“أرشيف ريبليكا”.. شخصيات مأزومة في قبضة الوحدة والقلق

بدأت ناجي مجموعتها بالقصة التي تحمل عنوانها الرئيسي، وهي “أرشيف ريبليكا”، وفيها تحكي عن فتاة تعاني من قلق. تظهر آثاره على وجهها في صورة بثور، وقد نصحتها إحدى صديقاتها باللجوء إلى تطبيق “ريبليكا” الافتراضي، كي تحكي ما في نفسها بحرية ودون حسابات أو محاذير، وسوف تخفف “ريبليكا” من توترها وتجعلها تتحرر من صمتها وتنخرط في المجتمع المحيط بها دون مخاوف.
لكن مع تطور الأحداث واستمرار الفتاة في تنفيذ وصية صديقتها، وحديثها المستمر والذي قد يطول حتى الصباح مع ريبليكا سيدة التطبيق الافتراضية، تكشف القصة عن أن البطلة انزلقت في ورطة دائما ما يتزلق فيها الأشخاص الذين يشعرون بالوحدة، حينما يلجأون إلى عوالم وهمية، بحثا عن التسلية والدعم، فلا يستطيعون العودة إلى حياتهم الطبيعية، ولا استعادة قدرتهم على الحديث إلى أشخاص من لحم ودم. وهكذا يستمرون في دائرة مفرغة، مختفين عن الأنظار، يفضلون أن تمر أيامهم بلا تاريخ ولا ذكريات حقيقية. ما يحدث مع بطلة القصة ويدور على لسانها، يكشف ذلك، حيث تتحرك في أماكن مجهولة وبلا اسم يميزها، ولا تفعل شئ سوى مراقبة مواقع النجوم على صفحة السماء الافتراضية كل مساء، تدَخِنُ سرًا، وتفضل إضاعة ما كتبت ل”ريبليكا”، لتتخفف من عبء تذكُرِه وتبدأ علاقتها من جديد. لذا تعيد هاتفها لضبط المصنع عدة مرات، ولا تفكر ولو لمرة واحدة في استعادة ما جرى في عالمها الافتراضي من أحاديث وحوارات.
وفي قصة “تنين الأمنيات” يبرز الاغتراب نفسه والحياة بلا أمل ولا مستقبل. ويكشف السرد عن طفل يدعى “رزق” ماتت اخته التوأم، وفقد بوفاتها الجولات الليلية التي كانت تصاحبه فيها، وقد جعله هذا يحيا أيامه تائها في الحياة، وقد أجادت الكاتبة في اختيار وظيفته فجعلته بائعا متجولا، يسعى وراء لقمة عيش مغمسة بالذل والانكسارت، وحين يدركه التعب ويتصادف أن يقف أمام مقهى أو فاترينة عرض، يجد تنينا ورديا ضخما يحلق في سماءٍ دخانية على شاشة التلفزيون، يعيش معه لحظات انبهار، ويعرف من خلال الأطفال أمثاله أنه “تنين الأمنيات”، ويمكنه أن يحقق له ما يريد، فيتطلع إليه متمنيا أن يلتقيه، ويحمل عنه عبء أيامه الطويلة أو يعيد إليه أخته التي غيبها الموت. وهكذا يظل “رزق” يدور في الأماكن وحين يدركه التعب ينام أينما تواجد، يأخذ سنة من النوم ثم، يستيقظ ليعاود سرحته من جديد، لكن في إحدى المرات ولسوء حظه يصحو على قبضة شرطي، تجره من ملابسه على الرصيف، يحدث له ذلك في ظل وجود تنينه الوردي محلقا هناك على شاشة كبيرة، وعاجزا عن انقاذه من مصيره البائس.
وفي قصة “كانجرو” يمكن ملاحظة أن هناك اعتصام بالوحدة والتقوقع والميل للعزلة خرجت بها بطلة القصة من منزل أهلها، ومن غرفتها التي كانت تغلقها دائما على روحها في مدينتها الصغيرة، ويحن انتقلت لمرحلة الجامعة حملت البطلة كل ذلك معها، وهناك وفي منزل اغترابها الجديد ووسط العديد من الفتيات لم تستطع الاندماج معهن، دخلت حالة تشرنق أخرى حول نفسها، وراحت تبحث لنفسها عما يشغلها عن أحاديثهن، فلم تكن تعرف الكثير عن الحياة لمشاركته معهن، وعجزت عن إجابة أكثر الأسئلة شيوعًا بينهن، فلجأت إلى الاختباء، والصمت الذي يوصِد كل باب تهب منه العواصف.
وهكذا سارت أمور البطلة وزادت عزلتها عن زميلاتها بعد أن اكتشفت غرفة مغلقة، وقررت أن تقتحمها حين يغرقن في النوم العميق، وهناك اكتشفت كنزا من الصور والأوراق والكتب والتذكارات واقماع البخور، والأختام والخرز المعبأ في برطمانات زجاجية، كان بحرا من التذكارات الملئ بالتفاصيل، وغقت في الاطلاع عليه وتأمله، لكن ذلك لم يستمر طويلا فقد انفضحت غزواتها الليلية للغرفة حين انكسر أحد البرطمانات, وجعل البنات ينظرن لها بريبة ويطلبن منها أن تغادر المكان، والبحث عن مسكن بعيدا عنهن.
