حول الخليجعاجل

دلالات التوقيت وحسابات التطورات.. التحركات الإماراتية في الجزر اليمنية

تقرير: علي عبدالجواد

أفادت تقارير إقليمية بوجود تطورات متسارعة وسفن مجهولة وإمدادات لا تتوقف لقاعدة إماراتية هامة على جزيرة يمنية، وأهداف تجارية تُخفي معها مكاسب عسكرية تخدم أطرافًا إقليمية.

وهناك جملة من التطورات والمؤشرات التي تؤكد وجود تحركات غريبة وغير اعتيادية متزامنة مع التطورات الاقليمية والدولية وخصوصاً في القاعدة الإماراتية بجزيرة “عبدالكوري”، إحدى جزر أرخبيل سقطرى، وخاصة أنها في توقيت مهم وفي سياق الحرب على قطاع غزة.

تحركات إماراتية

في 13 يناير 2022، تم الكشف عن وجود قاعدة عسكرية إماراتية في جزيرة عبد الكوري القريبة من باب المندب، وذلك عبر صور أقمار صناعية نُشرت للمرة الأولى بواسطة موقع Planet، حيث تم رصد سفينة تحمل العلم الإماراتي تُدعى “تكريم”، وهي من نوع سفن الإنزال البحرية، وهي في طريقها إلى جزيرة عبد الكوري، مما أثار اهتمامًا بتحركاتها.

باستطلاع مسار السفينة، وجد أنها قامت برحلة متشعبة قبل وصولها إلى جزيرة عبد الكوري، حيث انطلقت السفينة من ميناء زايد في أبو ظبي في 21 ديسمبر 2023، ووصلت إلى جزيرة سقطرى اليمنية في 29 ديسمبر 2023، حيث قضت بعض الوقت، ثم اتجهت نحو جزيرة عبد الكوري، ورست فيها حتى 11 يناير، ثم عادت مرة أخرى إلى جزيرة سقطرى وغادرتها يوم 18 يناير، قبل أن تواصل رحلتها نحو الإمارات.

تبدو تحركات السفينة غامضة، حيث سبق أن وصلت إلى جزيرة عبد الكوري في نوفمبر 2021، واختفت إشارتها خلال تواجدها في الجزيرة، لتعاود الظهور مرة أخرى في بحر العرب بعد فترة.

وأكدت صور الأقمار الصناعية من Sentinel Hub في نوفمبر 2021 وجودها على شاطئ جزيرة عبد الكوري، وتم التحقق من هويتها عبر مقارنة مسارها بالمسار المعلن وأبعادها بالصور.

قاعدة الإمارات في جزيرة عبد الكوري
قاعدة الإمارات في جزيرة عبد الكوري

يُعتقد أن الرحلة كانت لنقل المعدات والفرق الخاصة للإشراف على تطوير قاعدة الإمارات في جزيرة عبد الكوري، وبعد مغادرة السفينة، بدأت الإمارات بناء المدرج العسكري في الجزيرة، كما أكدت صحف يمنية محلية.

كما شاركت السفينة في عمليات تطوير وبناء مدرج في ميناء المخا في أكتوبر 2021، مما يوحي بدورها في النقل العسكري ونقل المواد اللازمة للبناء.

تطورات لوجستية وبنيوية وعمرانية

أظهرت صور الأقمار الصناعية التي التقطتها “Sentinel Hub” للجزيرة بعد 7 أكتوبر وجود تطورات لوجستية وبنيوية وعمرانية واضحة في المصف الرئيسي لمدرج القاعدة الغربي، وكانت تتضمن:

  1. بناء نرجّح أنه برج اتصالات لشكله الدائري وطوله.
  2. مبنى رئيسي للقاعدة يبلغ مساحته حوالي 320 مترًا مربعًا.
  3. مبنيان فرعيان للقاعدة؛ الأول يبلغ مساحته حوالي 90 مترًا مربعًا، والثاني يبلغ مساحته حوالي 30 مترًا مربعًا.

دلالة التطورات وتوقيتها

طبيعة التطورات وتسارعها يحقق العديد من المصالح والأهداف الإماراتية، والتي تتلخص في شقين:

  • أولاً: تعد الجزيرة مركزًا ملاحيًا اقتصاديًا يتمتع بموقع مميز في سواحل اليمن والقرن الإفريقي.
  • ثانياً: إن السيطرة على الجزيرة يخدم تكامل الإمارات العسكري الدفاعي الاستراتيجي مع قواعد عسكرية أخرى توجد بها قوات أمريكية، مثل قاعدة الريان جنوب اليمن، وقواعد عملت الإمارات على تطويرها وبنائها خلال الأعوام القليلة الماضية، مثل قاعدة ميون عند بوابة باب المندب، وقاعدة المخا المطلة على البحر الأحمر.
جزيرة عبدالكوري
جزيرة عبدالكوري

ملاحظات أساسية حول التطورات والتحركات الإماراتية

جملة الروايات والتطورات التي تم استعراضها تضع عدد من الملاحظات الأساسية:

أولاً: كافة المؤشرات والدلائل التي ترصد التحركات الإماراتية الأخيرة هي مدعومة بأدلة موضوعية وعلمية وفقاً لصور الأقمار الصناعية أو التغير الحاصل في خريطة وتضاريس الجزيرة، ومستجدات البناء والتطوير، وهو ما يؤكد وجود خطوات أكثر تسارعاً وأهداف ملحة.

ثانيا:هذه التطورات الأخيرة جاءت بالتوازي مع أحداث 7 أكتوبر وما بعدها، وبخاصة تصاعد العمليات الحوثية في البحر الأحمر، ثم المواجهة الحوثية الأمريكية، وهو ما يؤكد أنه كان معد لها مسبقاً لكن تم استغلال الحرب في غزة والتركيز الإعلامي والسياسي معها، في محاولة تسريع وتيرة تنفيذ هذا السيناريو وهذا التوغل.

ثالثا: التطورات الإماراتية الأخيرة بالسيطرة على جزيرة “عبد الكوري”، تزامنت مع التحديثات الأخرى التي تم رصدها في القواعد الإماراتية في بربرة وبصاصو في الصومال، والتي أشارت أنباء سابقة إلى وجود خبراء عسكريين أمريكيين بها، ما يزيد من فكرة أنها تطورت لتحقيق التكامل العسكري الغربي حول باب المندب.

رابعا: حسب تقرير نشره المعهد الإيطالي للدراسات السياسية الدولية “ISPI” في نوفمبر 2023، فإن سقطرى تضم قاعدة استخباراتية إماراتية بالتعاون مع إسرائيل، يمكن أن تنشر بها أجهزة استشعار إسرائيلية الصنع لمواجهة الصواريخ والمسيّرات الإيرانية، وهو ما يجعل تلك التطورات جزء من الحسابات الأمنية والعسكرية لكلا الطرفين.

خامسا:نشرت مجلة “Breaking Defense” الأمريكية تقريرًا في يونيو 2022، أشار إلى وجود اهتمام من دول بالمنطقة بقدرات الدفاع الجوي الإسرائيلية الصنع، وأن في حال إتمام تلك الصفقات فمن المحتمل أن تُدمج هذه الدفاعات في شبكة نظام أوسع قد تضم جزر سقطرى. وهو ما أكده مقال نشره موقع “جي فوروم” للجالية اليهودية الناطقة بالفرنسية في 2020، أن الإمارات وإسرائيل خططتا لإنشاء قاعدة في جزيرة سقطرى اليمنية، كما أكد موقع “إنتليجينس أونلاين” الفرنسي في 9 سبتمبر 2020، وصول ضباط من المخابرات الإماراتية والإسرائيلية إلى جزيرة سقطرى، في نهاية أغسطس 2020.

سادسا: أفادت العديد من التقارير أن المجلس الانتقالي الجنوبي تعرض لضغوط من الإمارات للموافقة على إنشاء قاعدة استخبارات إماراتية إسرائيلية، خاصة أن الإمارات تنظر للجزيرة كأولوية باعتبارها مركزاً ملاحياً اقتصادياً يتمتع بموقع مميز في سواحل اليمن والقرن الإفريقي، إضافة إلى أنها تخدم قواعد عسكرية أخرى أنشأتها خلال الأعوام القليلة الماضية.

سابعا: لم تكن التحركات الإماراتية عشوائية أو وليدة اللحظة، وإنما جرت عملية تهيئة كبيرة لأهدافها من خلال العمل على تكثيف التواجد في أرخبيل سقطرى، واستيلائها على الأرض، وإنشاء المعسكرات، وأبراج الاتصالات، والسعي إلى التغلغل في كل مناحي الحياة في الأرخبيل. وقد بقها محاولات لعسكرة أبناء الجزيرة، وتطويعهم من أجل تعزيز أهدافها الإستراتيجية.

ثامنا:تنفيذ خطط إنشاء وتطوير مدرج مطار بطول 2.5 كيلومتر يجعله مؤهل لاستقبال طائرات مقاتلة كبيرة، وطائرات شحن عسكرية، وهو ما يتماشى مع ما نشر في عام 2020، قبل عام من بدء تشغيل المدرج، من تأكيد باحثين على مواقع أمريكية وفرنسية أن الإمارات تعمل على خطة لإنشاء قواعد تجسس ومراقبة في جزيرة سقطرى اليمنية، وجزيرة عبد الكوري؛ لتتبع الملاحة الدولية في المحيط الهندي، بما في ذلك التحرُّكات الإيرانية.

تاسعا: عدة تقارير خلال آخر سنتين اهتمت بالمحاولات الإماراتية والإغراءات المقدمة لسكان الجزيرة الأصليين من عروضا بمبالغ مالية كبيرة كتعويض للخروج منها إلى منطقة “قصيعر” في حضرموت، رغم تمسكهم بالبقاء ومقاومة ضغط التهجير.

عاشرا: سيطرة الإمارات على جزيرة عبد الكوري بعد خطوات التطوير والتهيئة ستشكل تحول نوعي في تثبيت النفوذ الإماراتي وستجعل هناك تواجد أكثر قوة وتأثيراً؛ خاصة أن الجزيرة تقع على بعد 120 كم من جزيرة سقطرى، وتبلغ مساحتها نحو 133 كم مربع، وهي ثاني أهم جزيرة في أرخبيل سقطرى، وتتبع مديرية قلنسية، لكنها تعاني حالة من الإهمال الحكومي، رغم أهميتها الاقتصادية والاستراتيجية.

 

لمزيد من الأخبار زوروا موقعنا: الوسط العربي وللتواصل الاجتماعي تابعنا علي فيسبوك الوسط العرب

زر الذهاب إلى الأعلى