إبداعات عربيةعاجل

الوسط العربي في حوار خاص مع الكاتب حمزة هنداوي حول تجربة روايته “زوجة أمير الفلوجة” 

أحمد عبد الحافظ

من عالم التقارير الصحفية وقراءة الأحداث السياسية عبر الكاتب حمزة هنداوي إلى عالم الأدب برواية “زوجة أمير الفلوجة” التي صدرت حديثا، وتدور أحدثها عما جرى في منطقة الفلوجة العراقية من أحداث دموية، ومن خلال شخصياتها رصد هنداوي مشاعر كثيرة متباينة للبشر الذين عاشوا تلك اللجظات، سواء كانوا عراقيين أو أجانب. عاش هنداوي، الذي عمل مراسلا صحفيا لوكالة رويتر والأسوشيتدبرس، وسط أعمال القتل والعنف الدموي الذي صاحب سيطرة الجهاديين على منطقة الفلوجة، ومحاولات الأمريكان اقتحامها، وأصدر كتابين يندرجان تحت صفة اليوميات، الأول عنوانه “معذرة متى يأتي الصباح” والثاني “سرية يوم القيامة”… حول روايته الأخيرة وكتابيه كان هذا الحوار معه.

في روايتك “زوجة أمير الفلوجة” اعتمدت أشكالا عديدة من الكتابة الصحفية في سرد الأحداث.. هل لهذا علاقة بكون الراوي صحفيا؟

أنا لا أمثل أي شخصية من شخصيات الرواية، وقد اخترت أن أكون الراوي الأمين الذي شاهد وعايش معظم شخصيات الرواية، حقيقية كانت أو محض خيال. ولهذا كان لدىّ تصور خاص لكل ما يدور في ذهن كل شخصية، وقد عملت بالصحافة لأكثر من 30 سنة، وبعض ممن قرؤوا الرواية من أصدقائي الروائيين، كان رأيهم أن هناك مشاهد ولقطات من الممكن أن تطول أكثر، وأنها تحتمل إضافات وتفاصيل أكثر، ولكن يبدو أن شخصيتي الصحفية طغت على نظيرتها الروائية، فكان الأسلوب الموجز الذي يصل بالمضمون إلى عقل القارئ ببساطة من دون الاسهاب في الوصف.

صورت صفية زوجة “حسن الأمير الإرهابي”، وكأنها تتحكم في تسيير الأمور بينها وبينه، بما في ذلك علاقتهما الخاصة؟

صفية لم تكن متحكمة في شيء، والعكس صحيح؛ كانت مستسلمة لمصيرها بعدما تزوجت من جهادي، وبمرور الوقت أصبح لديها قناعة بأن حياته ستنتهي نهاية مأساوية عنيفة، وفي الوقت نفسه كان بداخلها جانب يتطلع للحرية؛ فلم يكن “الجهادي” مطمحها عندما تزوجت وهي صغيرة جدا، نعم أعطاها هامشاً قليلاً من الحرية، ربما تكون بمعايير أمراء الجهاديين كبيرة، لكن يجب أن نضع في الاعتبار أن منصبه في النهاية كان عملا جديدا عليه؛ فقد جاء بعد زواجه منها بأعوام، ومن غير الواقعي أن يتخلى تماما عن أي حسابات مختلفة في علاقته بزوجته، ولا تنس أن حبه لها كان جارفا، وربما لذلك قام ببعض التنازلات.

الوسط العربي في حوار خاص مع الكاتب حمزة هنداوي حول تجربة روايته "زوجة أمير الفلوجة" 
الوسط العربي في حوار خاص مع الكاتب حمزة هنداوي حول تجربة روايته “زوجة أمير الفلوجة”

رسمت “المصور عمر” شخصا غير مسؤول بعد عودته لبغداد، وتعرضه بالتالي للقتل، مهدرا جهود الوكالة الصحفية الأمريكية التي قامت بإلحاقه بمكتبها في بيروت لإنقاذ حياته؟

عمر شاب صغير لا يملك من خبرات الحياة الكثير، ولديه خبرة قليلة جدا في التصوير الصحفي، خاصة في أرض المعارك، هو أهوج وكان فرحا ومنتشيا من وظيفته الجديدة، يسعى لخلق نجاح باهر بشكل سريع ليلفت الأنظار، وسبب رجوعه إلى بغداد، في نهاية الرواية رغم محاولات الجانب الأمريكي إخراجه من المشهد القتالي، وتصرفه بطريقة غير مسؤولة متجاهلاً المخاطر التي يمكن أن يتعرض لها، يمثل جزءا من طيش الشباب وعدم امتلاك الخبرة الكافية، وجهله بكيفية سير الأمور الأمنية في العراق، وهو ما أدى في النهاية لمقتله على يد راكب دراجة نارية.

هل كنت تنظر إلى ما هو أبعد من الكتابة وتحويل الرواية إلى عمل درامي يتم تنفيذه سينمائيا أو تلفزيونيا؟

لا أعتقد أنني كتبت الرواية وعيني على امكانية تحويلها لمسلسل أو فيلم ، كان كل طموحي أن يقرأها البعض، وأن تقدم شيئاً جديداً، أو أن تثري فكرة الناس عما حدث بالعراق في تلك الفترة، أما عن المشاهد الجنسية فهي جزء من حياتنا، وبالنسبة للمعارك فأنا شاهدت معارك حقيقية في العراق، وأثناء غزو الكويت كمراسل صحفي، وفي الحرب الأهلية في جنوب السودان، ومن المنطق أن تكون كتابتي قريبة جداً من الحقيقة، لكني لم أقصد بذلك الذهاب بها نحو “الدراما”.

الوسط العربي في حوار خاص مع الكاتب حمزة هنداوي حول تجربة روايته "زوجة أمير الفلوجة" 

لماذا اخترت الشكل الروائي وأغفلت أسلوب اليوميات الذي اعتمدته في كتابيك السابقين؟

كتبت كتابين عن العراق من قبل؛ الأول كان يومياتي وغطي عامي 2007 و2008 أثناء الاقتتال الطائفي الذي دار بين السنة والشيعة في العراق، والثاني عن تجربتي الشخصية مع فصيل من المشاة الأمريكان كان مقرهم شمال بغداد، في حي سكني أسمه “الحرية”، تعرض لتطهير طائفي، وقد وصلوا هناك بعد انتهاء الاقتتال، وبالتالي لم يكن الفصيل منهمكاً أو داخلاً في صدامات مسلحة مع جماعات مسلحة، كان الجنود يحاولون إعادة الأمن للمنطقة، وبناء جسور الثقة بين السنة والشيعة، أما عن الرواية فكانت لقناعتي، بأني أستطيع الحكي بشكل مختلف، حيث تمنحك الكتابة القصصية رخصة لتجعل تفاصيل الحياة أكثر تشويقاً، وتوغل في وصف المشاعر الإنسانية للشخصيات، وقد كانت “زوجة أمير الفلوجة” مزيجا من الخبرات الحقيقية التي عشتها بنفسي. هناك شخصيات خلقتها من صميم خيالي، وأخرى واقعية التقيتها، وكانت موجودة في حياتي.

في كتابك “سرية يوم القيامة” لجأت إلى كتابة اليوميات.. ما الذي دفعك إلى ذلك فيما كان يمكنك أن تلجأ للكتابة الروائية التي اعتمدتها في رواية “زوجة أمير الفالوجة”؟

– عندما كتبت “سرية يوم القيامة”، فكرت أن يكون كتابا واقعيا يحكي تجربتي، والتي ربما لم يمر بها صحفي عربي أثناء حرب العراق؛ كنت متواجداً مع السرية؛ أعيش وسطهم، وأخرج معهم في دوريات سيرا على الأقدام، وقد قمت بخمس أو ست زيارات للعراق خلال السنة التي كانت السرية موجودة فيها بحي الحرية، وعندما انتهت مهمتها، عدت معهم لولاية كانساس الأمريكية لكتابة الفصل الأخير من الكتاب، حين وصلنا، أُقيم لهم احتفال ضم الزوجات والأبناء والأهل.

"سرية يوم القيامة"
“سرية يوم القيامة”

وفي اليوم التالي كان لي غذاء أخير مع بطل الكتاب النقيب وليم بمطعم مكسيكي، وأخذ يتحدث عن انطباعاته بعد خروجه من العراق، وبعده عنها ألاف الأميال، وقد خدم مرتين في العراق، الأولى كانت مدتها سنة ونصف، والثانية سنة كاملة، وقد شّكل العراق جزءا كبيرا من حياته وعسكريته.

في “زوجة أمير الفلوجة” تحدثت عن الصراع الطائفي الذي نما في العراق ما بعد صدام كيف ترى ذلك، وما هي البذور التي تأجج من خلالها هذا الصراع؟

 ليس لدي نظرية سياسية تفسر الاقتتال الطائفي بشكل أكاديمي أو بأي شكل ثان، ولكن يكفي أن أقول أن الذي حدث بالعراق خلاف سياسي أكثر منه ديني؛ بمعنى أنه عندما كان الشيعي يقتل السني أو السني يقتل الشيعي، لم يكن قتلاً على الهوية، كان خلافاً بين أغلبية شيعية ظلت مقهورة سياسيا لفترة طويلة، ومع قدوم الأمريكان، وأُزيح صدام حسين من المشهد، الذي كان رمزاً لهذا القهر، وأصبح السُنة العرب الذين كان لهم الحظوة في صدام العراق مجرد أقلية لها جزء من الكعكة السياسية يعكس حجمها، في مواجهة الأغلبية الشيعية.

تعرضت معظم شخصيات روايتك “زوجة أمير الفلوجة” لمصير مأساوي جراء العنف … ماذا كنت تريد أن تشير إليه بهذه المصائر الدموية لشخصياتها؟

الموت الذي أخذ معظم شخصيات الرواية يعكس دموية تلك الفترة وما مر به العراق من أهوال، ولم يكن لدى أي إنسان يعيش هناك في ذلك الوقت أي ضمان بأنه سيعود إلى منزله في نهاية اليوم، أو أنه سيستيقظ في الصباح وهو ما زال حيا. كان الشك كبيراً حول إمكانية الحياة الآمنة في تلك الفترة، أو مجرد تفادي الموت الذي كان من نصيب الكثيرين، كان العراق دمويا بشكل استثنائي، وكان القتل والدم يأتي من جهات متعددة؛ من الأمريكان، من الشرطة الاتحادية، من الجيش، من الميليشيات الشيعية، من المجموعات المسلحة السنية.

هل ترى أن أزمة شخصية مثل “صفية” وهي تبحث عن “الدكتور خاطر”، تشير أن لا أمل لتحقيق أي قدر من الحياة الإنسانية في مجتمع يضربه العنف ليل نهار؟

صفية لم تكن سعيدة بكونها زوجة لأمير من أمراء الجهاديين، ولهذا رأت في الدكتور بصيصا من الأمل؛ ممكن أن يخرجها من العراق إلى مكان آمن، ولكن كان لديَ قناعة أن “خاطر” الأمريكي ذو الأصول الفلسطينية الذي عالجها من إصابتها بمستشفى ابن سينا بالمنطقة الخضراء، لم يكن في نيته أخذ صفية والذهاب بها لأمريكا، وكان من الواضح أن العشرة أيام التي أمضتها بالمستشفى، قللت فقط من حدة حياته كجراح في مستشفى ابن سينا، يتعامل مع الدم والموت بشكل يومي، ولما ظهرت صفية في حياته كانت أشبه بهدية جميلة لم يتوقعها، اهتم بها لفترة، لكن انجذابه لها انتهى بعد أيام قليلة من مغادرتها المستشفى.

 

لمزيد من الأخبار زوروا موقعنا: الوسط العربي

زر الذهاب إلى الأعلى