إفريقيا ساحة “حرب باردة جديدة ” بين روسيا وأمريكا

تحولت القارة الأفريقية الي ساحة المواجهة المفتوحة على النفوذ الثروات بين الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا بعد اندلاع الحرب ألأوكرانية بين موسكو وكييف.
كانت روسيا قد جعلت من التمركز في أفريقيا بعد العقوبات المفروضة عليها من التحالف الغربي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية بسبب الحرب ألأوكرانية، مما دفع الولايات المتحدة الأمريكية الي الإسراع لإعادة مركزها في أفريقيا بعد سنوات التهميش التي كانت خلال حكم الرئيس ترامب، وانحسر الاهتمام بالقارة الأفريقية، وبدت العودة الأمريكية وبصورة مكثفة وسيا سات متنوعة بعد التوغل الروسي وسبقها الصيني تزامنا مع انسحاب أوربي من القارة عبر سلسلة جولات المسؤولين الأمريكيتين في ربوع القارة
حرب باردة جديدة
تصاعدت التحرك الأمريكي بجولة لوزير الخارجية الأمريكي في إفريقيا جنوب الصحراء، وهي الثانية له منذ توليه مهامه في إدارة الرئيس جو بايدن، بعدما زار كينيا ونيجيريا والسنغال، ثم جاءت قمة قادة الولايات المتحدة وأفريقيا في العاصمة واشنطن، خلال ديسمبر 2022 وللرد على القمة الروسية الأفريقية الثانية التي عقدت في موسكو يوليو 2022.
حرب أوكرانيا
قبل الحرب في أوكرانيا، كانت الدبلوماسية الأمريكية في أفريقيا تتركّز على المنافسة مع الصين، التي وظفت استثمارات مهمة في البنى التحتية بالقارة الأفريقية، بدون أن ترفق استثماراتها بمطالب على صعيد الديمقراطية وحقوق الإنسان كما تفعل الولايات المتحدة، ولكن التحركات الروسية في القارة الأفريقية في الفترة الأخيرة، خاصة جولة لافروف، دفعت باتجاه تحول في السياسة الأمريكية إلى مواجهة النفوذ الروسي، هذا التحول يشمل إعادة صياغة شاملة لسياسة الولايات المتحدة في أفريقيا جنوب الصحراء، حيث تعتزم مواجهة الوجود الروسي والصيني معا وتطوير أساليب غير عسكرية ضد الإرهاب، وتأخذ هذه الاستراتيجية الجديدة في الاعتبار الأهمية السكانية المتزايدة لأفريقيا وثقلها في الأمم المتحدة، بالإضافة إلى مواردها الطبيعية الهائلة وفرصها.

كشفت وثيقة تحمل عنوان “استراتيجية الولايات المتحدة تجاه أفريقيا جنوب الصحراء”، َونشرت في ظل التوغل الروسي في أفريقيا بعد الحرب الاوكرانية، وتتضمن على 4 أهداف تمتد لخمس سنوات، تشمل “دعم المجتمعات المفتوحة وتقديم مكاسب ديموقراطية وأمنية لها، والعمل على الانتعاش بعد الجائحة، وإتاحة الفرص الاقتصادية ودعم الحفاظ على المناخ والتكيف معه، والتحول المنصف للطاقة”، كما هاجمت الوثيقة الأمريكية روسيا بشكل مباشر، وقالت إن موسكو “ترى أن المنطقة تمثل بيئة مستباحة للشركات شبه الحكومية والعسكرية الخاصة، وغالبًا ما تخلق حالة من عدم الاستقرار لكسب مزايا استراتيجية ومالية”، وفق وكالة “فرانس برس”.
نشاط روسي
في أواخر يوليو الماضي، قام وزير الخارجية الروسي، لافروف، بجولة أفريقية شملت أربع دول، أهمها مصر وإثيوبيا والكونغو، وتهدف إلى حشد الدعم لموسكو في وقت تتصاعد فيه حدة المواجهة مع القوى الغربية بشأن العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، وكانت معظم الدول الأفريقية، التي تدرك أهمية المصالح الاقتصادية والعلاقات التاريخية مع كل من روسيا والغرب، قد رفضت الانحياز لأي طرف في الأزمة الأوكراني، وفي جولته الأفريقية، شدد لافروف على أن العالم يعيش “نظاما دوليا متعدد الأقطاب”، مهاجما “الهيمنة الأمريكية”، ومبديا استعداد روسيا لدعم الدول والقضايا الأفريقية.

قدم لافروف روسيا كصديق جدير بالاحترام لأفريقيا على عكس القوى الغربية ذات العقلية الاستعمار ية، وقبل جولة لافروف بعدة أشهر، أبرمت روسيا اتفاقيات سياسية وعسكرية مع عدد من البلدان الأفريقية.
سياق التنافس
ويأتي التنافس الأمريكي الروسي على أفريقيا، في وقت تشكل فيه الضغوط الاقتصادية والسياسية على مختلف بلدان العالم، ولا تزال البلدان الأفريقية تعاني من صدمات اقتصادية شديدة بعد محاولتها التعافي من اضطرابات كورونا، وإدارة الأزمات الناجمة عن الحرب في أوكرانيا، مع توقف الصادرات الزراعية والغذائية من كلا البلدين حيث تهدد الحرب في أوكرانيا سلاسل الإمدادات الغذائية الهشة بالفعل في أفريقيا.
استحضار التاريخ
يعد النشاط الروسي في أفريقيا محاولة استحضار تاريخ الوجود السوفيتي في أفريقيا ومحاولة روسيا البناء على هذا التاريخ وتنشيط الذاكرة الأفريقية عن دعم الاتحاد السوفيتي لحركات التحرر الوطني في أفريقيا في ستينيات القرن الماضي وظهرت نتائج النشاط الروسي في أفريقيا في مارس2022أثناء تصويت الأمم المتحدة لإدانة الهجوم الروسي في أوكرانيا، حيث صوتت 28 دولة أفريقية فقط لصالح القرار، وصوتت نسبة كبيرة من دول القارة (25) إما بالامتناع عن التصويت أو عدم التصويت على الإطلاق.

جاءت العودة الروسية بعد عودة اقتصادية وعسكرية متدرجة إلى أفريقيا؛ فخلال العقدين الماضيين، استطاعت روسيا لعب دور في أفريقيا، وقامت بإبرام اتفاقيات في مجال الطاقة النووية وتصدير الأسلحة، لتصبح أكبر مصدر للأسلحة إلى هذه القارة، فيما ذكر التقرير السنوي الصادر عن معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام عام 2020؛ أن الصادرات العسكرية الروسية لأفريقيا مثلت 18٪ من إجمالي صادرات روسيا من الأسلحة في الفترة ما بين عامي 2016 و 2020، ووفق الصحيفة واشنطن بوست الامريكية ان موسكو نجحت في استخدام مجموعة “فاجنر” العسكرية لإبراز وجودها في أفريقيا وخاصة في غرب أفريقيا، وأن نفوذ روسيا المتسع في جميع أنحاء القارة الأفريقية يمكن أن يطرد الولايات المتحدة من قطاع التعدين الغني في أفريقيا، مع التركيز بشكل خاص على المعادن النادرة مثل الكوبالت، وهو عنصر حاسم في بطاريات أيون الليثيوم القابلة لإعادة الشحن، والمستخدمة في الهواتف الذكية.
لمزيد من الأخبار زوروا موقعنا: الوسط العربي