تأملات فيكتور هوجو حول آثار شكسبير ولافونتين وفيرجيل وهوراس الشعرية والفلسفية

أحمد عبد الحافظ
يأخذ الكاتب والفيسلوف الفرنسي الشهير فيكتور هوجو قراءه عبر كتابه “أوراق من حياتي” الذي صدرت نسخته العربية حديثا عن دار ومكتبة المتني للنشر والتوزيع السعودية، والتي ترجمها عن الفرنسية الأديب المصري الدكتور حسن عبد الفضيل، في رحلة ثقافية ومعرفية متنوعة، يتحدث خلالها عن علاقته بالإبداع العالمي عامة والآداب الفرنسية، والانجليزية، خاصة، وكيف يرى شاعرها الأبرز وليم شكسبير، كما يذهب في وقفات متفردة يقدم فيها اقتراحاته النقدية لتذوق الفنون عبر العديد من العصور المختلفة فضلا عن إبداعات فلاسفة وشعراء مهمين في مسيرة الأدب العالمي أمثال فولتير ولافونتين وبومارشيه وغيرهم.
ولا تنحصر عطاءات هوجو “26 فبراير 1802 – 22 مايو 1885” عند هذا الحد، بل يقدم في الكتاب سباحات حول قيمة الحرية، وعلاقتها بالمسؤولية، كما يمزج ارتحالاته، هنا وهناك، بحديث عن الأرواح وارتباطها بالمثل العليا، وقيم الحق والخير والجمال، وفي إطار ذلك يحكي عن الشاعرين الرومانيين فيرجيل وقصيدته الأنيادة وهوراس وشعره الهجائي الذي يتناول مشاهد الحياة وتفاصيلها، في ميدان روما الرئيسي وسط الحشود البشرية.

تأملات في شعر “هوراس”
ويذكر هوجو في إطار تأملاته لشعر وقصائد هوراس أن إبداعاته “نوع من حكمة الطير”، “تتسم بكل أشكال التمرد، وهي ضد التحزلق النمطي”، كما أنها تتضمن الكثير من حيل الرشاقة والجزالة اللامحدودة، ويبدو البيت الشعري لديه، وكأنه ينقش بمنقاره في أدق التفاصيل.

وليس له في ذلك سوى هم واحد أن يكون جميلا، فمن خلال شعره يصل هوراس لنوع من القدرة السامية التي تؤهله لأن يحوز رقة الأطفال مع إلزام نفسه بنوع من الدعة والوقاحة، يطل من نافذتهما، وبنصاعة الأسلوب الذي يمتلكه إلى مطلق الحرية التي تتمركز داخله.
أهمية الفن والإبداع ودوره في ترقية الذوق الإنساني
يشير هوجو في بعض تأملاته إلى أهمية الفن والإبداع ودوره في ترقية الحس الإنساني، والكتاب إجمالا يبدو وكأنه نوع من الوصية الفكرية التي تركها الفيلسوف الفرنسي في ختام مشوار تجربته وحكمته، ويعتبر الكلمة الآخيرة في مشروع نقده الأدبي وفلسفته الدينية، ويأتي كل ذلك في قسمين ومجموعة من الأوراق المنفصلة المتناثرة والتي تدور حول موضوعات شتى، ويتركز القسم الأول على القضايا الأدبية، وأما الثاني فيتمحور حول عدد من التأملات الفلسفية التي تدور حول الروح والقدر والخلق والله إضافة إلى الظواهر الفلكية وأحوال الكواكب والنجوم.
كومة من الأحجار
أما فيما يتعلق بالأوراق المنفصلة، فقد جاءت بعنوان “كومة من الاحجار”، وتدور حول العديد من الافكار المتمازجة والمتنوعة بداية من المشاعر والحب والنساء والسياسة والتاريخ، وجميعها كتبها هوجو ولم يرها في كتاب، حيث نشرت بمناسبة مرور مائة عام على ميلاده، في فبراير شباط 1902.
رؤية هوجو ل”شكسبير”
وفي احتفاله الخاص بشكسبير، كتب هوجو أن عالمه يضم، مع البشر، الملائكة والجنيات، وأنه مثله مثل أسخيليوس، لديه إفراط في سبر أغوار المتعذر سبره، المغلق الذي لا ينضب معينه، كلما تعمقت الفكرة لديه كانت العبارة أكثر حيوية.

وذكر أن شكسبير، مثل كل الشعراء، يتمتع بشخصية مطلقة، لديه طريقة خاصة به في التخيل، والإخراج والانتاج، وهي ثلاث ظواهر مشتركة النواة ومندمجات سويا في العبقرية التي تعتبر فلك الإشعاعات.
وصفه للشاعر الفرنسي “لافونتين”
وفي موضع آخر من تأملاته تناول هوجو، الشاعر الفرنسي “لافونتين”، ووصفه بأنه “حكَّاء الأساطير”، يحيا حياة حالمة، حتى أنه ينسى نفسه ذاتها، ويتلاشى في المجموع الكوني الكبير. روحه تهيم في الغموض، ويشغل نفسه بكل ما هو عليه، ويتوائم مع تفرده، حين يحلم ويبصر ويسمع، وينصت لأصوات الذئب المبهمة والثعلب والنملة، وهو بهذا الشكل لم يعد يعيش من أجل نفسه.

ولم يعد على وعي بكينونته منفصلة عما حوله، حيث ينغمس في تواصل مع الطبيعة، ويشعر بتوازن مع الخليقة، يصوغ زهرته وثمرته أسطورة وحكمة، شعراً متشكلا من كل الحواس التي تمنحها الطبيعة للحالم، وفلسفة تخرج من الأشياء لتصل إلى الإنسان، وفي أوراقه، لم يقصر هوجو الحديث على شكسبير ولافونتين فقط، بل راح يستدعي فولتير ودوره وما قدم من شعر وفلسفه جعلت منه حسب تعبيره “المندوب الدائم لعصره”، كما أشار إلى “بومارشيه”، وذكر أنه ساخر مثل “أرستوفان”.
معارضة هوجو ل “نابليون”
ولد هوجو عام 1802، وعقب الانقلاب الذي نفذه نابليون عام 1851، عوقب لمواقفه التي كانت ترفض الدكتاتورية بالنفي، وخلال تلك الفترة التي استمرت 19 عاما.

أبدع هوجو وكتب عددا من أهم أعماله، ومنها روايته “البؤساء”، وكتابه “العقوبات”، و”نابليون الصغير”، و”أغاني الشارع والخشب”، و”التأملات” و”عمال البحر”، فضلا عن أعمال أخرى، أما عن الابداعات التي قدمها قبل نفيه، فكان أهمها روايته “أحدب نوتردام”، ومسرحيات “كرومويل”، و”الملك يلهو”، و” أنجيلو ، طاغية بادوا”.
لمزيد من الأخبار زوروا موقعنا: الوسط العربي