الحقيقة الغائبة فى الأرض المحروقة “الإحتلال الفرنسى للجزائر”

كانت الجزائر تطعم فرنسا بالقمح والمواد الغذائية منذ القرن الثامن عشر، وظلت فرنسا تستدين من الجزائر حتى عجزت عن السداد وعندما طالبت الجزائر بحقوقها المالية لجأت فرنسا إلى الاحتلال العسكري سنة 1830، لتبدأ استعمارًا استيطانيًا دام 132 عامًا .
لم تكن هذه المحاولة الأولى لفرنسا فقد حاولت غــزو الجزائر أكــثر من مرة سنة 1664 في حملة ( بوجو ) التي هُزمت شر هزيمة على شواطئ الجزائر، وسنة 1682 و1683 في حملات بحرية فاشلة ضد القصبة ، ثم سنة 1775 عندما تحالف الأسطول الإسباني مع الفرنسيين فهُزموا .
لم تستطع فرنسا تنفيذ مشروعها إلا بعد أن دمّر الأسطول الجزائري في معركة نافارين (1827)، حيث هاجمته أساطيل ،فرنسا ، وإنجلترا ، وروسيا وكان ذلك نقطة النهاية لهيمنة الجزائر البحرية في المتوسط .
عند دخول الفرنسيين إلى القصبة وجدوا في خزائنها أكثر من 50 مليون فرنك ذهبي من عائدات الجهاد البحري ، فنهبوها بالكامل ، وأرسلوا جزءًا منها إلى باريس لسد ديون الدولة الفرنسية .
الفرنسيون أبادوا مليون مسلم في أول 7 سنوات من الاحتلال (1830–1837) عبر المجازر الجماعية مثل مجزرة الأغواط، ثم أبادوا مليونًا ونصف المليــون ،في آخر 7 سنوات قبل رحيلهم ،(1954–1962).
وهناك قبائل كاملة انقطع نسلها ،مثل قبيلة أولاد رياح التي أُحرقت سنة 1845
الاستعمار الفرنسي ،كان استيطانيًا على شاكلة الاستعمار الصهيوني ، فجلبت فرنسا أكثر من مليون أوروبي من فرنسا ، وإيطاليا ،وإسبانيا ، ومالطا وشجعتهم على الاستيطان في الجزائر ،بدل الهجرة إلى أمريكا .
وفي الخمسينيات بلغ عددهم قرابة 15% من سكان الجزائر، وكان الهدف القضاء على الجزائريين كما حدث للهنود الحمر .
سياسة الأرض المحروقة
أدت الإبادة الجماعية إلى تراجع عدد الجزائريين من نحو 5 ملايين عند الاحتلال إلى أقل من 2.5 مليون منتصف القرن التاسع عشر بل إن الجنرال بيجو وضع خطة لطرد من تبقى من الجزائريين إلى جزيرة جامايكا ، لكن المستوطنين الفرنسيين رفضوا ذلك لأنهم أرادوا الجزائريين كعبيد يخدمون أراضيهم .
فرنسا دمّرت أكثر من 500 مسجد تاريخي كبير ، منها جامع كتشاوة الذي حُوّل إلى كاتدرائية ، وبنت مكانها كنائس وكاتدرائيات ضخمة مثل :كاتدرائية السيدة الإفريقية بالجزائر العاصمة رغم ادعائها العلمانية.
وكانت اللغة العربية ممنوعة رسميًا وتعتبر لغة أجنبية ، وكان تدريس القرآن الكريم وتفسيره ممنوعًا بالقانون حتى إن فرنسا أغلقت الكتاتيب ، وأصدرت أوامر بتجريم استعمال العربية في المدارس والإدارة .
كما غيرت فرنسا الألقاب العائلية الجزائرية فأعطت بعضها معاني مشينة ومهينة ، وأرغمت الجزائريين على حمل أســماء فرنسية الطابع ضمن سياسة ( الفرنسة ) باريس لم تعتبر الجزائر مستعمرة كباقي مستعمراتها ، بل أرضًا فرنسية ملحقة بوزارة الداخلية ، وقُسمت الجزائر إلى ثلاث مقاطعات فرنسية : الجزائر ، وهران ، قسنطينة وحتى وقت قريب كانت فرنسا تصف الثورة الجزائرية
( التمرد ) و ( الحرب الأهلية ).
المؤرخ الفرنسي جاك جوركي ،قدّر أن مجموع من قتلتهم فرنسا في الجزائر منذ 1830 حتى 1962 بلغ 10 ملايين مسلم .
انتصرت الثورة الجزائرية رغم أنها واجهت قــوة هائلة :
400 ألف جندي فرنسي مدعوم من حلف الأطلسي ، 170 ألف مجند جزائري ، 180 ألف ميليشيا موالية ، ومليون مستوطن مسلح وشارك في هذه الحرب أكثر من مليوني جندي فرنسي من الخدمة الإلزامية.
استخدمت فرنسا الطائرات المروحية لأول مرة في تاريخ الحروب خلال حرب التحرير الجزائرية، من طراز “بيل H-21″، التي قدمتها لها أمريكا ثم استُخدمت لاحقًا في حرب فيتنام من الأمريكان .
تسببت الثورة الجزائرية في سقوط الجمهورية الرابعة الفرنسية (1946–1958) وقيام الجمهورية الخامسة بقيادة ديغول ، ثم محاولات انقلاب عسكرية سنة 1961 في باريس .
الثورة الجزائرية عجّلت بانهيار الإمبراطورية الاستعمارية الفرنسية ، ومنحت الاستقلال للعديد من الدول الإفريقية التي كانت تنتظر اللحظة المناسبة .
في أكتوبر 1961قتلت الشرطة الفرنسية نحو 300 جزائري مسلم في باريس ،وألقت بجثثهم في نهر السين لمجرد مشاركتهم في مظاهرة سلمية مطالبة بالاستقلال عند إعلان ( ديغول )انسحاب فرنسا سنة 1962، خرجت الجماهير الجزائرية تهتف : (يا محمد مبروك عليك، الجزائر رجعت ليك ).
زرعت فرنسا عند انسحابها 11 مليون لغم على الحدود الشرقية والغربية ، أي أكثر من عدد سكان الجزائر وقتها
( 10 ملايين نسمة)، ولا تزال تقتل الجزائريين حتى اليوم رغم الاستقلال واصلت فرنسا تجاربها النووية بالصحراء الجزائرية بين 1960 و1966،وفجّرت 17 قنبلة نووية ، بعضها بلغت قوتها 4 مرات قنبلة هيروشيما، مسببة أمراضا سرطانية وتشوهات للأجيال.
غادر آخر جندي فرنسي الجزائر كان سنة 1967 من قاعدة “مرسى الكبير” البحرية قرب وهران ، أي بعد الاستقلال ب 5 سنوات كاملة .
