العرب وافريقياعاجل

التيجراي وتفجير الأزمات في إثيوبيا

تقرير: إيهاب أحمد

التيجراي هم مجموعة إثنية تتمدد فوق المرتفعات من وسط إثيوبيا وغربها، حتى شمال إريتريا، ويعرفون بالـ”تجرينية” في البلدين نسبةً للغة التي يتحدثونها، وهي لغة سامية تتداخل مع اللغة العربية وتعود أصولها إلى اليمن، حيث إن التيجراي من أوائل الشعوب الإثيوبية ذات الأصل السامي، يرتبط تاريخ التيجراي بتأسيس مملكة أكسوم التي كانت العاصمة الأولى للحبشة، استقرت فيها الهجرات اليمنية القديمة، حيث استمرت المملكة لقرونٍ طويلة (80 ق م إلى عام 825 م) وبعد فقدانهم الحكم، أصبحوا مضطهدين ودخلوا في صراعات مع قومية.

الجدير بالذكر أن 95% من قومية التيجراي من المسيحيين الأرثوذكس، والطوائف المسيحية الأخرى (البروتستانتية والكاثوليكية) 1%، و4%مسلمين يُطلق عليهم “الجبرتة” ويوجد جزء منهم في إريتريا.

اسم “الجبرتة” ذاته يطلق أيضا على المسلمين الأمهرة، وهم مزيج من الأعراق والأجناس من خلفيات عدة، اعتبروا أنفسهم “أمة” واعترضوا على تصنيفهم تيجراي من جانب الحكومة الإريترية.

تأسيس “جبهة تحرير التيجراي”

بالرغم من تأسيس “جبهة تحرير التيجراي”  عام 1975 بعد عامٍ من انقلاب منجستو هيلا مريام، فقد  تمكنوا عبر إنشاء جبهة عريضة من مقاومي نظام منجستو، فقد تم  تشكيل “الجبهة الديمقراطية الثورية للشعوب الإثيوبية، التي تكونت من “المنظمة الديمقراطية لشعوب أرومو”، و”حركة الأمهرا الديمقراطية الوطنية”، و”الجبهة الديمقراطية الشعبية لجنوب إثيوبيا”، و”جبهة تحرير شعب التيجراي” يتزعم تيجراي إثيوبيا هذا التحالف الذي قام بقيادة مليس زيناوي، والجبهة الشعبية لتيحراي إريتريا بقيادة أسياس أفورقي. 

قد أسقطَ هذا التحالف عبر الزحف العسكري من الأطراف حكم منجستو هيلا ماريام عام 1991 و أثناء ذلك قررت “جبهة تحرير أرومو” الانسحاب من “ائتلاف الجبهة الديمقراطية الثورية للشعب الإثيوبي” في عام 1992، فتم طردها بعد محاولتها الفاشلة لتأكيد استقلالها عن “جبهة تحرير مورو” داخل التحالف عقب الاستيلاء على السلطة في أديس أبابا، أصبح التيجراي على الرغم من قلة عددهم، القومية المسيطرة على مفاصل السلطة والثروة في إثيوبيا حتى مجيء آبي أحمد.

آبي أحمد رئيس وزراء إثيوبيا
آبي أحمد رئيس وزراء إثيوبيا

بعد وصول رئيس الوزراء الإثيوبي الأسبق ميليس زيناوي إلى السلطة عام 1991 بعد الحرب مع إريتريا في الفترة بين (1998-2000)، عمل على ترسيخ سلطته بإضفاء الطابع المؤسسي على حكم الحزب الواحد لجبهة تحرير شعب التيغراي ودائرته المقربة منهم، بمشاركة النخب الإثنية الأخرى التي تم ضمها إلى التحالف الحاكم في ظل “الجبهة الديمقراطية الثورية للشعب الإثيوبي”.

تحديات بإثيويبا

تكمن أهم المشكلات المعقدة التي تواجهها إثيوبيا الآن في ذلك الصراع الذي تقوده “جبهة تحرير التيجراي” التي تكونت عام 1975، حيث كانت تدعو في ذلك الوقت إلى انفصال الإقليم وعاصمته مكلي، كانت متحالفة مع “الجبهة الشعبية لتحرير إريتريا” التي كانت تكافح من أجل استقلالها، حيث تحول التحالف إلى عداء  بين تيجراي إثيوبيا وإريتريا عقب استقلال إريتريا وترسيم الحدود بينهما وهو ما قسم التيجراي بين الدولتين، أدى إلى اندلاع نزاع حدودي بين التيجراي في الدولتين على منطقة “بادمي” الحدودية، وتحوّل إلى حربٍ في الفترة ما بين (1998- 2000) و مقتل عشرات الآلاف من الطرفين.

يذكر أن سوزان رايس طالبت بتعليمات من الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون من أفورقي الانسحاب من “بادمي” واللجوء إلى الوسائل السلمية والقانونية لحل النزاع، والذي رد عليها بقوله أنه “لن ينسحب من بادمي حتى لو أشرقت الشمس من الغرب”، وبعد ذلك انسحب مُرغماً حيث أطلق التيجراي على هذه المنطقة اسم “المشرق”.

سوزان رايس
سوزان رايس

فترة حكم التيجراي

كانت فترة حكم التيجراي فرض لسيطرتهم على القطاعات الاقتصادية الرئيسة ما نتج عنه كراهية عميقة بينهم وبين المجموعات الأخرى، حيث أشتعلت انتفاضة الأرومو عام 2016 احتجاجاً على الظلم المُمنهج من التيجراي.

انتفاضة الأرومو عام 2016
انتفاضة الأرومو عام 2016

تصاعدت حدة الصراعات في ظل عدم وجود مساحة سياسية للتحالفات بين الإثنيات على أسس مُشتركة، إذا ما قمنا بتحييد الاختلافات الإثنية والدينية وباعتلاء  آبي أحمد سدة السلطة، شعر التيجراي بزوال مجدهم، وبدأوا في التمرد بعد أن أقال أغلب قادتهم في الجيش الذين كانوا يهيمنون عليه بشدة، بينما كانت الرُتب الصغيرة للأرومو، كما سُجن بعض قياداتهم بتهم الفساد، وفرَّ على إثر هذه الملاحقات قيادات من القوات الجوية وغيرها من الفروع العسكرية الأخرى. 

أسباب تزايد هذه الاشتباكات

تكمن أسباب تزايد هذه الاشتباكات في  أن خريطة الصراعات الإثنية والدينية في إثيوبيا خريطة تحمل تعقيدات وتشابكات كثيرة، حيث ظلت التحالفات في هذه المنطقة المعقدة عرضة للتحولات حتى بين الأعداء فقد ناضل الأرومو و التيجراي تاريخياً ضد هيمنة الأمهرة المطلقة التي امتدت منذ عهد منليك الثاني حتى نهاية حكم هيلا سيلاسي عام 1974.

كما أن الصراع بين قومية الأرومو من جهة وقوميتي الأمهرة و التيجراي من جهةٍ أخرى، يتمحور في صورة صراعٍ إسلامي- مسيحي، على الرغم من الخلافات الناشبة بينهما وعلى الرغم من أن الأمهرة والتيجراي المسيحيتين تبادلتا حكم إثيوبيا منذ قرونٍ طويلة، إلا أن قومية الأمهرة التي تغلب عليها المسيحية، وقومية الأرومو التي يغلب عليها الإسلام، تتشاركان عداء قومية التيجراي التي كانت مسيطرة حتى مجيء آبي أحمد من الأرومو، حيث إن التظاهرات العنيفة التي جرت في إقليم الأرومو في نهاية عام 2016، صاحبتها تظاهرات مماثلة في إقليم الأمهرة، وكان ذلك نتيجة تهميش “الجبهة الشعبية لتحرير التيجراي” كلاً من المعارضة الرسمية وغير الرسمية، ولم تترك لبقية القوميات سوى الاحتجاج كما هي الحال في انتفاضة الأرومو .

فتحت سيطرة التيجراي مؤخرا، نافذة لتعاون تكتيكي بين الأرومو والأمهران، مهّدت انتفاضة الأرومو و الأمهرا على الرغم من العداء بينهما، لخروج إثيوبيا من قبضة أقلية التيجراي إلى غالبية الأرومو.

ومن المعروف عن التيجراي أنهم محاربون على درجة كبيرة من الشراسة ولديهم من العتاد الحربي ما يعطيهم ميزة  كبيرة، نظرًا للبيئة التي يعيشون بها من تضاريس المنطقة الجبلية الوعرة والمتعرجة.

 

لمزيد من الأخبار زوروا موقعنا: الوسط العربي وللتواصل الاجتماعي تابعنا على فيسبوك الوسط العربي

زر الذهاب إلى الأعلى