شخصيات عربيةعاجل

وديع حداد.. مدرسة متفردة في نكران الذات.. وصفته إسرائيل بالإرهابي المتمرس

 

كتبت: نجوى إبراهيم

وديع حداد، أذكى شخصية فلسطينية كما وصفه الفدائيون أصدقائه، الوفاء والصدق والتضحية والشجاعة، أبرز سماته عرف بعدة أسماء حركية كالخال، أبو هانى تميز بالبعد عن الظهور في وسائل الإعلام وكان يتمتع بالحرص الشديد على الالتزام بمبدأ السرية فى العمل لأقصى درجة، كان بارعا في فنون التخفي، تميز بالتخطيط والتنظيم الدقيق لكل العمليات الفدائية التى قام بها.

كان قائدا لجناح العمليات الخارجية الذي دوّخ العالم بالعمليات الخاصة مثل عملية مطار اللد في سنة 1972، وعملية اقتحام مؤتمر منظمة أوبيك في فيينا سنة 1975.

كان أستاذا في فن العمليات الخاصة، ومعلم فذ لجيل كامل من المناضلين الأمميين، الذي رأوا في العنف الثوري طريقًا للتحرر من الرأسمالية والاستعمار، وكان ملهماً لحركات سياسية كثيرة اعتنقت مبادئ العنف الثوري في مواجهة الاستبداد وعنف السلطات.

التخطيط لخطف الطائرات 

خلال عمله فى التنظيم الخارجى قاد خلايا تنشط فى مختلف أنحاء العالم وكان وراء عمليات خطف الطائرات الشهيرة، ووصفته إسرائيل بالإرهابي المتمرس ومتعدد المواهب، اتهمته هو والمناضلة “ليلى خالد “بخطف طائرة تابعة لشركة الطيران الإسرائيلية “ال- عال” عام 1968، ولم يفرج عن الرهائن إلا بعد خضوع الحكومة الإسرائيلية لشرطه بالإفراج عن أسرى فلسطينيين.

وديع حدَاد
وديع حدَاد

اتهمه الموساد بالمسؤولية عن إنشاء علاقات بين التنظيمات الفلسطينية ومنظمات إرهابية عالمية، حيث دعا أفرادها للتدرب في لبنان، وكانت إحدى نتائجها قيام “الجيش الأحمر الياباني” بمذبحة في مطار بنغوريون (تل أبيب) عام 1972.

ترك وديع حداد الجبهة الشعبية بعد الحملة عليه من قبل القيادي أحمد اليماني المعروف ب”أبو ماهر”، والذى تبين فيما بعد أنه يعمل مع الموساد على حد قول هيلدا حبش زوجة الزعيم “جورج حبش” أدى هذا الأمر إلى خروج الشهيد وديع حداد من صفوف الجبهةالشعبية، إلا أن المؤتمر الوطني الخامس للجبهة أعاد الاعتبار التنظيمي له باعتباره “رمزاً وطنياً وفلسطينياً”.

كانت أفكار المقاومة والدفاع المسلح من أبرز مبادئ الجبهة الشعبية، فأسّست لجنة أُطلق عليها اسم العمليات الخارجية وأُسندت رئاستها لوديع حداد، ورفع وديع حداد شعارا يحمل رؤيته ويفسر طريقه في النضال وهو: “وراء العدو في كل مكان، لم يكن وديع حداد يستهدف إسرائيل فحسب وإنما مصالح إسرائيل في كل مكان، فكان هدفه من لجنة العمليات الخارجية أن تكون اليد الضاربة الثورية للجبهة ضد مصالح وأهداف إسرائيلية أو غربية حليفة لها، في كل أنحاء العالم وليس فقط على أرض فلسطين المحتلة.

كانت لجنة العمليات الخارجية تريد لفت الانتباه نحو الفلسطينيين ومخاطبة الرأي العام فتبنى خطة للهجوم من كل مكان، وتركزت أعمال لجنة العمليات الخارجية على خطف الطائرات ومهاجمة مطارات إسرائيلية وتفجير أنابيب نفط لشركات غربية ومهاجمة شخصيات صهيونية داعمة للكيان الصهيوني مالياً. 

وكانت أبرز العمليات التى قام بها هذه اللجنة والتى هزت كيان إسرائيل هي عمليات خطف الطائرات ففي عام 1968 قام أعضاء من التنظيم بخطف طائرة تابعة للكيان الصهيوني قادمة من لندن وتحويل وجهتها نحو الجزائر، وتوالت عمليات اختطاف الطائرات بعد ذلك.

وفي 22 فبراير 1972 خطفت عناصر تابعة لوديع حداد طائرة ألمانية في رحلة قادمة من نيودلهي ووجهتها نحو عدن، فدفعت عنها ألمانيا فدية بلغت خمسة ملايين دولار.

كَثُرَ الخصوم والأعداء للجناح الخارجي وأصبح قائده “حداد” على قائمة المطلوبين للشرطة الدولية (الإنتربول)، فعقدت الجبهة الشعبية مؤتمرها الثاني وجمّدت عضويته، ليتم فصله نهائيا في عام 1973.

احتجاز وزراء أوبك

وفي 21 ديسمبر 1975 قامت مجموعة من المجال الخارجي بقيادة الفنزويلي كارلوس باحتجاز وزراء أوبك (منظّمة عالمية تضم 11 دولة تعتمد على صادراتها النفطية اعتمادا كبيرا لتحقيق مدخولها) أثناء اجتماعهم في فيينا وخطفهم في طائرة خاصة، وفرض على كل دولة أن تدفع فدية للفلسطينيين مقابل الإفراج عن وزيرها، كان حداد وراء هذه العملية لاعتقاده أن دول النفط شريك في مناصرة المحتل اليهودي.

استطاع حداد هز كيان اسرائيل بفضل هذه العمليات التى أدت إلى احياء القضية الفلسطينية من جديد، حيث لفتت أنظار العالم ونجحت بعض العمليات في المقايضة لتحرير مناضليين فلسطينيين تلقّوا أحكاماً قاسية جداً من سجون الاحتلال.

ثائر أم إرهابي 

يقول بسام أبو شريف في كتابه “وديع حداد ثائر أم إرهابي “أن هذه العمليات الخارجية انطلقت من تحليل بسيط تبنّته وأعلنته الجبهة الشعبية، مفاده أن العدو الإسرائيلي ذو طبيعة خاصة، يستمد شرايين حياته من دعم قوى غربية استعمارية ساهمت في تحقيق مشروعه ماضياً وحاضراً بوصفه رأس حربتها بالوكالة، وعليه، فإن ضرب هذه الشرايين والمصالح هو هدف شرعي تجاه عدو بدأت أياديه الطويلة تتجاوز حدود فلسطين، لتفرض هيمنتها وأجندتها الاستعمارية على المنطقة العربية بأسرها وضد حركة التحرر العربي بأسرها..كانت هذه العمليات سببا فى جعل وديع حداد على قائمة الاغتيالات الإسرائيلية.

اغتيال حداد

توفى حداد في 28 مارس عام 1978 في ألمانيا الشرقية ,وتضاربت الروايات حول سبب وفاته، خاصة أن القائد الشهيد “نضال حداد “لم يكن من محبى الظهور الإعلامي، فقد كان يتحرك ضمن دائرة أمنية ضيقة يصعب اختراقها، وكان موته قضية يلفها الكثير من الغموض والملابسات التي ما زالت تتضارب حولها الأنباء, حيث أشيع أنه توفي بمرض سرطان الدم، لكن “إسرائيل” اعترفت مؤخراً وعن طريق أحد ضباط مخابراتها، أهارون كلاين، الذي كتب جزءاً من حياته الاستخبارية في كتاب بعنوان “حساب مفتوح” أنها اغتالته بدس السم له في الشوكولاته عن طريق عميل عراقي كان يشغل منصب رفيع المستوى.

ونقلت يديعوت أحرونوت عن المؤلف أن أسرئيل قررت تصفية حداد بداعي تدبيره اختطاف طائرة “إيرفرانس “كانت فى طريقها من باريس إلى تل أبيب إلى عنتيبى أوغندا عام 1976

وأضاف أن الموساد علم بشغف حداد بالشوكولاتة البلجيكية التي كان من الصعب الحصولعليها آنذاك في بغداد مقر إقامته فقام خبراء الموساد بإدخال مادة سامة بيولوجية تعمل ببطء إلى كمية من الشوكولاتة البلجيكية، أرسلوها إلى حداد بواسطة عميل عراقي رفيع المستوى لدى عودة هذا العميل من أوروبا إلى العراقهذه المادة ظهر أثرها بعد أسابيع من تناول الشوكولاته , وذكر الكاتب فى كتابه “حساب مفتوح” إلى أن هذه أول عملية تصفية بيولوجية نفذتها إسرائيل. وتابع أن إسرائيل اتهمت حداد “الإرهابي المتمرس ومتعدد المواهب” وزاد أن الموساد رأى في عملية التصفية هذه تجسيداً لنظرية «التصفية الوقائية» أو تصفية قنبلة موقوتة تمثلت بـ «دماغ خلاّق لم يتوقف عن التخطيط للعملية المقبلة”.

هناك رواية أخرى أكثر شهرة للقيادي السابق في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بسام أبو شريف الذي يقول، إن وديع حداد هو من أخبره بهذه الرواية، حيث كان مدعوّاً للعشاء في منزل أحد قيادات حزب البعث العراقي ببغداد، وكان العشاء في الحديقة، وكان المدعوون من الأصدقاء.

وبعد تناول العشاء جاء النادل بالقهوة وقام بإعطاء كل شخص فنجان القهوة بيده ولم يُسمح لهم بأخذها، وحينها شعر حداد بالإعياء والرغبة في التقيؤ، وقبل دخوله إلى المنزل كان قد تقيأ في الحديقة حسب الرواية.

ولم تظهر الأعراض على حداد مباشرة لكن صحته كانت غير مستقرة، حتى اشتدّ عليه المرض وتم نقله إلى الجزائر لتلقي العلاج فيها، لكن الحالة لم تستقر ووصل الأطباء إلى مرحلة اليأس من شفائه، ثم نصحوا بنقله إلى ألمانيا للعلاج حيث فارق الحياة هناك عام 1978.

وهناك شهادات أخرى تفيد بأنه كان مريض سرطان ..وبين المعلومات والتحليلات، تبقى حقيقة غياب قائد العمليات الخارجية تفتقر للحقائق وتعتمد على التأويلات.

كان وديع حداد إنسانا ثوريًا فريدًا، حلم بحرية وطنة، عاش حياته يجاهد من أجل تحقيق هذا الهدف، ولهذا بكته فلسطين والعالم العرب أجمع، استطاع أن يتخطى الحدود بموته الكبير دون إذن أو موافقة بوليسية، بكته زوجته كثيرا وحزن عليه رفاقه في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، لأنهم خسروا قائداً كان مدرسة في نكران الذات، وتذكره رفاقة في “حركة القوميين العرب” -رحم الله المناضل الشهيد-.

 

 

لمزيد من الأخبار زوروا موقعنا: الوسط العربي وللتواصل الاجتماعي تابعنا على فيسبوك الوسط العربي

زر الذهاب إلى الأعلى