تقييم الحرب الأمريكية الحوثية وانعكاساتها على اليمن

تقرير: علي عبدالجواد
لا تزال المواجهة بين الولايات المتحدة والحوثيين في البحر الأحمر مستمرة، وتشهد تزايدًا في وتيرة التصعيد، حيث نتج عن هذا الصراع أنماط جديدة من المواجهة، واستخدام أدوات غير تقليدية، مع غياب اليقين بشأن تحقيق أي من أطراف الصراع أهدافه بشكل كامل أو جزئي، كما يلفّ الغموض مسار التصعيد ونطاقه وحدوده، مما يطرح العديد من الملاحظات والتساؤلات حول طبيعة هذه المواجهات وتأثيرها على اليمن.
فشل العمليات الأمريكية البريطانية

بعد ما يقارب الشهر ونصف على القصف الجوي المستمر، ما زالت واشنطن مقتنعة ولديها تطلعات بأن عملياتها ستوقف هجمات الحوثيين على السفن في البحر الأحمر وبحر العرب، وهو على عكس ما يحدث في الواقع، حيث إن الحوثيون ومنذ 19 نوفمبر 2023، ما زالوا مستمرين في شن هجمات على سفن تجارية مرتبطة بإسرائيل أو متجهة إلى موانئها، وحتى أهداف وسفن أمريكية وبريطانية، على الرغم من جملة من التداعيات السياسية والأمنية المختلفة على اليمن.
لم تستطع الاستراتيجية الأمريكية في ردع الحوثيين، بالعكس، التصعيد الحوثي اتخذ خطوات أكثر تقدماً، من خلال استهداف السفينة البريطانية روبيمار، وهو ما أفضى في النهاية إلى غرقها، مما قد يعقد المشهد ويزيد من العمليات واحتمالات الرد البريطاني.
وتؤكد كل التصريحات الصادرة من عبد الملك الحوثي، أو القادة الحوثيين، على استمرار الاستهداف والعمليات، وربطها بالموقف في غزة، ومع ذلك، يبالغ بعض القادة الحوثيين، مثل القيادي، حسين العزي، بأن العمليات الحوثية لن تتوقف، حتى وإن تم التوصل لوقف إطلاق نار في غزة.
ولم يؤثر فرض بريطانيا وأمريكا عقوبات على داعمي الحوثيين ومنهم وحدات رئيسية بفيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني ونائب قائده، بشكل قوي وفاعل في وقف الحوثيين لعملياتهم أو تراجعهم، ولم تكن له نتائج سريعة أو فاعلة، لأن ورقة العقوبات باتت مستهلكة.
كما أن تحدث عدد من التقارير عن تغير استراتيجيات واشنطن في مواجهة الحوثيين، واللجوء إلى التخطيط لاغتيالات قادة الحوثيين، على نفس نمط الاستهداف الإسرائيلي، وهو ما يهدد يتدهور الأوضاع وطول أمد الصراع، واستفزاز الحوثيين للرد، ما سينعكس بشكل سلبي على جملة المشهد، ولن يوقف الحوثيين.
التصريحات الأمريكية بخصوص عمليات الحوثيين
تصريحات البنتاجون بأن القوات الأمريكية تعرضت لحوالي 170 هجومًا خلال 4 أشهر، يؤكد على أنه رقم كبير من العمليات له دلالة على كثافة المواجهة والصدام.
تصريح قائد الأسطول الخامس الأمريكي تشارلز برادفورد كوبر، كان كاشفاً، عن عدة نقاط:
- تأكيده على أن الحوثيون يواصلون أنشطتهم في البحر الأحمر رغم تحرك القوات الأمريكية ضدهم، وأنه الصعب تحديد ما إذا تم تعطيل قدرات الحوثيين.
- ما تم إنجازه هو أن القوات الأمريكية نجحت في جعلهم يغيروا طريقة عملهم!!.
- تبريره للموقف بأن الحوثيين يحصلون على مساعدة في تقنياتهم العسكرية، على الرغم من أنهم يفعلوا كل ما في وسعهم لمنع الحوثيين من الحصول على إمدادات عسكرية.
توسع الصراع

تأتي من أهم الدلائل التي ترجح فرضيات توسع الصراع، قيام الاتحاد الأوروبي بإطلاق مهمته في البحر الأحمر “اسبيدس”، وهي لمدة سنة واحدة على الأقل بتكلفة 5.1 مليون دولار، ما يعني دخول الاتحاد الأوروبي بقوة في مواجهة الحوثيين، وعلى الرغم من تأكيده على أنها ستكون عمليات ردع ودفاعية، ولن يتم القيام بهجوم، غير أنه لا يمكن أبداً ضبط مساحة وأدوات الصراع أو التحكم فيها، فهي تظل قابلة للتمدد في أي وقت.
من ناحية أخرى تصريح المتحدث باسم الحكومة اليونانية بافلوس ماريناكيس، في بيان، أن مجلس الأمن اليوناني وافق على اقتراح من وزير الدفاع نيكوس ديندياس للمشاركة في بعثة الاتحاد الأوروبي، وأن أثينا ستشارك في مهمة بحرية للاتحاد الأوروبي في البحر الأحمر لحماية السفن التجارية من هجمات ميليشيا الحوثيين في اليمن.
وأيضًا دخول ألمانيا على خط العمليات بوجودها في البحر الأحمر، وقيامها باستهداف مسيرة تابعة للتحالف بالخطأ، وهو ما يعني احتمالية استهداف أهداف تابعة لها أو قيامها بعمليات ضد الحوثيين، وهي الدولة الثانية بعد فرنسا التي تشارك في المنطقة.
القدرات الحوثية

استطاع الحوثيون توظيف وتطوير قدراتهم العسكرية خلال العمليات واستحداث بعض القدرات، مثل: الغواصات المسيَّرة، والقوارب المفخخة، وغيرها من الأسلحة التي ربما قد تغير مسار المواجهات أو عمل توازن نوعي في الصمود والعمليات.
ظهر مدى التأثير عقب إعلان شركة الاتصالات الدولية “سيكوم” عن خلل في بنيتها التحتية في البحر الأحمر، جراء استهداف نظام الكابلات، مما أثر على تدفق المعلومات بين أفريقيا وأوروبا، وسط شكوك حول تورط جماعة الحوثي فى التعطيل من مركز نشاطها، وهو ما يستند إلى عدة دلائل، على الرغم من النفي الحوثي، وهو ما يلقي بظلاله على اتباع الحوثيين لأنماط تهديد جديدة، ومواجهة بآليات متنوعة ومختلفة.
تأثير العمليات الأمريكية البريطانية على الداخل اليمني
لا يمكن فصل التصعيد الإقليمي في البحر الأحمر وبحر العرب عن المشهد الداخلي اليمني، حيث سيكون له انعكاسات كبيرة على كل من الوضع السياسي والوضع الإنساني.
على الصعيد السياسي:
- ستؤدي حالة الاضطراب في البحر الأحمر إلى زيادة التجاذبات والاستقطابات بين مختلف القوى السياسية اليمنية.
- سيفتح عدم اليقين بشأن مستقبل التصعيد الباب أمام قوى مختلفة للمواجهة ومحاولة الحصول على مكاسب أو توظيف الظرف الدقيق الذي يمر به اليمن.
على الصعيد الإنساني:
- ستؤدي العمليات العسكرية إلى تفاقم الأزمة الإنسانية في اليمن، خاصة مع تقييد حركة السفن التجارية وعرقلة وصول المساعدات الإنسانية.
- سيؤدي تدهور الوضع الأمني إلى نزوح المزيد من المدنيين وزيادة معاناة النازحين.
على صعيد عملية السلام:
- أكد المبعوث الأممي إلى اليمن أن التصعيد الإقليمي سيؤثر سلبًا على عملية السلام، وسيتسبب في تباطؤها وتعقيدها.
- سيؤدي عدم الاستقرار في البحر الأحمر إلى صعوبة تحقيق أي تقدم في المفاوضات بين مختلف الأطراف اليمنية.
ختامًا، لا يوجد أفق واضح للتهدئة في البحر الأحمر، خاصة مع ارتباطه بالحرب في غزة، وبات كل طرف من الأطراف، سواء الأمريكيون أو الحوثيون، يسعى إلى توظيفها لتحقيق أهدافه.
كما لم تنجح العمليات الأمريكية والبريطانية، حتى الآن، في تحقيق أهدافها، سواء بمنع استهداف السفن، أو ردع الحوثيين، أو فرض القوة عليهم وتطويقهم.
ويبقى أن عامل الوقت عنصرًا هامًا لا يخدم الوضع في اليمن، حيث يؤثر سلبًا على الوضع الإنساني، ومسارات العمل السياسي وعملية السلام، ويُهدد بتمدد الصراع واستمراره ودخول أطراف جديدة.
لمزيد من الأخبار زوروا موقعنا: الوسط العربي وللتواصل الاجتماعي تابعنا علي فيسبوك الوسط العربي
