متنوعاتنحن والغرب

النفط كوقود للهيمنة… وللجهاد: كيف ترتبط الاستراتيجية الأميركية بالتمويل الخليجي للإرهاب؟

كتبت ريم حسن خليل:

من يراقب مسار الأحداث خلال العقدين الماضيين يدرك أن النفط لم يعد مجرد سلعة اقتصادية، بل أصبح المحرّك الأعمق للعقوبات، والحروب، والتحالفات، وحتى للتيار اضطراب سياسي كبير في العالم النفطي، يظهر المستفيد نفسه: الولايات المتحدة بوصفها اللاعب الوحيد الذي نجح في تحويل السوق العالمي إلى ساحة يتحكم بها كيفما يشاء، والخليج – وخصوصاً السعودية – بوصفه المستفيد المالي المباشر من ارتفاع الأسعار، وبالتالي المموّل الأكبر للمشاريع الأيديولوجية والجهادية التي تنشط كلما تضاعفت الفوائض النفطية.

الهيمنة الأميركية عبر تكسير المنتجين المنافسين

منذ ثورة النفط الصخري بعد 2008 أصبحت الولايات المتحدة أكبر منتج للنفط في العالم، وبذلك تغيّر موقعها بالكامل: من دولة تعتمد على النفط الخليجي إلى دولة تريد إخضاع السوق للقدرة الأميركية على رفع الأسعار أو خفضها. ولتحقيق ذلك، سارت واشنطن في اتجاه واحد واضح: إضعاف أي دولة يمكن أن تُغرق السوق وتكسر الأسعار. فدمّرت ليبيا عام 2011 فانخفض إنتاجها من 1.6 مليون برميل إلى أقل من 300 ألف، وعاقبت إيران حتى انحدرت صادراتها من 2.5 مليون إلى أقل من 400 ألف، وغزت العراق ثم تركته في فوضى خفضت صادراته إلى أقل من مليون، وخنقت فنزويلا بالعقوبات حتى انهار إنتاجها من 2.4 مليون إلى أقل من نصف مليون. ثم جاءت العقوبات على روسيا لتقطع عنها أكبر أسواقها.

وراء هذا التحرك الأميركي تقف شركات النفط الكبرى مثل ExxonMobil وChevron، التي تمتلك نفوذاً سياسياً عميقاً يتيح لها التأثير على العقوبات واللوبيات في واشنطن، ما يضمن حماية مصالحها وزيادة أرباحها كلما انخفض إنتاج المنافسين. هكذا أصبح كل اضطراب سياسي أو عسكري في العالم ينتهي بالنتيجة نفسها: النفط الأميركي يصبح أكثر أهمية، وأسعار النفط ترتفع، والخليج يجني مكاسب هائلة.

أسعار النفط والحروب

الحرب المرتقبة ضد فنزويلا مثال صارخ. فمجرد التهديد بعمل عسكري كفيل بأن يُبقي إنتاج كاراكاس منخفضاً، وهو ما يضمن استمرار الحاجة العالمية للنفط الأميركي والخليجي. السعودية تحديداً تنظر إلى هذا السيناريو كـ “هبة من السماء”، فاقتصادها قائم على تدفقات مالية ضخمة لا يمكن أن تستمر إلا في ظل أسعار مرتفعة تتجاوز 100 دولار للبرميل، كما حدث بعد اضطرابات ليبيا عام 2011. ومن هنا جاء تحول الرياض منذ 2019 من التصعيد مع إيران إلى التهدئة بعد أن أدركت أن أي حرب إيرانية-أميركية قد تدمر إنتاجها خلال أيام وتنسف شريان حياتها الوحيد.

النفط وتمويل الإرهاب

التاريخ الحديث يظهر بوضوح أن ارتفاع أسعار النفط مرتبط بزيادة نشاط الجماعات الجهادية المرتبطة بالفكر السلفي الوهابي. الفوائض المالية الخليجية تتضاعف مع ارتفاع الأسعار، فتتدفق إلى مشاريع دينية وأيديولوجية وأحياناً إلى تنظيمات مسلحة عبر الحدود. وعندما تنخفض الأسعار، ينهار التمويل ويتراجع النشاط الإرهابي بشكل حاد. العلاقة إذن ليست صدفة، بل سببية: المال يتحرك، والمؤسسات الدينية تتحرك معه، والجماعات المسلحة تتغذى من الفائض الذي يفيض عن الحاجة المحلية.

التحالف الأميركي – السعودي

التحالف بين واشنطن والرياض قائم على معادلة طويلة الأمد: حماية مقابل نفط. ومع مرور الوقت، تحول التحالف إلى أداة استراتيجية وأيديولوجية؛ الولايات المتحدة دعمت انتشار التيارات الدينية المحافظة لمواجهة النفوذ الإقليمي، والسعودية لعبت دوراً محورياً في بناء شبكة أيديولوجية يمكن تحويلها لاحقاً إلى دعم سياسي وجهادي. هذا التحالف جعل النفط ليس مجرد سلعة، بل أداة لنفوذ سياسي واسع، ولتمويل أنشطة تنتقل من السياسة إلى العنف المسلح.

فنزويلا… الحلقة الاستراتيجية المفقودة

فنزويلا اليوم أكثر من مجرد أزمة نفطية؛ هي نقطة مفصلية في السيطرة على السوق العالمي. انخفاض إنتاجها من 2.4 مليون برميل قبل 2014 إلى أقل من نصف مليون جعل السوق يعتمد بشكل متزايد على النفط الأميركي والخليجي، وأي ضغط سياسي أو تهديد عسكري كافٍ لإبقاء هذا الإنتاج منخفضاً وضمان استمرار أسعار مرتفعة تخدم مصالح الخليج وتغذي الفوائض المالية التي تتحول إلى أدوات نفوذ وتمويل جماعات أيديولوجية وجهادية. الحرب المرتقبة ضد فنزويلا مثال صارخ على ذلك، فمجرد التهديد بعمل عسكري كفيل بأن يُبقي إنتاج كاراكاس منخفضاً، وهو ما يضمن استمرار الحاجة العالمية للنفط الأميركي والخليجي. السعودية تحديداً تنظر إلى هذا السيناريو كـ “هبة من السماء”، فاقتصادها قائم على تدفقات مالية ضخمة لا يمكن أن تستمر إلا في ظل أسعار مرتفعة تتجاوز 100 دولار للبرميل، كما حدث بعد اضطرابات ليبيا عام 2011. ومن هنا جاء تحول الرياض منذ 2019 من التصعيد مع إيران إلى التهدئة بعد أن أدركت أن أي حرب إيرانية-أميركية قد تدمر إنتاجها خلال أيام وتنسف شريان حياتها الوحيد..

النفط… المحرك الخفي للحرب والجهاد

بهذا المعنى، لا يمكن النظر إلى الحروب الأميركية في العالم النفطي بمعزل عن موجات الإرهاب. الولايات المتحدة ترفع الأسعار عبر تفكيك المنتجين المنافسين، والخليج يموّل الجماعات الجهادية عبر الفوائض الناتجة عن تلك الأسعار المرتفعة. وبينما تتحرك السياسة الأميركية وفق مصالحها الاستراتيجية، تتحول الأموال النفطية الخليجية إلى شبكة نفوذ تمتد من الفكر الديني إلى دعم الجماعات المسلحة. وفي قلب هذا المشهد، يبقى النفط هو العامل الذي يشعل الحرب… ويموّل الجهاد.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى