“راضية الحداد” مناضلة تونسية وسياسية من الطراز الأول.. صوت النساء المهمشات في البرلمان التونسي

تقرير: نجوى إبراهيم
“راضية حداد” .. نبراس الحركة النسائية ..هى مناضلة تونسية حملت هموم النساء فى قلبها.. تحدت الصعاب فلم تستسلم للقيود التي كانت تكبّل المرأة وقتئذ ,و تمردت على التقاليد والأعراف السائدة ..ومضت نحو إعلاء مكانة المرأة ..تحدت الرئيس التونسى الراحل بورڤيبة في فترة ما..واصلت مسيراتها النضالية وقادت حراكا لتمكين المرأة فى تونس. والمطالبة بحقوقها …لم تتعامل مع صوتها أنه عورة بل جعلت منه صوتا يدافع عن النساء المهمشات ..كانت أول تونسية تقتحم البرلمان بعد أن كان حكرا على الرجال وترأست الاتحاد القومى النسائى التونسي.
قدمت راضية حداد نموذجا فريدا ومثالا فى التضحية وأصبحت حلما لكل امراة أن تكون مثلها وتحذو حذوها فى مواجهة الصعاب….خلد التاريخ التونسى اسمها كعلم من الأعلام ليس فقط لأنها كانت أول برلمانية تونسية ولكن أيضا لأنّها عارضت الزعيم بورقيبة ، عندما تعاطفت مع التيار الذي غادر الحزب الاشتراكي الدستوري. ودفعت ثمن ذلك. ولكنها بقيت صامدة لتثبت شجاعتها كسياسية فذّة لا تقبل المساومة على مبادئها.

امتدت مسيرتها النضالية على ثلاثة عقود، عقدان منها في حضن الحزب الحاكم حيث انتخبت عضوًا باللجنة المركزية سنة 1968 لتظلّ بها حتى سنة 1972، وهو ما ضمنته في شهادتها عن عملها السياسي والحقوقي.

خاضت الكثير من المتاعب خاصة بعد مؤتمر الحزب الاشتراكى سنة 1971 عندما انساقت مع تيار أحمد المستيرى .
لم تدخر راضية الحداد جهدا فى تشكيل الهياكل والمؤسسات النسائية التى تدعم النساء وكان أبرزها “الاتحاد النسائي الإسلامي التونسي” و”حبيبات الكشافة”.
خلّفت راضية حداد طوال مشوار حياتها تاريخا حافلا بالإنجازات والمواقف السياسية. وتكريما لها، أطلق البرلمان التونسي اسمها على قاعة الجلسات العامة القديمة في البرلمان والتي تمّت فيها المصادقة على دستور 1959 وجاء ذلك بمناسبة الاحتفال باليوم الوطني للمرأة التونسية يوم 13 أوت 2015.
النشأة والتعليم
ولدت راضية الحداد عام 1922، كان والدها رجلا محافظا ناشط سياسى في العديد من الجمعيات,وكان مسؤولا عن جمعية “الناصرية الرياضية” وكان له حس وطني قويّ ,ومواقف وطنية ضد الاستعمار الفرنسي للبلاد,كما إنها حفيدة العربي زروق أحد رموز الحركة الإصلاحية في تونس في القرن التاسع عشر ,و كان من أوائل الذين قاوموا فرنسا منذ توقيع معاهدة «باردو» – وكان رئيسا لبلدية تونس، فأوقفته سلطات الاحتلال الفرنسى ، ونفته من البلاد إلى الإسكندرية. حيث توفي فيها فكان بحق أحد شهداء الاستقلال ,أما أمّها فترعرت في وسط ديني كما جاء في مذكراتها “حديث امرأة”, وبالتالى فإن ولعها بالسياسية لم يأت من فراغ ,حيث أن نشأتها فى عائلة برجوازية ساهم فى إذكاء حسّها السياسي والوطني.
التحقت راضية الحداد في سنواتها الأولى بالمدرسة الفرنسية «فرانس فيل» – العمران حاليا – في عام 1927، ولكنها توقفت عن الدراسة بعد أن نالت الشهادة الابتدائية، لأن المجتمع في ذلك الوقت لم يكن يرحب بتعليم الفتيات ,ورغم أن والدها كان رجل متفتح الذهن لكنه منعها من إكمال تعليمها.
نجحت راضية الحداد في تعليم نفسها بنفسها متحدية التقاليد السائدة، واستطاعت تطوير قدراتها بشكل ايجابي , وفرض ذاتها عن طريق العلم والمعرفة والتحصيل.

فكانت تتابع الكتب وكل ما يدرسه أخوها “حسيب” الجامعي… وكانت راضية الحداد شغوفة بالمطالعة في شتى الميادين الأدبية والثقافيةوالإنسانية.
اكتسبت ثقافة واسعة أهّلتها فيما بعد لتعتلي مناصب عليا في الدولة. وكان أوّلها رئاسة الاتحاد القومي النسائي وهي أوّل منظمة وطنية نسائية تأسّست في جانفي 1956 لتكون رئيسة لها فيما بعد.
كانت منذ الصغر متأثرة بأجواء الحركة القوية لمناهضة الإحتلال الفرنسى حتى إنها كتبت رواية صغيرة، وهي في سن الخامسة عشرة تتحدث فيها عن الوطن ومكافحة المستعمر، وحين أسست الرائدة بشيرة بن مراد «الاتحاد الإسلامي لنساء تونس» في العام 1936، كانت من المتحمسات له وشاركت به.
الزواج المبكر
تزوجت راضية الحداد في الثامنة عشرة من عمرها ابن خالتها “حمودة الحداد”، ولها 4 أولاد «بشير ونائلة ومحمد وليلى»وفق ما أكدته فى مذكراتها ..وكما رفضت راضية كل أشكال الوصايا والأعراف والتقاليد السائدة رفضت السفسارى وغطاء الرأس عند الخروج.
حياة صعبة
فى بداية مشوارها النضالى كانت حياتها مليئة بالصعوبات، خصوصا في مجال الحركة النسائية خاصة وأن المجتمعات العربية فى ذلك الوقت كانت تعانى تخلفا وانغلاقا في وجه تحرر المرأة وتعليمها، وإبراز دورها، وفي تلك البدايات كان هناك بعض المناضلات القليلات لهن أدوار ريادية فتحت الطريق أمام الأجيال الطالعة من النساء. ليقطفن ثمار ذلك النضال الشاق، الذي خاضته الرائدات الأوليات. وفي عام 1945 بدأ نضالها السياسى حيث شاركت بدعوة من وسيلة بن عمار” زوجة بورقيبة” إلى اجتماع مع مجموعة من نساء المجتمع البارزات، وكانت بينهن بشيرة بن مراد، فأبلغتهن رغبة بورقيبة للقيام بحملة لمساعدة أبناء حيّ الزيتوني، فلبين النداء، وقمن بحملة ناجحة، ومنذ ذلك الحين، بدأت راضية عمليا بالعمل مع الاتحاد الإسلامي لنساء تونس، وأصبحت صديقة حميمة لـ«بشيرة بن مراد» مؤسسة الاتحاد وساعدتها في مهام كثيرة. لعل أبرزها مساعدة الطلبة التونسيين في فرنسا…وفى ذلك الوقت تخلت عن السفسارى “الحجاب” وتقول راضية عن هذه التجربة في مذكّراتها: «لقي أوّل مصيف للبنات نظّمناه، نجاحا باهرا، كنا ثلّة من النساء وراء ذلك المصيف: جميلة بن ميلاد وخديجة بن مصطفى وبختة الصدام وأنا. وكانت فرصة لأتخلّى عن “السفساري”نهائيا.
مشاركتها بحملة التضامن مع مساجين «الزندالة» السياسيين
وشاركت راضية الحدّاد في جمع التبرعات في إطار حملة التضامن مع مساجين «الزندالة» السياسيين وكانت تجوب الشوارع وتطرق أبوب المنازل لتوعية الناس بهذه القضية و حثّهم على تقديم المساعدة. ولم يخل هذا النشاط من مواقف محرجة، حيث تعرضت راضية الحدّاد إلى الطرد من قبل إحدى الفرنسيات المتزوجة من تونسي عند طرقها باب منزلها. وهي حادثة أثرت في نفسها كثيرا و ذكرتها في كتابها “حديث امرأة” (دار إليسا للنشر، 1995).
لمزيد من الأخبار زوروا موقعنا: الوسط العربي