تركيا وحلم الاتحاد الأوروبي!!

كتب: إيهاب أحمد
تركيا هي إحدى الدول المتعددة الأعراق واللغات ذات الإمكانات الكبيرة.لا سيما موقع البلاد المتميز على مفترق الطرق بين أوروبا وآسيا الذي أعطاها موقعًا جيوسياسيًّا مفيدًا قضلا عن سعي كثير من القوى في الغرب والشرق إلى الهيمنة على قراره السياسي، وهو ما تبلور في الطبيعة المزدوجة للسياسة الخارجية للبلاد حيث تناور تركيا اليوم بين ادعاء زعامتها للعالم الإسلامي وتحالفها مع أوروباحتى يظل الاتحاد الأوروبي متمسكا بشراكة قوية مع تركيا لأطول فترة
ويجري وضع إستراتيجية للتفاعل مع الدول الأوروبية تحت تأثير الموجة التالية من الركود الاقتصادي الدائم، التي بدأت عام 2018، وبلغت ذروتها عام 2022، بالتزامن مع تخفيض العملة الوطنية عدة مرات، واستمرار الركود الاقتصادي. يشير ارتفاع مستوى التضخم بشكل دائم، وتحطيم جميع الأرقام القياسية، وانخفاض المستوى الحقيقي للناتج المحلي الإجمالي، وارتفاع أسعار موارد الطاقة والسلع الأساسية، إلى أزمة نظامية أثرت في جميع مناحي الحياة و إن كان استقرار الحكومة الحالية سيعتمد على قدرتها على اتخاذ إجراءات حقيقية، من خلال بنّاء حوار بناء بين مختلف القوى السياسية والاجتماعية لحل المشكلات الملحة من أجل منع تفاقم الأزمة. اليوم، تركيا في حاجة ماسة إلى تحويل مستمر للأموال الضخمة، التي يمكن الحصول عليها بسرعة وبكميات كافية في أوروبا وهو ما يجعل مسألة الاندماج في الفضاء الأوروبي مشكلة أساسية لتركيا، يجب حلها في المستقبل القريب؛ لإعادة الدولة إلى وضعية التنمية المستقرة
يعتبر انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي أحد العوامل الرئيسة في السياسة الخارجية، التي اكتسبت صفة رسمية في النصف الثاني من القرن العشرين منذ نشوء تركيا الحديثة حيث أظهرت بوضوح رغبتها في أن تكون جزءًا من المجال الأوروبي، وهو ما يرجع إلى الازدواجية الحضارية لتركيا، وخصوصيات تكوينها السياسي في الفترة من عام 1923 إلى عام 1938؛ مما كان له تأثير كبير في الهوية السياسية للدولة
اتفاقية الشراكة بين تركيا والمجموعة الاقتصادية الأوروبية
يذكر أنه في أثناء استقطابات الحرب الباردة تم التوقيع على اتفاقية الشراكة بين تركيا والمجموعة الاقتصادية الأوروبية عام 1963، التي تضمنت أيضًا مزيدًا من الارتباط السياسي. بالرغم من عدم حصول تركيا على صفة المرشح للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي إلا في عام 1999، بعد الموافقة على الطلب الرسمي للانضمامو التي أعتبرت إحدى الخطوات الرئيسة الأخيرة نحو التكامل الحقيقي حتى عام 2023.

وكان من المفترض أن يكون العام الماضي بمثابة المرحلة الأخيرة في هذه العملية المطولة، لكن المفوضية الأوروبية أعلنت، في يوليو (تموز) 2023، استحالة قبول تركيا في الاتحاد الأوروبي حتى عام 2025، ويعود ذلك إلى وجود مجموعة من الأسباب. المشكلة الرئيسة تظل عدم امتثالها لـ”معايير كوبنهاجن”- فالمعايير السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي اعتمدها الاتحاد الأوروبي عام 1993 وعلى مدى عقدين من الزمن تحققت أعظم النجاحات على مستوى الاتحاد الأوروبي تحقق مسار التحول النظامي في المجال الاقتصادي التركي، ليعمل وفق معايير السوق الحرة كما اعتُمدت مجموعة من التدابير الرامية إلى تحرير الاقتصاد، ومنها:
- إضعاف سيطرة الدولة على الأعمال التجارية.
- تحسين مناخ الاستثمار.
- تحرير الأسعار.
- انتهاج سياسة نقدية جديدة.
لكن عدم استعداد الجمهورية لتحولات سياسية مهمة، أدى إلى تجميد التفاوض على هذا المسار.
تطور النظام السياسي في تركياو استشرت النزعات الاستبدادية، التي تحددها خصوصيات التكوين التاريخي والسياسي للدولة وفي ظل إدارة أردوغان، كان هناك تخلٍّ منهجي عن خلق نموذج ديمقراطي لتنظيم النظام السياسي للدولة خاصة بعد محاولة الانقلاب عام 2016 حيث أُجري استفتاء لتعديل الدستور الحالي صوت فيه أكثر من 50٪ من الناخبين، وهو ما يمثل بداية التحول في النظام من جمهورية برلمانية إلى جمهورية رئاسية، مع توسع كبير في صلاحيات رئيس الدولة.
مشكلات الرئيسة التي تؤثر على مصالح تركيا وأعضاء الاتحاد الأوروبي
من بين المشكلات الرئيسة التي تؤثر في مصالح تركيا والدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي كانت:
قضية سيادة شمال قبرص وحق استغلال آبار الغاز الطبيعي في الجرف القاري لشرق البحر المتوسط.
الجدل الدائر بشأن الإبادة الجماعية للأرمن، الذي اتخذ طابعًا سياسيًّا.
الموقف العدائي للبرلمان الأوروبي تجاه مشاركة تركيا في صراعات الشرق الأوسط.
فضلًا عن عدم رغبة تركيا في وقف الاتصالات بشكل كامل مع الدول التي تتعرض لعقوبات.
إن هذه القضايا المثيرة للجدل تتجاوز أجندة السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي، وتصبح من العوامل المهمة لتعليق التفاوض بشأن العضوية فترة غير محددة. إن حصول تركيا على مكانة العضو الكامل في الاتحاد الأوروبي سيؤدي حتمًا إلى زيادة احتمالات الصراع داخل الاتحاد، الذي يتخذ أعضاؤه اليوم بالفعل مواقف مختلفة بشأن قضايا ذات طبيعة مختلفة.
أسباب اقتصادية تعيق قبول تركيا في الاتحاد الأوروبي
هناك أيضًا عدد من الأسباب الاقتصادية التي تعوق عملية التكامل فقبول تركيا في صفوف أوروبا الموحدة، التي ضعفت كثيرًا بسبب أوضاعها الاقتصادية، يعني التعجيل ببداية كارثة اجتماعية. وفقًا لمواد المكتب الإحصائي للاتحاد الأوروبي (يوروستات)، فإن مستوى النمو السكاني الطبيعي في دول الاتحاد الأوروبي ظل سلبيًّا عدة سنوات، وهو ما قد يكون بسبب التغير في هيكل الهرم العمري والجنس نتيجة للتغير المناخي، وآثار جائحة كوفيد- 19، فضلًا عن الاتجاهات الاجتماعية والثقافية الجديدة، ومنها تأخر الإنجاب. وستؤدي إزالة الحواجز إلى زيادة ضخمة في تدفقات الهجرة، وخاصة اللاجئين السوريين الموجودين في تركيا. مرة أخرى، يقف الاتحاد الأوروبي على حافة أزمة هجرة واسعة النطاق، ويواجه تهديدًا حقيقيًّا بالتمييز في تكوينه الوطني. إن توسع وجود الجماعات الإسلامية الرجعية في الشتات، التي تتخذ أنشطتها الأشكال الأكثر تطرفًا، من شأنه أن يؤدي إلى تفاقم الوضع الأمني في أوروبا كثيرًا.
تعلن أوروبا بوضوح عدم رغبتها في قبول الجمهورية التركية في صفوفها في المستقبل القريب، ومع ذلك، فإن الاتحاد الأوروبي ليس مستعدًا لتدهور العلاقات مع دولة بأهمية تركيا تحتل موقعًا رئيسًا في النظام العالمي خاصة الاضطراب المتزايد في الوضع الجيوسياسي، المصحوب بضغوط العقوبات على عدد من الدول، يزيد من أهمية تركيا للاتحاد الأوروبي بوصفها شريكًا تجاريًّا رئيسًا ومركزًا للطاقة وضامنًا للاستقرار على مفترق طرق الغرب والشرق لذلك يهتم الجانبان اليوم بإعادة تنظيم الحوار، وتكثيف العلاقات التجارية، والاقتصادية، والسياسية من خلال توسيع أشكال التفاعلعلى أساس الاتجاه الحالي للتعاون في القضايا الدولية من خلال كتلة شمال الأطلسي، التي أثبتت فاعليتها في التعاون بين الطرفين على مدى عدة عقود، وكذلك في إطار مسارات التفاوض التي تؤثر في التعاون السياسي والعسكري في القضايا الرئيسة للعلاقات الدولية.
وبناءا على ما سبق فإن رغبة تركيا في دخول “البيت الأوروبي”تعيقها مشكلات داخلية ذات طبيعة اجتماعية، واقتصادية، وسياسية مما يشير إلى وجود أزمة نظامية في الدولة إخاصة أنه مازال الحصول على مكانة العضو الكامل في أوروبا الموحدة يشكل جزءًا مهمًّا من سياسة تركيا وهو ما من شأنه أن يسمح لها بمواصلة تطورها الاقتصادي والسياسي المنهجي. ومع ذلك، فإن دخول تركيا إلى الاتحاد الأوروبي لن يصبح ممكنًا إلا بعد حدوث تحول جذري في النظام السياسي، وهو ما لن يحدث إلا مع تغيير السلطة، فضلًا عن زيادة نسبة الممثلين الموالين للغرب في النخبة السياسية التركية، التي ستكون مستعدة لإخضاع مصالح البلاد لرغبات أوروبا.
