إبداعات عربية

سينما صلاح أبو سيف .. الفلكلور في خدمة البناء الدرامي وحركة الأحداث 

“المأثورات الشعبية في السينما المصرية”

أحمد عبد الحافظ

 كتاب “المأثورات الشعبية في السينما المصرية” في أصله كان دراسة أكاديمية حصل بها الباحث حسين علي عبد اللطيف علي درجة الماجستير من أكاديمية الفنون المعهد العالي للفنون الشعبية، وهو دراسة تحليلية لبعض أفلام المخرج صلاح أبوسيف 1996-1915، وخلال الفصول يركز الناقد السينمائي حسين عبد اللطيف على علاقة السينما بالمأثور الشعبي، وتجلياتها في صميم حياة المصريين اليومية، ومماراستهم الفلكلورية.

 ولتوضيح ذلك يتعرض الكتاب، الذي صدر حديثا عن سلسلة آفاق السينما بهيئة قصور الثقافة، لثلاثة أفلام قدمها المخرج صلاح أبو سيف، وتم انتاجها خلال ثلاث مراحل زمنية مختلفة في تاريخ الانتاج السينمائي بمصر، وهي أفلام “الفتوة” 1957، و”الزوجة الثانية” 1967، و”السقا مات” 1976، وفيها يستخدم المخرج صلاح أبو سيف تيمات شعبية، يجعلها تقوم بدور هام في البناء الدرامي، ما يجعل الأحداث وحركة الشخصيات تبدو كما لو كانت مرآة عاكسة لحياة المصريين، وتوضح في الوقت ذاته ثقل واقعهم الذي يعيشون فيه.

خمسة فصول وخاتمة

يتكون الكتاب من خمسة فصول وخاتمة، الأول كان بعنوان “صلاح أبو سيف .. النشأة والتكوين الفكري” أشار عبد اللطيف خلاله إلى أن نشأت صلاح أبو سيف كان لها أثر كبير في تكوينه الفكري وقدرته على تحليل العلاقات والمضامين الإنسانية في المجتمع المصري، وقد كان لذلك دور كبير فيما بعد في عمله وهو يبني شخصيات الأفلام التي تصدى لإخراجها، فجاءت متشربة بالروح الوطنية والشعبية.

عمل “أبو سيف” في شركة النسيج بالمحلة في مستهل حياته، بعدها التقى بالمخرج نيازي مصطفى، ما ساعده للانتقال إلى ستوديو مصر عام 1936، ثم سافر لدراسة السينما في فرنسا وإيطاليا حيث عمل كمونتير ومساعد مخرج، وحين عاد عمل باستديو مصر لمدة كبيرة حتى أصبح مديرا لقسم المونتاج، كما تولى رئاسة لأول شركة سينمائية قطاع عام، وكان أيضا أستاذا لمادة الإخراج بالمعهد العالي للسينما.

وقال عبد اللطيف إن أبو سيف سعى من خلال أفلامه لتسليط الضوء على المشكلات التي يواجهها المصريون في حياتهم، وما يتصل بها من رموز وإشارات وأمثال شعبية وتقاليد وعادات ترسخ لها أو ترفضها وتقاومها، وقد تركز الكتاب على تحليل العلاقة التي رأها المؤلف واضحة وثابتة بين المأثور الشعبي والفلكلور من جهة والسينما في بعض أعمال المخرج صلاح أبو سيف من جهة أخرى.

المأثورات الشعبية كما تناولها فيلم الزوجة الثانية

ولفت المؤلف في الفصل الثالث “المأثورات الشعبية كما تناولها فيلم الزوجة الثانية” إلى أن بعض أفلام أبو سيف تعتبر وثيقة فلكلورية يمكن من خلالها دراسة حياة المصريين خلال الفترة التي تركزت عليها الأحداث السينمائية، وقد كان فيلم “الزوجة الثانية” بمثابة سجل وافٍ للممارسات الشعبية التي كانت تنتشر في ريف مصر زمن ظهوره للنور، ويحسب لصلاح أبو سيف أنه تمكن خلال الأحداث من حشد كل أدوات ومفردات الحياة الريفية ليطل من خلالها على العديد من العلاقات والطقوس الشائعة في الريف وقتها، وقد جاء الفيلم أشبه بحكاية شعبية عن ذكريات الماضي وحياة الفلاحين المصريين، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل أسقط المخرج على الأحداث فكره السياسي واستخدمها لتوجيه سهام النقد للأوضاع المهينة التي تتعرض لها المرأة الريفية.

عمل صلاح أبو سيف كمساعد أول للمخرج كمال سليم في فيلم العزيمة والذي يُعَدُّ الفيلم الواقعي الأول في السينما المصرية. وفي أواخر عام 1939 عاد أبو سيف من فرنسا بسبب الحرب العالمية الثانية، وفي العام 1946 قام صلاح أبو سيف بتجربته الأولى في الإخراج السينمائي الروائي وكان هذا الفيلم هو دايما في قلبي المقتبس عن الفيلم الأجنبي “جسر ووترلو”، وكان بطولة عقيلة راتب وعماد حمدي ودولت أبيض.

وفي العام 1950 عندما عاد صلاح أبو سيف من إيطاليا حيث كان يخرج النسخة العربية من فيلم الصقر بطولة عماد حمدي وسامية جمال وفريد شوقي كان قد تأثر بتيار الواقعية الجديدة في السينما الإيطالية وأصرَّ على أن يخوض هذه التجربة من خلال السينما المصرية، ولم يتوقف عمل أبو سيف السينمائي عند حدود السينما المصري، بل تجاوزها للسينما العراقية، فقد أخرج فيلم القادسية عام 1982م والذي اشترك فيه العديد من الفنانين العرب من مختلف اقطار الوطن العربي من العراق ومصر والكويت وسوريا والمغرب.

كيفية استخدام صلاح أبو سيف بعض عناصر الفلكلور

وفي الفصل الرابع الذي تركز على متابعة وتحليل كيفية استخدام صلاح أبو سيف بعض عناصر الفلكلور في فيلم “السقا مات” قال الدكتور حسين عبد اللطيف إن أهمية الفيلم تتلخص في الفكرة التي يناقشها، والتي تتعلق بالموت، وحقيقته المؤلمة، وكيفية تعامل النفس البشرية معها، وذكر المؤلف أن المخرج تعامل مع بطل الفيلم “السقا” وقام بدوره الفنان عزت العلايلي باعتباره رمز للحياة، أما الشخصية الثانية والتي جسدها الفنان فريد شوقي، وقام بدور “المطيباتي” الذي يسير في الجنازات، فقد جعله المخرج رمزا للموت. ومع تصاعد أحداث الفيلم يجتمعان معا، في علاقة صداقة بدأت مرتبكة بسبب مهنة المطيباتي، وسرعان ما صارت متينة، وقوية بعدما استطاع صاحبها أن يتسرب في حياة السقا ويتقرب منه، وينجح في تغيير نظرته عن فكرة الحياة والموت.

وذكر المؤلف أن صلاح أبو سيف أراد أن يشير من خلال علاقة الصداقة التي ربطت بين السقا والمطيباتي إلى فكرة ارتباط الحياة بالموت، والعلاقة الوثيقة التي تصل بينهما، وكأن الموت والحياة رفيقان ملازمان للإنسان، لا يظهر أحدهما بدون الآخر.

كان  “دايما في قلبي” أول فيلم أخرجه في عام 1946، وتوالت أعماله الإبداعية التي ظلت علامات في تاريخ السينما المصرية، وتميز أبو سيف بتنوع وجودة أعماله، واقترابها من قضايا المجتمع ومناقشتها بشكل بسيط، اشترك في كتابة السيناريو لمعظم أفلامه، حيث كان يعتبر كتابة السيناريو أهم مراحل إعداد الفيلم، ويُعد أول مخرج مصري يدخل تاريخ السينما العالمية، حيث عُرضت له أعمال في مهرجانات دولية.

من أهم أفلامه والتي جاءت ضمن قائمة أفضل 100 فيلم بالسينما المصرية: “أنا حرة”، “بداية ونهاية”، “القاهرة 30″، “الزوجة الثانية”، “ريا وسكينة”، “بين السماء والأرض”، “السقا مات”، “شباب امرأة”، “لك يوم يا ظالم”، “الفتوة”، و”الوحش”.

مثل “أبو سيف” مصر في العديد من المهرجانات العربية والدولية، فاز بجائزة الدولة التقديرية عام 1989، وحصل على ميدالية الريادة من وزارة الإعلام، وجائزة أحسن مخرج من الدولة عن مجموعة أفلام، ووسام الفنون 1963، والجائزة العالمية (عصا شارلي شابلن الذهبية) بسويسرا، وسام العلوم و الفنون من الطبقة الأولى عام 1990م.

 

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى