إبداعات عربيةعاجل

عوالم بهاء طاهر الأسطورية وشخصياته المأزومة

أحمد عبد الحافظ

العوالم الأسطورية التي تفيض بها، وتتشكل منها قصص وروايات الأديب الراحل بهاء طاهر، والتناقض الذي تكشف عنه العوالم المشكلة لأحداث وشخصيات أعماله، وما تعانيه من انكسارات وأزمات سعى لدراستها وتفكيكها نقاد وأدباء في كتاب طبعته حديثا دار ميتا بوك للطباعة والنشر عنوانه “بهاء طاهر.. الملتزم برفق” بالاشتراك مع موقع صدى للقصة المصرية، الذي يشرف عليه الأديب سيد الوكيل.

يتضمن الكتاب مجموعة من المقالات النقدية عن إبداعات بهاء طاهر في “مجال الرواية والقصة القصيرة”، ركزت الدراسات على الصلات التي تربط بين شخصيات قصصه وبين مثيلاتها في رواياته، وكيف يعيد إحياءها واستنطاقها ومنحها فرص أخرى للحركة في عوالم جديدة.

بهاء طاهر

ولم تقف الدراسات عند هذا الحد بل تجاوزته إلى الغوص في كتابات طاهر النقدية والتي تناول من خلالها العديد من الأعمال القصصية والروائية بشكل انطباعي، كان لذائقته كمبدع الحضور الأبرز فيها، وصارت فيه شخصيات العمل وأجواؤه، عالمه الذي يعيش فيه، أما العالم الخارجي فيتحول إلى مجرد شبح متطفل على دنيا الرواية حسب ما أورد الناقد الدكتور عبد الرحيم الكردي في الدراسة التي تحمل عنوان “بهاء طاهر قارئًا للرواية”.

وفي دراسته حول “مستويات القراءة في “واحة الغروب ” سعى الناقد الدكتور مصطفى الضبع لإضاءة المساحة الفاصلة بين بطل قصة “الخطوبة” و”محمود عزمي” بطل رواية “واحة الغروب” وذكر أن هناك خيطا رقيقا شفيفا يربط بين بطل القصة “الشاب المأزوم” الذي يحب الحياة، ويسعى لأن يعيشها بطريقة مغايرة، و”أن يتزوج ممن يحبها”، وبين “محمود عزمي” بطل واحة الغروب الذي يكاد يكون امتدادا تاريخيا لبطل “الخطوبة” الذي لم ينجح في الزواج ممن أرادها، وقد استدعاه بهاء طاهر منها، ليكمل مسيرة حياته، وأعاده لكن باسم مغاير هو “محمود عزمي” وزوجه من الفتاة الأيرلندية “كاثرين”.

تحليل دور “الأب” كشخصية سلطوية في رواية “الخطوبة

قال الضبع إن بهاء طاهر من خلال الرواية يريد أن يشير إلى أن السلطة الأبوية ما زالت قائمة بصورة فجة وبائسة، وهو ما يتضح من خلال “الأب” والد الفتاة في قصة “الخطوبة”، والذي يأخذ هيئة المحقق، ويحول الشاب المُقدم على خطوبة ابنته لمتهم، فمنذ اللحظات الأولى للقائه به يبدأ بتهديده بالفضائح حتى يصل إلى لحظة التخلص منه بطريقة سياسية، وهذا الموقف يجعل “محمود عزمي بطل “واحة الغروب” يوقف علاقته بالمرأة المصرية، ويضرب عن الزواج حتى يلتقي “كاثرين” ويتزوجها وكأنه بذلك “ينتقم من الأب الذي رفض زواجه بابنته” في قصة الخطوبة.

المعنى هنا أن الطبع جلب بطل قصة الخطوبة من بين أحداثتها، وأعطاه حياة جديدة واسما جديدا في رواية واحة الغروب، ومنحه فرصة لاستكمال حياته، بالصورة التي تجعله يتخلص من أعباء الماضي النفسية، وأثاره السلبية، وهكذا يبدو “محمود عزمي” بهذا الطرح وطبقا لرأي الضبع “بطلا مأزوما يسعى إلى تجاوز أزمته فيلجأ إلى الخروج من مكانه الضيق بما يحمل من انكسارات إلى مكان أكثر اتساعا وأكثر قدرة على احتواء ما في نفسه.

والخروج هنا حسب رأي الضبع يلعب دوره في إنتاج دلالة تتأسس على الآليات التي تتشكل من خروج محمود عزمي الأول إلى الإسكندرية، وخروجه الثاني إلى الصحراء”، فما بين الاثنين يتسع مجال الرؤية للمستقبل أو للصحراء، ما يمنح النص الكثير من خصائصه التي تسمح بدورها بتداخل الأنواع في النص الروائي، وتجعله يجمع ما بين السينما والتاريخ والمسرح وأدب الرحلة، حيث يطرح كل منها مستواه الدلالي، ويجعل من الرواية نصا صالحا لقراءات متعددة ومتنوعة.

البناء السردي ودوره في تشكيل القيم والأيديولوجية في رواية “الحب في المنفى”

وفي بحثه حول “التوجيه السردي في رواية الحب في المنفى” ارتكزت نقطة الانطلاق الأساسية لدى عادل ضرغام، على الآلية النقدية التي يمكن من خلالها مقاربة “عنصر الأيديولوجية” في الرواية.

رواية "الحب في المنفى"

قال إن معاينة البناء, والاتكاء على آلية سردية فاعلة, كان لها دور مؤثر في تغذية القيم الأيديولوجية وتشكيلها, وأن معمارية البناء ارتبطت بسرد تصاعدي مع ذاكرة منفتحة على الماضي, كانت الجذع المغذي لصيرورة الأيديولوجية وتشكلها في حركة الشخصيات واختياراتها”.

دور الأنا في توجيه الأحداث وتشكيل الشخصيات

تحدث ضرغام عن “مركزية الصوت السردي”, وقال “إنه ينطلق من حدود “الأنا” التي تقدم نسقا سلطويا, يتحكم بوجهة نظره في حركة الاحداث, ويتجلى أثره في جزئيات عديدة من النص الروائي، تتمثل في تشكيل الأنماط الشخصية الكاشفة عن كثيرين ينضوون بداخلها, فكل شخصية تشير إلى نمط تمثيلي, وتنوب عن الفئة الخاصة التي تنتمي إليها”.

نظرة تحليلية لرواية “واحة الغروب”

وفي دراسة بعنوان “واحة الغروب.. اكتشاف الذات والموت” يذكر الناقد ممدوح فرّاج النّابي أن الصحراء عند بهاء طاهر تأخذ بُعدًا يمزج بين المعرفي والأسطوري والإشراقي وهذا يتجلى في علاقة بطل الرواية “محمود عزمي” ب”كاثرين”.

رواية "واحة الغروب"

وأشار إلى أن العوالم المشكّلة للرواية، تبدو مُنقسمة على نفسها، فهناك مجتمع “الأجواد” الذين يملكون الأرض والبساتين، ويتحكمون بقراراتهم في شؤون الواحة وأهلها وصراعاتها، وهم بذلك يقفون على طرفي نقيض مع “الزجالة” الذين يعملون في فلاحة الأرض وينامون في البساتين، ولا شئ يربط بينما غير مقاومة الحكومة التي تهددهم بالضرائب.

الرحلة والاغتراب في كتابات بهاء طاهر

في دراسته “الملتزم برفق” التي اتخذ الكتاب عنوانه منها يتحدث الناقد والكاتب سيد الوكيل عن شواهد الرحلة وتجلياتها التي تأتي بين التصريح والتلميح بكثرة في تجربة بهاء طاهر، وكأنما كانت هاجسه الشخصي، يراودها مرات ومرات، وتظهر في قصصه القصيرة أكثر دقة وإيحاءً بالدلالة منها في روياته، ربما لدوافع التكثيف وشعرية اللحظة، فضلاً عن سمة تميز البناء القصصي عن البناء الروائي، ويذكر الوكيل أن بؤرة السرد في القصة تأتي باعتبارها خلقًا من حدس اللحظة، وهي خلافا للبناء الروائي الفضفاض، الذي يحتاج إلى تصميم مسبق، وقد يمر بانحرافات مؤرقة وقلقة تراوغ الذات الساردة، ويجعلها مشبعة جماليا ودلاليا على نحو مدهش. 

للرحلة، حسب الوكيل، أسباب تبدو قدرية، تلقى استجابة من ذات قلقة، فهي في “أنا الملك جئت” (نداء السفر) كما جاء على لسان حشمت، وفي “واحة الغروب” تبدو هاجسا بالبعث كما جاء على لسان “كاثرين”، وهذه أسباب، من وجهة نظر الوكيل، ليست من مادة الواقع أو ضرورات الحياة.

وليس مصادفة أن بهاء طاهر يفرد قصة كاملة ذات عنوان دال حول أسباب الارتحال، هي قصة (حكاية الهَجَجَان) ضمن مجموعته القصصية (ذهبت إلى شلال) والتي تحمل عنوانًا دالاً على الترحال على نحو غير مباشر.

ولفت الوكيل إلى أن الصحراء هي المكان المفضل لشخصيات بهاء طاهر التي تغمر روحها الثلوج، حيث يهربون عادة من النقيض إلى النقيض، وهكذا يجد متلقي روايات وقصص بهاء طاهر نفسه إزاء علاقة معقدة تذوب ببساطة بفضل التفاصيل المؤثرة، والقدرة على تشكيل المساحة بين الرمزي والحقيقي، وحشد العلاقات الحية والمتوترة، والأحداث الجزئية التي تنتج شبكة من العلاقات والدلالات الجانبية ولكنها تصب في النهاية في اتجاه معنى كلى كثيف، ويتجلى في أنه لا توجد إمكانية للقاء بين صحراء مصر وثلوج أوروبا في أيه لحظة، إذ يظل الاختلاف قائما، وهذه هي الثمية الأصيلة في كتابات بهاء طاهر.

وألمح الوكيل إلى أن حضور الصحراء يبدو رمزيًا في أرواح ونفوس شخصيات قصصه ورواياته، وفيها تصبح الرحلة نفسها رمزًا لقلق ذاتي يعتريهم، يمتد إلى معنى شعوري أكثر فاعلية من مجرد الرحلة إلى مكان ما. لكنها تظل منهكة للذات، وتحرك لدى أبطاله دواعي الاغتراب.

 

لمزيد من الأخبار زوروا موقعنا: الوسط العربي

زر الذهاب إلى الأعلى