
تقرير : أيهاب أحمد
في زمن كانت فيه بغداد هي عاصمة الخلافة العباسية وهي درة المدن و الحضارة من أكثر من سبعة قرون وفي مثل هذا الوقت من عام ١٢٥٨ أصيب العالم الإسلامي بواحدة من أشد المحن قسوة بسقوط درة التاج على يد المغول بقيادة هولاكو خان، حفيد جنكيز خان فأشعلها حربا لم تترك جحرا و لا بشرا وغرقت مدينة العلم و الفنون و الحضارة في بحور الدم وانطفأ إشعاعها لقرون.
كارثة خلفت مليون قتيل فهذا العدد ينبئ عن حجم تلك الكارثة و المذابح التي وقعت فيها بين سكان يقدر عددهم بأكثر من 3 ملايين نسمة. قتلهم المغول من دون رحمة الرجال والنساء وكبار السن والأطفال بأحجار المنجنيقات والمقالع وبالسيوف والفؤوس والسهام.
أحرقت المكتبات في بغداد عاصمة الحضارة حينها في العالم، وكان أشهرها بيت الحكمة، وتم إلقاء أعدادا كبيرة من الكتب والمخطوطات القيمة والنادرة في نهري دجلة والفرات، وتحول لون الماء إلى الأحمر والأسود من الدم والحبر.وكذلك دمرت المساجد والصروح وأتت عليها النيران، فانتشرت رائحة الموت وتحولت بغداد إلى أطلال لعدة قرون علاوة على ذلك تم تدمير نظام الري بالكامل تقريبا، و تدهورت الزراعة في جميع أنحاء المنطقة وبلغ تعداد جيوش المغول حوالي مائة ألف مقاتل في هذه المعركة و التي انتهت في 10 فبراير 1258، وتمكن جيش هولاكو من القضاء على واحدة من أعطم المدن و أكثرها إزدهارا في العالم في ذلك الوقت.
كانت الدولة العباسية في القرن الثالث عشر تحت حكم الخليفة المستعصم بالله كانت تمر بمرحلة إنهيار زاد منها الخليفة في تلك الفترة حيث تم تقليص أعداد الجند في محاولة لإرضاء المغول واتقاء شرهم، كما أنه أهمل تقوية اسوار المدينة وتحصيناتها.
قبل ذلك التاريخ، هدد المغول تحت قيادة “بايجو نويان”، بشكل خطير أراضي الخلافة العباسية وقاموا بغزوها ثلاث مرات في أعوام 1238 و1242 و1246، إلا لأنهم لم يدخلوا بغداد.
وبعد أن اجتاح جيش هولاكو إيران ودمر قلاع الإسماعيليين بما في ذلك قلعتهم الشهيرة “ألموت” في عام 1256، وصل بغداد عاصمة الدولة العباسية. تمهل في البداية وطلب من الخليفة الاستسلام و لكنه رفض وكان الجيش العباسي الصغير الذي يقدر بنحو 30 ألف جندي تمكن في البداية من اختراق حصار المغول، إلا أنهم وقعوا بعد ذلك في خدعة حيث تراجع المغول متعمدين واستدرجوا المدافعين عن بغداد إلى سهل منخفض، ثم هدموا السد، وأغرقت المياه قسما من جيش الخلافة.
هكذا حاصر هولاكو بغداد من دون عوائق في 29 يناير عام 1258، وعزل المدينة عن العالم الخارجي بواسطة خندق عريض مملوء بالماء إضافة إلى حاجز خشبي. بالتوازي مع الحصار، نصبت المنجنيقات والمقالع، وبدأ قصف مكثف للأسواروالتحصينات. وتمكن المغول من تدمير تحصينات المدينة في غضون أسبوع وبدأوا هجوما كاسحا و أسقط في يد المستعصم بالله وحاول التفاوض مجددا لكن الأوان كان قد فات. لم يكن أمام المدافعين عن المدينة إلا الاستسلام أوائل فبراير 1258.
فاستباح مقاتلي هولاكو سلب ونهب بغداد لمدة أسبوع، وتحولت شوارع المدينة إلى الأحمر القاني من الدماء، وجلل السواد الأجواء بسخام الحرائق و بعد سقوط بغداد لم يمس المغول الخليفة المستعصم بالله بأي أذى في البداية، لإعتقادهم أن دم الحاكم يمكن أن يغضب آلهتهم الوثنية القاسية، وأيضا لرغبتهم في معرفة مخابئ الكنوز و قد كشف لهم صاغرا عن مخبأ الكنوز وبالفعل عثروا داخل قصر الخلافة على بئر سرية مليئة تماما بقضبان الذهب، علاوة على أشياء ثمينة كثيرة عثروا عليها في العديد من الأضرحة والمساجد و التي أمر هولاكو بحرقها بعد ذلك.
وتم بعد ذلك قتل الخليفة العباسي يوم 20 فبراير عام 1258، بعد أن أصبح عديم الفائدة. إحدى الروايات تقول إن المغول سجنوه في خزانة ملكية مات فيها جوعا وعطشا، وفي رواية أخرى أنه لف في بساط وألقي به تحت حوافر الخيول، وبذلك لم ينسكب الدم الملكي، ونجا المغول، حسب معتقداتهم، من غضب أربابهم وبعد ذلك قتل المغول معظم أفراد اسرته وقتلوا ابنه الأكبر لكنهم استبقوا ابنه الأصغر، ليس رأفة به، بل كي يتسنى لابن قائد المغول الصغير أن يلعب معه!
