إبداعات عربيةعاجل

رسائل هيمنجواي في طبعة عربية بالقاهرة.. سيرة حية لعلاقاته بأفراد أسرته وكبار كتاب عصره والحروب التي شارك فيها

 

كتب: أحمد عبد الحافظ

في الثاني من أكتوبر قبل الماضي انتهى الشاعر المصري عبد المقصود عبد الكريم من ترجمة رسائل الروائي الأمريكي الشهير إرنست هيمنجواي، سوف تصدر قريبا في مجلدين عن دار آفاق المصرية، اعتمد فيها المترجم على نسخة حققها الروائي والناقد الأمريكي كاروس بيكر، وصدرت سنة 1981 بعنوان “إرنست هيمنجواي، رسائل مختارة، 1917-1961”. وقد اشتهر بيكر (1909-1987) بسيرة كتبها عن هيمنجواي، وأخرى عن الشاعر الإنجليزي شيلي. وتبدأ هذه المجموعة من الرسائل في أغسطس 1917 بعد إتمام هيمنجواي الدراسة الثانوية. وتنتهي قبل وفاته بأيام.

الشاعر المصري عبد المقصود عبد الكريم
الشاعر المصري عبد المقصود عبد الكريم

نشأته وتعليمه

في أوك بارك، في ولاية إلينوي، ولد إرنست هيمنجواي في 21 يوليو 1899، وعاش سنواته الأولى حتى إنهاء الدراسة في المرحلة الثانوية. وهو الابن الثاني للدكتور كليرنس إدمونز هيمنجواي (1871-1928)، كانت أمه جريس هول هيمنجواي (1872-1951)، مغنية أوبرا ومعلمة موسيقى ورسامة. وبعد حياة حافلة جاب فيها قارات العالم ومارس فيها أنشطة عديدة بالإضافة إلى الكتابة وتعرض لحوادث كثيرة كان يمكن أن تنهي حياته في أي لحظة، تدهورت صحته في النهاية ودخل المستشفى عدة مرات، وكانت المرة الأخيرة في مستشفى سانت ماري، “وبرغم أنه بدا لأطبائه في حالة تسمح له بالخروج من المستشفى، مات بيده بعد أقل من ثلاثة أسابيع من رسالته الأخيرة في هذا الكتاب إلى فريتز (رسالة رقم 581).

غادر، بصحبة زوجته ماري وهي الرابعة والأخيرة، روتشستر في 26 يونيو 1961 في سيارة مستأجرة يقودها صديقه القديم جورج براون من نيويورك. وصلوا مدينة كيتشوم يوم الجمعة 30 يونيو. وفي صباح اليوم التالي اصطحب براون صاحبه هيمنجواي إلى عيادة مولي سكوت في صن فالي للتشاور مع الدكتور جورج سافيرز الذي أحضر ابنه فريتز في زيارة قصيرة لهيمنجواي في عصر ذلك اليوم. في مساء السبت تناول هيمنجواي وماري وجورج براون العشاء في أحد مطاعم كيتشوم وانصرفوا مبكرًا.

وفي صباح يوم الأحد استيقظ هيمنجواي قبل السابعة، وفتح مخزن البدروم، واختار بندقية بماسورة مزدوجة من على الرف، وحملها إلى الدور العلوي إلى الردهة الأمامية، ووضع في البندقية خرطوشتين، ثم ثبت مؤخرة البندقية على الأرض، وضغط بجبهته على الماسورتين وفجر رأسه بالكامل. كان ذلك في 2 يوليو تموز 1961. ودفن في مقبرة كيتشوم بعد انتحاره بثلاثة أيام. وكان خبره قد انتشر في هذه الأثناء في كل أرجاء الدنيا، لتنتهي حياة أحد أكبر الكتاب في القرن العشرين. وتبقى أعماله حية وتشغل حياته صفحات أكثر كل يوم في تاريخ الأدب.

رسائل هيمنجواي سيرة لحياته 

وتمثل الرسائل، التي جمعها بيكر من مكتبات جامعية ومؤسسات بحثية، سيرة حية لحياة هيمنجواي يذكر فيها بالتفصيل. ما تواتر عليه من أحداث بين يومي 21 يوليو تموز 1899 والثاني من الشهر نفسه بعد اثنين وستين عاما، وقد عاش حياة حافلة، بكل معنى الكلمة. كان هيمنجواي حسب ما كتبه عبد الكريم في مقدمة الترجمة التي تصدر في مجلدين عن دار آفاق المصرية كاتبا متعدد الهوايات ودائم التنقل والترحال، وأقل ما يمكن أن يوصف به أنه كان يتمتع بروح المغامرة.

ويحكي هيمنجواي، الذي حصد جائزة نوبل عام 1954، في رسائله عن جده لأبيه وجده لأمه، وعلاقته بوالده وسوء علاقته بوالدته، ويكتب عن أخواته الأربعة وأخيه الصغير. وعلاقة الحب التي ربطته مع ممرضته، أجنيس فون كوروفسكي، أثناء فترة علاجه في إيطاليا. ويتحدث صاحب رواية “العجوز والبحر” عن زوجاته الأربع وعلاقته بهن قبل الزواج وفي أثناء الزواج وبعد الزواج. وعن أبنائه الثلاثة، الأول من زوجته الأولى هادلي، والثاني والثالث من زوجته الثانية بولين. فضلا عن علاقاته الاجتماعية بشخصيات تتنوع اهتماماتها بقدر تنوع اهتمامه.

وفي ترجمته قام عبد الكريم بترقيم الرسائل لسهولة الرجوع إليها، وفصل السنوات. وحاول في الترجمة إعادة شكل الرسائل إلى الصورة التي كتبها بها هيمنجواي بحذف كل ما قام محقق النسخة الإنجليزية بحشوه في المتن، لكنه استعان ببعضه في الهوامش عند الضرورة، مع إشارة إلى أنها لبيكر محقق النسخة التي اعتمد عليها في الترجمة. وقد زود الترجمة بالكثير من الهوامش، كان بعضها مشتركًا بينه وبين المحرر.

علاقته بكتاب عصره

وتغطي الرسائل جانبا من علاقات هيمنجواي بالكتاب من أبناء عصره وصداقته معهم وموقفه من أعمالهم. ويمثلون حشدا هائلا من الكتاب، منهم جرترود شتاين، وسكوت فيتزجيرالد وأرشيبالد ماكليش، وإزرا باوند، وجيمس جويس وبابلو بيكاسو، ودوس باسوس، وموقفه منهم في مراحل مختلفة من حياته.

هيمنجواي
هيمنجواي

ولا يغفل هيمنجواي في رسائله الحديث عن المحررين الذين تعامل معهم، سواء محرري الصحف والمجلات أو محرري دور النشر، وأصحاب دور النشر، وخاصة ماكسويل بركينز محرر دار أبناء تشارلز سكريبنر، وتشارلز سكريبنر الأب، وتشارلز سكريبنر الابن. كما تحدث عن بعض القادة العسكريين الذي عمل معهم وتوطدت علاقته بهم.

مشاركته بالحروب 

وفي رسائله يكتب هيمنجواي عن اشتراكه في عدد من الحروب التي نشبت في حياته. بدأها بالاشتراك في الحرب العالمية الأولى وهو لا يزال في التاسعة عشرة، وتعرض لحادث كاد ينهي حياته. وبعد ذلك اشترك في الحرب الإسبانية من بداياتها تقريبًا حتى نهايتها. وكانت آخر تلك الحروب التي عاشها بكل وجدانه الحرب العالمية الثانية، وخاصة في العمليات التي جرت على الأرض الفرنسية لتحريرها من الألمان.

ويستعرض هيمنجواي تفاصيل عن حياته في إيطاليا نهاية الحرب العالمية الأولى والسنوات التي قضاها في باريس. وجولاته في كل أرجاء أوروبا، والفترة التي قضاها في كندا، وحياته في كوبا، ورحلته إلى الصين، وجولاته إلى أفريقيا، ولعه بصيد السمك والطيور والحيوانات، والتزلج والملاكمة ومصارعة الثيران.

كما تحدث بالطبع عن طريقته في كتابة أعماله التي بقيت لنا، والمراحل التي مر بها كل عمل قصصي أو روائي قدمه لقرائه.

مشروع نشر طبعة محققة من رسائل هيمنجواي بدأته مطبعة جامعة كمبردج بدعم وتعاون من باتريك هيمنجواي (1928-)، ويقدر عدد الرسائل بحوالي ستة آلاف رسالة، وينتظر إصدارها في سبعة عشر مجلدًا. انطلق المشروع في سنة 2011 بإصدار المجلد الأول (1907-1922)، أي أنه يبدأ برسائل كتبها هيمنجواي وهو في السابعة أو الثامنة من عمره تقريبًا. وصدر المجلد الثاني (1923-1925) في أكتوبر 2013، والمجلد الثالث (1926-أبريل 1929) في أكتوبر 2015، والمجلد الرابع (أبريل 1929-1931) في نوفمبر 2017. وينتظر صدور المجلد الخامس (1932-مايو 1934) في خريف 2019. ويقع المقر الرئيسي للمشروع في جامعة ولاية بنسلفانيا. كانت الرسائل متناثرة على نطاق واسع، ولم يكن من المعتاد أن يحتفظ هيمنجواي بنسخ منها، ويقول المسئولون عن المشروع إنهم جمعوها من أكثر من 250 مصدرًا داخل الولايات المتحدة وخارجها، من المكتبات والتجار وهواة جمع التحف ومراسلي هيمنجواي وذريتهم. وتوجد أكبر مجموعة، حوالي 2500 رسالة، في مكتبة الرئيس جون ف. كيندي.

وتجدر الإشارة إلى أن هيمنجواي نفسه أوصى بعدم نشر هذه الرسائل، وكتب في رسالة قبل وفاته بثلاث سنوات إلى القائمين على تنفيذ وصيته: “أتمنى ألا تنشر هذه الرسائل التي كتبتها في حياتي. وبناء عليه أطلب منكم عدم نشر أي من هذه الرسائل أو الموافقة على نشرها”.

ويذكر بيكر أن هيمنجواي كان لا يهتم كثيرًا برسائله وكان يعتقد أن أفضل الكُتَّاب يكتبون أسوأ الرسائل. كان يولي الاهتمام الأكبر بإنتاجه الإبداعي، وكان يقول إنه إذا كتب في أي وقت رسالة جيدة فهذا يعني أنه لا يعمل.

يستعيد عبد الكريم حديث بيكر ليشير إلى أن الشيطان يكمن فيما يذكره عن هيمنجواي ورأيه فيما يكتب من رسائل، ويقول تعرفْتُ مع رسائل هيمنجواي، وخاصة رسائله المبكرة، على لغة جديدة. ففيها تمثل الألقاب التي يطلقها على أصدقائه وأخواته وزوجاته وأبنائه متاهة يجب الانتباه إليها جيدًا ليعرف المرء عمن يتحدث هيمنجواي أو من يخاطب. وهناك مشكلة أخرى تتمثل في كتابة بعض الكلمات، بالإضافة إلى بعض الأخطاء التي يشير هو نفسه إليها في كتابة بعض الكلمات، وخاصة الأسماء غير الإنجليزية سواء كانت أسماء أشخاص أو أماكن. بالإضافة إلى كتابة أسماء بعض الأشخاص خطأ على سبيل السخرية منهم، وهي أمور قد تبدو بسيطة أو متوقعة في رسائل لكنها تمثل صعوبة كبيرة في الترجمة. وأخيرًا إهمال علامات الترقيم في مواضع كثيرة مما يجعل المعنى ملتبسًا في كثير من الأحيان.

 

لمزيد من الأخبار زوروا موقعنا: الوسط العربي وللتواصل الاجتماعي تابعنا على فيسبوك الوسط العربي

زر الذهاب إلى الأعلى