حول الخليجعاجل

العشائر في العراق تجعل الحياة غابة في ظل ضعف الدولة وغياب القانون

 

تقرير: أحمد حسان

حظر التجوال الذي فرضته وزارة الداخلية العراقية على خلفية نزاع عشائري حدث بين عشيرتين في قضاء الإصلاح ضمن محافظة ذي قار يفتح الباب واسعا للنقاش والبحث حول النزاعات العشائرية بالعراق وتأثيرها السلبي على تكدير السلم العام في الدولة.

ذكرت الوزارة  في بيان أوردته وكالة الأنباء العراقية (واع)  أنه رغم التأكيدات المستمرة بأهمية الابتعاد عن النزاعات العشائرية التي ترتقي إلى مستوى الإرهاب وإدخال الرعب في قلوب المواطنين وإزهاق الأرواح، إلا أن البعض ما زال يصر على أن تكون لغة السلاح هي السائدة بدل القانون وإنفاذه وهذا مرفوض جملة وتفصيلا، مؤكدة أن ما حدث من جريمة بحق مدير استخبارات ومكافحة إرهاب ذي قار العميد عزيز شلال جهل التي قُتل على إثرها تعد تجاوزا كبيرا على سلطة القانون.

وأشارت إلى أنه تم الشروع بعمليات واسعة على إثر النزاع العشائري الذي حدث بين عشيرتين في قضاء الإصلاح ضمن محافظة ذي قار، كما تم فرض حظر للتجوال، موضحة أن قيادة شرطة المحافظة فرضت طوقاً أمنياً حول المنطقة التي حصل فيها النزاع بعد أن وصلت تعزيزات من قوات الشرطة الاتحادية وفرقة الرد السريع لفرض الأمن والقانون في هذه المنطقة.

أكدت الوزارة أن قوات الأمن تواصل عمليات المداهمة والتفتيش في قضاء الإصلاح ضمن محافظة ذي قار، مشيرة إلى أن عدد الملقى القبض عليهم ارتفع إلى 105 متهمين، كما تم ضبط كمية من الأسلحة، وإلى استمرار عمليات المداهمة والتفتيش.

ظاهرة النزاعات العشائرية في العراق 

يُرجع الخبير الأمني والاستراتيجي العراقي، علاء النشوع، ظاهرة النزاعات العشائرية في البلاد إلى أسباب اجتماعية وأمنية، وكذلك دول أجنبية كان من مصلحتها انتشار فوضى السلاح منذ 2003.

الخبير الأمني والاستراتيجي العراقي، علاء النشوع
الخبير الأمني والاستراتيجي العراقي علاء النشوع
  • احتلال الولايات المتحدة وتحالفها الدولي للعراق من أهم أسباب الفوضى الكبيرة التي أظهرت العشائر كقوة بديلة عن الدولة ومؤسساتها التنفيذية والقضائية.
  • الاحتلال أدى لانهيار الجيش العراقي؛ مما أعطى الفرصة لبعض العشائر للاستيلاء على أسلحة ومعدات بداية من البندقة حتى الأسلحة الثقيلة، كالمدفعية والدبابات من ثكنات الجيش، في إطار التنافس على إظهار الهيمنة بين هذه العشائر وبعضها، واستخدامها كذلك في التجارة وجني الأموال.
  • يضاف لذلك أن بعض الفصائل الموالية لإيران استولت أيضا على جزء من هذه الأسلحة والمعدات لتفرض بها وجودها على الأرض.
  • الولايات المتحدة تركت الحرية في امتلاك السلاح واستخداماته خارج النطاق القانوني، بشكل خاص في المحافظات الجنوبية التي لم تظهر مقاومة للاحتلال، بل اعتبرته “محررا” و”صديقا”.
علي مراد العبادي الباحث في قسم إدارة الأزمات بمركز الدراسات الاستراتيجية جامعة كربلاء
علي مراد العبادي الباحث في قسم إدارة الأزمات بمركز الدراسات الاستراتيجية جامعة كربلاء

وأصَّل علي مراد العبادي الباحث في قسم إدارة الأزمات بمركز الدراسات الاستراتيجية جامعة كربلاء عام 2019 لنظام العشائر، قائلا:

 “إن طبيعة المجتمع العربي بصورة عامة تميل للطابع البدوي إذ تسيطر عليه العادات والتقاليد الاجتماعية بصفتها المتوارثة والتي بعضاً منها تحمل صفات جميلة متعارف عليها كالشجاعة والضيافة وحسن المعاملة واحترام الجار ومساعدة الضعيف وغيرها”.

 

وفي عين الوقت فإن بعضها يميل لطابع العنف ويتعارض مع التطورات الحاصلة بمختلف نواحي الحياة وما يتطلبه عصر التكنولوجيا والحداثة، مما يؤدي لحدوث نوع من التصادم ما بين من يريد البقاء في حلقة العادات العشائرية والراغبين بالتحول نحو الحياة المدنية ومواكبة التطور الحاصل.

هذا التعارض تمكنت بعض الدول من مواكبته عبر فرض قانون يلتزم به الجميع، إضافة إلى إتاحة نوع من المرونة باتجاه تلك العادات والتقاليد العشائرية شريطة بقائها في المناطق الريفية أو البدوية مع ضمان عدم مخالفتها للقانون إما في المناطق المدنية فقانون وإرادة وأجهزة الدولة تسود وتطبق على جميع الافراد.

دور العشائر في الثورات أو الانتفاضات العراقية

في العراق لعبت العشائر دوراً ريادياً وعلى مختلف الأزمنة سواء في الثورات أو الانتفاضات أو ترسيخ الامن ببعض المناطق ومساعدة الدولة في كشف بعض المؤامرات أو بما يتعلق بتسليم بعض المطلوبين، لكن هناك معادلة معروفة للجميع “عندما تضعف منظومة الدولة تقوي معها منظومة العشيرة والعكس صحيح” وعلى مر تاريخ العراق المعاصر سارت هذه المعادلة باستثناء بعض الحالات والتي تلجأ الدولة فيها للعشيرة لكسب تأييدها لا سيما عند ظهور مخاطر تهدد ربما النظام الحاكم من أطراف سياسية معارضة أو متظاهرين من عامية الشعب، وفي المقابل تلعب بعض العشائر دورًا قياديًا أو مساندًا للثورة ضد بعض الحكام.

دور العشائر في الثورات أو الانتفاضات العراقية

يضيف العبادي اتجه الكثير من المواطنين للعشيرة بقصد الحصول على حماية في ظل عدم استطاعة الدولة توفير الحماية، والغريب بالموضوع أن بعض الكوادر المثقفة قد لجئت للعشيرة لأخذ حقوقها وربما هذا نتاج طبيعي لضعف منظومة الدولة وغياب القانون، لكن المشكلة الاكبر بأن العادات والسلوكيات العشائرية قد انتقلت للمدن ووصل الحال أن بعض المدن تحولت إلى عشيرة مصغرة تمارس ما كانت تمارسه العشائر في الأرياف أو القرى النائية، وإن بعض الوزارات أو المؤسسات أصبحت ملكاً لعشيرة بعينها تبعاً لرئيس أو مسؤول تلك المؤسسة أو الوزير ابن تلك العشيرة فما كان منه الا تحويل دائرته او وزارته لصالح عشيرته والسبب إما انتخابي لكسب أصواتهم أو للحصول على تأييدهم وقمع معارضيه، كما وصل الحال إلى ” إن العشيرة تقاضي الدولة وهذه الحالة قد حدثت كثيراً.

فبماذا نفسر إقدام عشيرة على محاسبة قاضياً لأنه حكم على أحد أفرادها بالسجن لارتكابه مخالفة معينة؟ أو كيف تسيطر عشيرة بقوة السلاح على دائرة معينة لاعتقال شخص ما؟ ووصل الحال لحد السيطرة على مركز للشرطة! وإطلاق سراح من هم محسوبين عليها أو قيام عشيرة ما بأخذ الدية (الفصل العشائري) من طبيب بتهمة تسببه بوفاة أحد أفرادها في حين الوفاة طبيعية مما يضطر هذا الطبيب إما لدفع تلك الدية أو الهجرة والهرب.

مشكلة الاقتتال بين بعض العشائر

أما مشكلة الاقتتال ما بين بعض العشائر فحدث بلا حرج حتى وصل الأمر لحد استعمال أسلحة ثقيلة ومتوسطة وهذه مخاطر وكارثة أمنية واجتماعية كما أنها تؤدي لترهيب عوائل آمنة ومقتل أناس ليس لهم علاقة بأطراف النزاع أو قطع طرق عامة ورئيسية والحجة البحث عن منتمين للعشيرة المعادية مع العلم هم ليسوا من المسببين أو لا توجد لهم انتماءات عشائرية سوى ذنبهم لقبهم العشائري في هوية الأحوال المدنية، فيما أصبح مشهداً مألوفا على أوجه بعض الدور والمنازل والمحلات عبارة “مطلوب عشائرياً لا يباع ولا يشترى العقار” أو تهديم منازل أو تهجير عوائل أو انتشار مسلحين بمنطقة معينة أو اشتباكات لعدة أيام بين عشيرتين.

أسباب الاقتتال والخلاف بين العشائر بالعراق

 

أسباب الاقتتال والخلاف بين العشائر بالعراق

يرجع العبادي أسباب هذا الاقتتال وهذه الفوضى فهي متعددة منها:

1- الفوضى السياسية والأمنية وعلى مختلف المستويات ابتداء من أعلى إلى أدنى سلطة وإلا ما معنى أن يلجأ نواب أو وزراء للعشيرة لمحاسبة وأخذ فصل من زملاء لهم بتهمة التشهير أو الإساءة اللفظية في حين هم الأقرب لفهم دور وواجب القضاء.

2- ضعف تطبيق القانون وضعف القائمين عليه أو تخوفهم فيما وصل الحال عند تدخل أفراد الجيش أو الشرطة لاعتقال مطلوبين بتهم مختلفة تقوم عشائر هؤلاء المعتقلين بمحاسبة المنتسبين الأمنيين مما ولد حالة تخوف من تكرار الحالة.

3- مغازلة بعض المسؤولين لتلك العشائر غير المنضبطة وذلك لمكاسب انتخابية يلجأ إليها عند ترشحه للانتخابات بل ويغطي على سلوكياتهم.

4- غياب الوعي والتوعية لبعض السلوكيات العشائرية المسيئة للمجتمع برمته لا سيما بمراكز المدن.

5- تدفق الأسلحة بمختلف أنواعها للسوق السوداء عبر جهات عدة وبالتالي تدفقها إلى أشخاص أو عشائر بأكملها، إضافة إلى تسليح بعض العشائر لأسباب عدة وأهمها مقاتلة الإرهاب فيما بعضها يذهب إلى الأيادي الخطأ أو للنزاع مع عشائر أخرى.

ويؤكد الباحث بمركز الدراسات الاستراتيجية بجامعة كربلاء بقوله نحن هنا لسنا بصدد انتقاد منظومة العشيرة وإنما انتقاد بعضاً من ممارسات تلك العشائر لا سيما ما يتعلق منها بخرق القانون ومحاولة كسر هيبة الدولة والتناحر والقتال وتخريب مؤسسات الدولة في حين نحن بأمس الحاجة إلى أن توجه تلك الفوهات نحو التنظيمات الإرهابية وليس ترويع أناس مدنيين لا ذنب لهم، من جانب آخر متى ينتبه صانع القرار لخطورة الموقف لإيجاد حلول لتلك النزاعات عبر فرض القانون على الجميع واعتقال المسيئين أيًا كان انتمائهم ومحاسبة من يتقاعس عن تأدية واجبه وحماية من يطبق القانون، فالدولة تملك جيشاً وقانوناً وأجهزة متكاملة بإمكانها أن تردع غير المنضبطين، لذلك لا بد من وضع بعض التوصيات لعلها تصل إلى أذهان من هو على مستوى المسؤولية ومن جملة هذه التوصيات التالي:

1- فرض القانون بما يتلاءم مع حفظ الأمن والأمان ولجميع المواطنين وردع المتجاوزين أيًا كانت انتمائهم.

2- القيام بحملات أمنية تهدف للبحث عن الأسلحة لا سيما الثقيلة منها وفي مختلف مناطق النزاع العشائري لا سيما مدن جنوب العراق ومحاسبة حائزيها.

3- محاسبة من يستغل اسم العشيرة لفرض إرادته أو تهديد الأخر وسواء كان مسؤولاَ أم مواطنا عاديا.

4- العمل على تقوية الأجهزة الأمنية ونشر قوات مركزية متخصصة في إنهاء النزاع العشائري واعتقال المتسببين به.

5- تضافر جهود رجال الدين في تحريم هكذا سلوكيات عشائرية والقيام بجولات ميدانية لتوعية الناس فضلاً عن الجهود الثقافية الاجتماعية التوعوية.

إن الموضوع في غاية الخطورة وقد يتفاقم أكثر في مرحلة ما بعد داعش وربما ينتقل للمناطق المحررة مع غياب القانون وسيادة الثأر بعد تورط بعضا من أبناء عشائر تلك المناطق إبان سيطرة التنظيم والتحاقهم به كما ظهرت بعضا من حالات الانتقام العشوائي في المناطق المحررة، لذلك لا بد من وضع الخطط المناسبة لإيقاف مثل هذا التدهور الخطير.

انتهت دراسة الباحث لكن بقى أن نؤكد أن نظام العشائر والقبائل إذا سادوا في دولة أفسدوها وأضعفوها فلا شك أن للقبائل والعشائر فضائل في تمتعهم ببعض الصفات، مثل: الكرم والشجاعة لكن حينما تتجه العشائر للحصول على حقوقها إذا كان لها حقوق متجاهلة سلطة القانون مستغلة ضعف الدولة.. عندئذ تسود شريعة الغاب.. لذلك يجب أن تكون قبضة الدولة قوية لمنع استقواء العشائر وإنفاذ قوة القانون وإلا تصبح الحياة غابة في ظل ضعف الدولة وغياب القانون.

 

لمزيد من الأخبار زوروا موقعنا: الوسط العربي

زر الذهاب إلى الأعلى