حرب البحر الأحمر.. فشل التحالف الدولي وغموض المستقبل

تقرير: علي عبد الجواد
مؤشرات عدة ظهرت خلال الأيام القليلة الماضية تعلن فشل التحالف الدولي في البحر الأحمر في تحقيق ردع حقيقي للهجمات الحوثية التي لم تتوقف أو تتراجع بل على العكس قد زادت حدتها ونوعيتها واستهدفت مدمرات وسُفن أمريكية وأطلقت 37 مُسيرة في أكبر هجوم حوثي ضد الولايات المتحدة منذ نشوب الحرب يناير الماضي، وهو ما بات يعني أن الإجابة عن سؤال متى تتوقف الحرب في البحر الأحمر في يد الحوثي بالأساس.
ملامح المشهد في البحر الأحمر:
توحي مؤشرات الحرب خلال الأسبوع الأخير بمدى اتساع الاستهداف الحوثي للسفن في البحر الأحمر وقوته وتناميه، وهو ما يعبر ليس عن الإصرار الحوثي على الاستمرار فحسب، بل على حصول الجماعة على مزيد من الدعم الإيراني وتمكنها من تعزيز قوتها العسكرية بمرور الوقت.

وفي هذا الإطار، صرح مسؤولون في الجيش الأمريكي ووزارة الدفاع بأن الردع الأمريكي في البحر الأحمر لم يتحقق، بل أصبحت المؤشرات طبقاً للتحليلات والتقارير الدولية تصب في مصلحة الحوثي الذي أرهق الولايات المتحدة بخسائر عسكرية وحرب استنزاف بينما لم يقع في صفوفه أي خسائر بخلاف الهجمات الأخيرة مساء الإثنين التي أسقطت 11 عشر قتيلاً طبقاً للتقارير الدولية بينما لم يعلن الحوثي عن أي خسائر حتى الآن.
وفي السياق، صرحت القيادات الحوثية منذ أيام بأن الحرب في البحر الأحمر قد تستمر، حتى لو توقف الحصار على غزة، وذلك نتيجة العدوان الأمريكي على اليمن، وهو ما يعني بأن الجماعة قد تستخدم ورقة تعطيل الملاحة مراراً وتكراراً لأسباب أخرى باعتبارها ورقة أثبتت قوة تأثيرها ومدى فعاليتها في الترويج للجماعة إقليمياً ودولياً.
المكاسب الحوثية من الحرب:
يمكن إجمال ما حققته الجماعة الحوثية من خلال حربها في البحر الأحمر من نتائج في النقاط التالية:
• تحقيق نفوذ إقليمي ودولي مُتنامي عبر إحكام سيطرتها على أحد أهم الممرات البحرية التجارية في العالم.
• توفير غطاء من الشرعية للجماعة التي جاءت للسلطة على مطية الانقلاب وارتكبت في حق الشعب اليمني انتهاكات ضخمة.

• حصول الجماعة على مزيد من التسليح والدعم الإيراني باعتبارها باتت الورقة الرابحة والذراع الأكثر تأثيراً في الحرب بالوكالة فيما بين إيران والولايات المتحدة.
• تعزيز شعبية الجماعة كأحد أهم قوى المقاومة الداعمة لغزة ضد العدوان الإسرائيلي.
• رفع أسهم الجماعة على طاولة المفاوضات الجارية في المملكة لتصبح أهم الأطراف اليمنية وأقواها ومن ثم حصولها على مكاسب أكبر في التسوية السياسية المُرتقبة.
المكاسب الأمريكية من الحرب:
ومن ناحية أخرى، وعلى مستوى التدخل الدولي، يمكن الإشارة إلى ما حققته أمريكا من مكاسب خلال هذه الحرب المستمرة في النقاط التالية:
• تعزيز التواجد العسكري البحري الأمريكي في البحر الأحمر ومن ثم السيطرة على ممر ملاحي هام.

• التغطية على الجرائم الإسرائيلية في غزة عبر جذب أنظار العالم نحو حرب عبثية في البحر الأحمر لا تؤثر بأي شكل من الأشكال على وقف المجزرة في قطاع غزة.
• تقويض التواجد البحري الصيني والسيطرة على طريق رئيسي للتجارة الصينية مع أوروبا وأفريقيا من جانب الولايات المتحدة.
• خفض التوتر والخلاف فيما بين الولايات المتحدة وحلفاءها الأوروبيين عبر التكتل في مواجهة الحوثي، بعد أن تسببت مسألة الدعم الأمريكي اللامحدود للمجازر الإسرائيلية في انقسامات بين الولايات المتحدة وبعض دول أوروبا.
استنتاجات
بات الحوثيون بعد حرب البحر الأحمر فاعل رئيسي إقليمياً ودولياً يتحكم عبر باب المندب في الملاحة الدولية وإيرادات قناة السويس، والسياحة في المُدن المشاطئة للبحر الأحمر، بل وأصبح يشكل خطرا مؤثرا في التلوث البيئي البحري، ويمثل تهديد دائم لكابلات الانترنت البحرية، وهي كلها أوراق رابحة في جعل الحوثي قوة لا يُستهان بها ولا يمكن هزيمتها.
يمثل تزايد النفوذ الحوثي خطر مؤثر على كافة الأطراف الإقليمية، بل والدولية، ولم يعد وجوده يشكل ورقة رابحة لأي طرف في المعادلة الشرق أوسطية بخلاف إيران وأذرعها.
تبدو الولايات المتحدة متصالحة مع قواعد الاشتباك في البحر الأحمر وغير راغبة في تغيير قواعد الاشتباك، إذ تمكنت عبر تشكيل تحالفها من السيطرة بشكل أعمق على الممر الدولي وتحجيم النفوذ الصيني فيه، وخففت عبر محاربتها للحوثيين من عزلتها الدولية نتيجة دعمها اللامحدود لإسرائيل عبر التظاهر بحماية ممرات الملاحة الدولية من المليشيات الإرهابية.
أظهرت حرب البحر الأحمر فشل آلية الحرب البحرية والغارات الجوية في تقويض سلطة الجماعة، وهو ما يفتح الباب أمام خيارات الحرب البرية التي لا يرغب أي من الأطراف في التورط فيها في الوقت الحالي، وهو ما يعني استمرار الخطر الحوثي وتناميه في المُستقبل القريب.
يسهم تراجع رغبة المملكة في الانغماس بملف اليمن، ونكوص الولايات المتحدة عن التورط في حرب إقليمية برية في الشرق الأوسط، كأهم عاملين يسهمان في تنامي النفوذ الحوثي في الأمد المنظور واستمرار قوة الحوثي مرتهن بتراجع المملكة أو الولايات المتحدة عن سياساتهما.
يظهر جلياً الرغبة الحوثية القوية في استمرار الحرب في البحر الأحمر، ليستمر وجود الجماعة في دائرة الضوء وقلب الاهتمام العالمي، بما يرفع من شعبية الجماعة ويُعزز مكانتها كفاعل إقليمي من الوزن الثقيل وهو ما لم يكن متوفراً للجماعة قبل السابع من أكتوبر.
لمزيد من الأخبار زوروا موقعنا: الوسط العربي وللتواصل الاجتماعي تابعنا على فيسبوك الوسط العربي
