددون فى تقدير الحجاب فيحبسون المرأة مؤبداً، و يمنعونها من زيارة جاراتها و يضيقون عليها بحيث لا تستنشق إلا هواء بيتها الضيق الدائرة فتفسد صحتها، و تكسل عن الحركة، ومنهم من يفتخر بأن امرأته لم تبرح بيتها طوال عمرها وهؤلاء أيضا متطرفون لأن المرأة لها رجلان يجب أن تتحركا، وعينان يجب أن تبصرا فإذا صاحبها أبوها أو أخوها أو زوجها مثلا فى نزهة وأراها محاسن الطبيعة، ودقائق الموجودات، وجدد قواها بالحركة واستنشاق الهواء الجيد وهى بمئزرها محتشمة فلا يخرج ذلك عن معنى الحجاب”. 

ثم تقول: على أن هذه المسألة (السفور والحجاب) مسألة فيها اختلاف آراء، و قاضيها العادل الزمن والمستقبل فكم مسألة أبى قوم إلا اتباعها وآخرون نبذوها نبذ النواة فاختلفوا وجاء الزمن مؤيدا فيها لفريق دون فريق فصارت له القوة، ورجع له الحول فاتحدوا فيها، و رأيى أن الوقت لم يأن لرفع الحجاب فعلموا المرأة تعليما حقا وربوها تربية صحيحة، وهذبوا النشء واصلحوا أخلاقكم بحيث يصير مجموع الأمة مهذبا ثم اتركوا لها شأنها تختار ما يوافق مصلحتها ومصلحة الأمة.

طائر الموت الحزين

أصيبت ملك ، بالحمى الأسبانية وهى ببادية الفيوم سنة 1918، ونصحها الطبيب ألا تفارق غرفتها ولا تركب عربة أو قطارا، لكنها سافرت إلى بيت والدها فى شبرا بالقاهرة لتلازم والديها يوم نظر محكمة الجنايات فى اتهام أخيها “مجد الدين” بتهمة سياسية، كان مهددا فيها بالإعدام أثناء الأحكام العرفية على مصر المفروضة من السلطة العسكرية الإنجليزية وقت الحرب العالمية الأولى عام 1914، حسبما يذكر الكاتب طاهر الطناحى فى كتابه “الساعات الأخيرة”

 ويؤكد “الطناحى” أن ملك سُرت ببراءة أخيها، لكن الحمى تمكنت منها، فأضعفت حركة التنفس، وفى 17 أكتوبر، مثل هذا اليوم، 1918 رفع الطبيب يده، قائلا: “خلاص، ضاع الأمل”، وذهل الوالد على موت ابنته وعمرها 32 عاما، وظل صريع الأشجان والآلام، فكتب الشاعر حافظ إبراهيم عنه: «قد زعزعته يد القضاء..وزلزلته يد القدر..أنا لم أذق فقد البنين..ولا البنات على الكبر.. لكننى لما رأيت..فؤاده وقد انفطر.. ورأيته قد كاد يحرق زائريه إذ زفر..وشهدته أنى خطا..خطوا تخيل أوعثر..أدركت معنى الحزن- حزن الوالدين- فما أمر.

الحزن الكبير 

 كان الحزن كبيرا،  اختطفها طائر الموت الحزين”فى وقت تقود فيه نهضة نسائية، وحركة إصلاحية فى حياة المرأة المصرية، كانت كاتبة شاعرة، خطيبة بليغة مؤثرة، تناقش وتدافع عن المرأة وعن حقوقها المهضومة، رائدها فى ذلك الاعتدال، والسير على سنة الدين الحنيف من المبادئ السامية التى تتمشى وحاجة المجتمع وتطوره ورقيه”

 تستدعى السيدة هدى شعراوى ماضيها معها لحظة تلقيها خبر وفاتها، قائلة فى مذكراتها: “خيل إلىّ أننى أسمع صوتها يدوى بقاعة المؤتمر عام 1910 مطالبا بحقوق عشرة للنساء، وتجسم خيالها أمام ناظرى فى محاضراتها بالجامعة المصرية وهى تلقى دروسا فى الأخلاق والواجبات، ومرت بخاطرى مناقشاتنا فى السفور والحجاب فى الاجتماعات التى كنا نعقدها قبل الحرب، وكانت تنظر لأقوالنا و نشاطنا بابتسامة ممزوجة بشىء من الشك والاستغراب، وعلى الفور قمت فارتديت ثيابى وخرجت قاصدة دار الراحلة، وإذا بنعشها يختصر علينا الطريق، و يقابلنا ملفوفا بالعلم المصرى، وتسير خلفه جماهير المشيعين، وتبعتهم حتى مقرها الأخير، حيث واروا التراب ذلك الجسم النشيط، وأغلقوا القبر على شعلة الذكاء المتقد”.

زر الذهاب إلى الأعلى