العرب وافريقياعاجل

كشف خطايا الدستور العراقي الذي عطل تداول السلطة

خطايا الدستور في العراق

من الخطأ أن نظن  أن صياغة دستور متكامل لبلد ما  يمكن أن يصنع دولة  قوية تؤمِّن للشعب سواسية حقوقهم وواجباتهم  فمعطم الدول المتخلفة عن ركب الحضارة تحكمها أنطمة  دكتاتورية، توجد فيها أفضل دساتير في العالم.

بينما  أعرق الديمقراطيات في العالم وأكثرها تقدما، مثل بريطانيا، ليس لديها أي دستور مكتوب، بل ولا يفكرون في ذلك. فالجميع يحترم مبادئ العدالة والإنصاف والأعراف والتقاليد السياسية والقانونية منذ مئات السنين، ولا يخالفها احد إلا لسبب مُلِحّ و الذي لا يحدث إلا برغبة عامة.

فكفاءة السياسين و اخلاصهم  وإحترامهم للقوانين والأعراف والمصلحة العامة هي الفيصل فى قيام دولة متماسكة تُعلي المصلحة العامة وترضي الناس جميعا.

فالدستور هو مجموعة من المبادئ الأساسية التي يتفق عليها معظم أبناء البلد، والهدف الأساس منها هو وضع قواعد للمُشرِّعين لصياغة قوانين ونظم ولوائح تهدف إلى خدمة المجتمع بكل مشتملاته .

 وكان أول دستور وضعي للبشرية كان مسلة حمورابي في بابل  عام 1754 قبل الميلاد، وبعد ذلك قامت الدساتير قي يلاد العالم الأخرى ففي أثينا مثلا وضع كليثسينيس أول دستور لبلاده عام 507 قبل الميلاد و الذي  أقر فيه النظام الديمقراطي لأول مرة في التاريخ

الدساتير التي تدوم لفترات طويلة هي التي تقلُّص من حدوث المعارك السياسية وتساعد على حل الأزمات الوطنية، لكن هذا لا يحصل إلا عندما يسعى القادة لتحقيق المصلحة العامة، وليس المصالح الشخصية أو الحزبية، عندها يكون تداول السلطة سلميا وانسيابيا، بحيث يحكم الذين يتمتعون بالكفاءة والخبرة، مسلحين بتأييد غالبية الناس، بينما ينتظر المعترضون دورهم حتى تتغير آراء الناس لصالح برامج ومشاريع جديدة تسعى هي الأخرى لتحقيق المصلحة العامة في شكل أفضل. نُقِل عن نابليون قولُه إن “الدستور القابل للتطبيق والذي يمكن أن يدوم لفترة طويلة هو الدستور المقتضب والغامض”، أي الذي يحدد صلاحيات الحكومة ويؤسس لقواعد المنافسة بين القوى المختلفة، تاركا مساحة كبيرة للاجتهادات والتوافقات السياسية!.

 أما الدستور العراقي الحالي مثلا للتدهور المرعب فهو يُشَرعِن الفساد والمحاصصة الطائفية والتعصب المذهبي والطبقية والتمييز والقتل العشوائي.

فقد استُغِلت بعض المواد الدستورية لعرقلة سن قوانين نافعة و لصياغة قوانين مكبلة للحريات والاقتصاد وتهدف إلى اضطهاد شرائح معينة في المجتمع، و الخلل هنا في من يستغل هذه المواد من المتنفذين ويفسرها حسب أهوائه ومصالحه. ولو لم تكن مثل هذه المواد موجودة في الدستور.

فالكثير  هنا من مواد الدستور  تُنتَهَك كل يوم، وينتهكُها القائمون على حمايتها فعلى سبيل المثال نص الدستور العراقي في المادة 48 على تشكيل مجلس الاتحاد، وهو جزء أساسي من السلطة التشريعية، على شاكلة مجلس الشيوخ في الولايات المتحدة ومجلس اللوردات في بريطانيا، لكنه لم يُشكَّل حتى الآن، ولا توجد مساع جدية لتشكيله و كذلك الدستور العراقي يكفل حق التظاهر والتعبير عن الرأي ولكن الأجهزة الأمنية العراقية قتلت المئات من المتظاهرين خلال الاحتجاجات ضد الفساد

 وكذلك ينص الدستور العراقي في المادة 142–أولا على مراجعة الدستور وتعديله خلال أربعة أشهر من بدء عمل أول برلمان منتخب، وقد مضى على انقضاء الأربعة أشهر أربعة سنوات وسنوات ولم يتغير شئ قأم المشاكل  في الدستور العراقي تكمن في المادة 142-رابعا التي تشترط عدم معارضة ثلثي الناخبين في ثلاث محافظات لأي تعديل دستوري كي يصبح نافذا!.

هذه المادة تلغي عمليا رأي غالبية الناس وتربط أي تعديل دستوري بعدم معارضة ثلثي الناخبين في ثلاث محافظات! والكل يعرف أن المحافظات المقصودة هي المحافظات الكردية الثلاث! لقد وضع المفاوضون الكرد هذه المادة من أجل أن يتحكموا بالدستور العراقي إلى الأبد، متوهمين بأنها في مصلحتهم، بينما هم لا يحتاجون إليها في الحقيقة، لأن هناك مادة أخرى في الدستور، (المادة 115)، التي تنص على أن الأولوية هي لتطبيق قانون الإقليم في حال وجود تعارض مع القانون الاتحادي! وهذه المادة تُمكِّن برلمان الإقليم من سن القوانين دون الحاجة إلى مادة أخرى تعطل الدستور العراقي وتضرب عرض الحائط برأي غالبية العراقيين. إن تمسك القادة الكرد ببقاء المادة (142-رابعا) لا مبرر منطقيا له، إلا إذا كان الهدف هو التحكم بالدولة العراقية ككل وهذا ما يحصل حاليا، خصوصا مع وجود حكومة ضعيفة خاضعة لهم.

وجود المادة (142-رابعا) ينتهك المادة الثانية –ب من الدستور التي تمنع سن أي قانون يتعارض مع مبادئ الديمقراطية، بينما المادة (142-رابعا) تتعارض في شكل صارخ مع أبسط مبادئ الديمقراطية والعدالة وتضرب عرض الجدار برأي غالبية العراقيين وتتمسك برأي ثلثي الناخبين في ثلاث محافظات فقط! لقد كان الدستور العراقي واضحا فيما يتعلق بالقيود التي وضعها على سن القوانين، لكنه كان غامضا فيما يتعلق بالحقوق والقواعد العامة.

لعبت المحكمة الاتحادية دورا تعطيليا ومعرقلا للدستور،  فتعيق استجواب الوزراء، وتلغي إستقلال الهيئات المستقلة وتربطها بالسلطة التنفيذية، وتعيد تفسير الدستور كي يسمح بتشكيل التحالفات بعد الانتخابات

 كان يجب أن يُكتَب الدستور قبل إجراء الانتخابات، ثم يُستفتى عليه الناس، وبعد ذلك تُجرى الانتخابات على أسس متكافئة بين القوى المتنافسة، وهذا ما حصل في الدول الأخرى التي تحولت من أنظمة شمولية إلى ديمقراطية.

زر الذهاب إلى الأعلى