مذكرات فناني مصر من دائرة الإهمال إلى صدارة المشهد

تقرير: أحمد عبد الحافظ
لم تكن مذكرات الفنانين في مصر تحظى قبل نحو 50 عاما باهتمام يذكر، وكان ينظر إليها من قبل المهتمين بالثقافة في بلدنا على أنها مجرد ثرثرات لا طائل من ورائها، وقد تجاوز ذلك حدود العاملين بالشان الثقافي، وصار جزءا من قناعة الذين تصدوا لها في الصحف والمجلات المصرية، فلم يهتموا بجمعها في كتاب مثلما فعل الكاتب صالح مرسي، الذي قام بسرد مذكرات الفنانة الراقصة “تحية كاريوكا” ما بين سبتمبر/ أيلول 1970 حتى مارس/ آزار 1971 في حلقات بمجلة الكواكب المصرية، ولم يصغ لثناء الأديب “توفيق الحكيم” على أسلوبها الأدبي، وصياغتها الجيدة، أو يستجب لنصيحة صاحب جائزة نوبل “نجيب محفوظ” بطبعها في كتاب تحت عنوان “قصة راقصة”.
لكن لوحظ في السنوات الأخيرة أن هناك اهتماما واسعا بكل ما له شأن بمسيرة الفنانيين سواء كانوا مطربين أو موسيقيين أو ممثلين، وتم طباعة عدد كبير من الكتب التي تدور حول حياتهم الشخصية، وتاريخهم الفني، مع التركيز على ما كانوا يلاقونه من رجال ثورة يوليو، ومن هذه الكتب ما كان عن الممثل “أنور وجدي”، والفنان “محمد فوزي”، وسيدة الشاشة “فاتن حمامة” وزوجها الفنان العالمي عمر الشريف، والسندريلا “سعاد حسني”، والموسيقار “بليغ حمدي” والمطربتين “ليلى مراد” وكوكب الشرق “أم كلثوم” وأخير وليس آخرا، الفنان “فاروق فلوكس”.
معظم سير هؤلاء الفنانيين إضافة باهتمامها بالشأن الخاص بكل فنان، وأعماله الفنية، وحكاياته التي صاحبت أعماله التي قدمها، اتسمت بتعريجات كثيرة على الشأن العام، وأمور السياسة التي عاصرها وعاشوا تفاصيلها، وعانوا منها، مثلما جاء في قصة الموسيقار محمد فوزي ضمن كتاب “محمد فوزي وثائق نادرة” حيث ذكر كاتبها المؤرخ أشرف غريب أنه عومل بطريقة قاسية من رجال ثورة يوليو، وقاموا بتأميم شركته الخاصة “مصرفون”، وأبعدوه عن إدارتها، وكان هذا لأسباب خاصة ليس لها علاقة بالفن وتتناقض مع موقفه الداعم لحركة “الضباط الأحرار”.

للمؤرخ أشرف غريب
معاناة الفنان محمد فوزي
تفاصيل معاناة فوزي شرحها الكاتب أشرف غريب في إصابته بأزمتين بعد قيام ثورة يوليو، كانت الأولى جراء قرار تأميم شركته الفنية والاستيلاء على ثروته التي جمعها على مدى سنوات طويلة لتأمين مشروعاته ومستقبل أبنائه، والأزمة الثانية كانت أصعب وأشد بعد تعرضه للإصابة بمرض قاس “لم يتركه سوى جسد بلا روح بعد أن تجاوز الثامنة والأربعين من عمره بقليل” بعد أن تعنتوا في علاجه وتأخروا في إصدار قرار علاجه على نفقة الحكومة في ذلك الوقت.

ويقدم أشرف غريب في كتابه الذي صدر حديثا عن “دار بتانة” تفاصيل ما جرى في قضية مصادرة شركة “مصرفون” معتمدا على وثائق ومستندات، قام بفحصها وقراءتها، مشيرا إلى أن فوزي ذهب “ذات صباح إلى شركته ومصنعه فوجد كثيرا من الجنود وحركة غير معتادة في المكان، وعندما دخل مكتبه وجد رجلا يجلس في مكتبه ويعبث بأوراقه، ويضع قدميه على المكتب في وجهه، وقد أخبره أن قرارات يوليو الاشتركية قد شملت شركته، وأن عليه التوجه إلى مكتبه الجديد بجوار الجراج أو دورة المياه”.

اضطهاد محمد فوزي وتهميشه فنيا
ولخص “أشرف غريب” الأمر أن “فوزي” تعرض لمذبحة قام بها حكام ثورة 1952 بعد أن ظنوا أنه من رجال رئيس الجمهورية الأسبق محمد نجيب، ويذكر غريب أنه “لو كان فوزي استوعب جيدا مشهد ذهاب أم كلثوم بعد أيام قليلة من قيام ثورة يوليو 1952 إلى مبنى الإذاعة المصرية من أجل التخلص من كل أغنياتها التي كانت قد غنتها للملك فاروق قبل الثورة، ونشرت مجلة الكواكب في عدد 5 أغسطس 1952 صورتها، وهي تفعل ذلك، لربما كان قد تجنب كثيرا مما وقع فيه لاحقا، لو كان له أصدقاء ومستشارون مخلصون وعالمون ببواطن الأمور ودهاليز ما يحدث كمصطفى أمين وفكري أباظه اللذين أشارا على كوكب الشرق بهذا التصرف السريع، ربما تحول محمد فوزي إلى نجم هذه المرحلة الثورية، ولو أنه أحاط نفسه بشبكة من العلاقات مع قادة الدول كحال محمد عبدالوهاب وأم كلثوم اللذين تدخل الملك عبدالعزيز آل سعود شخصيا سنة 1953 من أجل عدم مصادرة أموالهما، لوفر على نفسه الكثير من المشكلات، لكن فوزي لم يكن كذلك، كان مطربا وممثلا أحب بلده وفنه، وأخلص لهما وتفرغ لخدمتهما فغابت عنه كثير من الحقائق التي كانت ضرورية لحماية مكانته الفنية في زمن كانت فيه كل الأمور مضطربة والحسابات متداخلة، وكان الولاء للأشخاص لا المباديء هو الضمانة الأساسية للبقاء”.
ويشير الكاتب أشرف غريب إلى أن رجال يوليو ضيقوا الخناق على محمد فوزي بعد ذلك حتى أنه وخلال عام 1956 لم يقدم سوى فيلمين، وقد اختفت أغانيه التي قدمها ل”محمد نجيب” من سجلات الإذاعة المصرية، وقد مارسوا السياسة نفسها مع ليلى مراد، واجبروها على الاعتزال أيضا، حسابا لموقف مشابه لما فعله فوزي الذي أجبروا الموزعين الخارجيين على الامتناع عن توزيع أفلامه، وهو ما أرهقه ماليا بصورة واضحة خاصة من جانب موزع أفلامه في سوريا ولبنان نديم أسبيريدون، أما في الداخل فقد فرضوا الحراسة على موزع أفلامه الوحيد شركة بهنا فيلم “بهنا إخوان” عام 1961 في سابقة لم تعرفها الحياة الفنية في مصر من قبل ولا من بعد، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل قاموا يتأجيج الخلافات وإشعال نار الكراهية بينه وبين السينمائيين، ووصل الأمر إلى حد التقليل من موهبته والتحريض عليه، وهو ما ظهر واضحا في الرسالة التي بعث بها المخرج حسين فوزي سنة 1959 إلى شركة “بهنا فيلم” والتي يصف محمد فوزي فيها ب “الممثل الفاشل”، ويذكر أن فيلم “كل دقة في قلبي” سخيف، وحكم على إيرادات “ليلي بنت الشاطئ” بأنها سيئة بعد أيام قليلة من عرضه.
حكاية حياة أم كلثوم بين النجاح والأزمات القانونية
وتأتي قصة حياة أم كلثوم من بين أكثر السير والمسيرات الفنية التي تعرض لها الكتاب والصحفيون المصريون، بداية من الأديب والسينارست سعد الدين وهبة، مرورا بمحمود عوض، ثم محمد شعير، وقد دارت جميعها حول بداياتها، وتحولات حياتها وصعودها سلم المجد، وعلاقتها بالرؤساء والملوك خاصة جمال عبد الناصر، ودورها في دعم الاقتصاد المصري، ورحلاتها الخارجية التي قامت بها من أجل جلب الأموال التي كانت البلاد تحتاجها لدعم مصر خاصة بعد هزيمة 1967، ودائرة علاقاتها مع كبار الكتاب والفنانيين والشعراء والموسيقيين التي أحاطت نفسها بها لتظل متربعة على عرش الغناء حتى رحيلها في بداية الثمانينيات من القرن الماضي.

ولم تغفل الكتب التي صدرت حول حياة كوكب الشرق الأزمات التي تعرضت لها، بما في ذلك معركتها القانونية مع الملحن زكريا أحمد عندما اختلفت معه حول بعض الألحان، ولجأ كل منهما إلى ساحة القضاء واستمرت القضية 9 سنوات، ثم حكم القاضي فى النهاية عام 1960 بأن تغنى له ثلاث أغنيات، وأن تدفع 700 جنيه مقابل كل أغنية.
صالح مرسي ومذكرات تحية كاريوكا
أما عن مذكرات تحية كاريوكا والتي نشرها صالح مرسي في مجلة “الكواكب” على مدار 30 حلقة، قبل نحو 50 عاما، فقد صدرت مؤخرا في كتاب عن مكتبة دار “نهضة مصر”، روى فيه مرسي قصة حياة كاريوكا منذ مولدها وظروف طفولتها، وتحدث عن مرحلة ما قبل صعودها سلم الشهرة، وقد بدت كاشفة حال البسطاء والحكومات في مصر على مدار فترات مختلفة، بداية من الملك فؤاد مروراً بالملك فاروق والرئيسين محمد نجيب وجمال عبد الناصر.
وقد تشابكت حياة كاريوكا الشخصية المثيرة مع صراعات الشعب المصري ضد الاحتلال الإنجليزي، وكشفت خلالها علاقتها باليسار المصري، وأدوارها الوطنية التي قامت بها بالإضافة إلى تفردها الفني كممثلة وراقصة.

في “مذكراتها تجنبت كاريوكا الحديث فيها عن معاركها بين الرقص والسياسة والسبب أنها سجلت حكايتها زمن حكم الرئيس جمال عبد الناصر، كما تجاهلت الحديث عن أزواجها الذين يختلف كثيرون في حصر عددهم، ولم تذكر قصة اعتقالها، ولم ترو قصتها مع كبار الأدباء والمثقفين والكتاب الذين أحبوها وساندتهم حينما تخلى الجميع عنهم، وقد دفع هذا النقص الكاتب محمد توفيق الذي جمع الحلقات من أعداد “الكواكب” لإكمال القصة وذهب إلى ما روته تحية كاريوكا في حواراتها الصحافية والتلفزيونية والإذاعية، في رحلة بحث عثر خلالها على يوميات كتبتها بنفسها واطلع فيها على كتب تناولت سيرتها وعلى أحاديث المقربين منها، ليروي الكتاب الجديد حكايتها مع 17 زوجاً وأربعة رؤساء وملك.
وقد لاحظ محمد توفيق أن كل شيء في “كاريوكا” مختلف عليه حتى تاريخ ميلادها، لا جواب نهائياً فيه، “فالبعض يؤكد أنها ولدت في فبراير 1919 بينما يجزم آخر بأنها ولدت في عام 1921. وثمة من يقول إنها تزوجت 13 رجلاً، بينما يؤكد المقربون منها أنها تزوجت 17 مرة، وأن بعض الأزواج لم تُعلن أسماؤهم. وقيل إنها دخلت السجن في كل العصور، لكن لا يوجد دليل واحد على ذلك إلا بعض أحاديث نقلت عنها، فالمؤكد أنها دخلت السجن مرة واحدة في نوفمبر 1953 ولكن عدد الأيام التي أمضتها ظل محل خلاف، إذ ثمة من يؤكد أنها قضت في السجن 101 يوم، وثمة من يقول إنها مكثت فيه 99 يوماً، وثمة من يصر على أنها لم تبق في الحبس سوى أسبوعين”.
ولم يكن الخلط، حسب قول الكاتب محمد توفيق، في تلك القضية فحسب، فثمة من يجزم بأنها من هربت السادات في قضية أمين عثمان، وأخفته في مزرعة زوج اختها لمدة عامين، بينما الحقيقة أن السادات لم يهرب في هذه القضية ولكن ظل في السجن حتى حصل على البراءة، أما القضية التي هرب أثناء محاكمته فيها فهي قضية الجاسوس الألماني وظل هارباً لمدة عامين بين محافظات عدة من بينها الاسماعيلية. أما حكايتها مع القصر والملك فاروق، فكانت مليئة بالأحداث اللافتة بداية من منح الملك لها 50 جنيهاً في شيك ليكون أول مبلغ كبير تحصل عليه وتفتح حساباً به في البنك، مروراً بتعفف يدها وترفعها عن المال الذي كان بدأ يأتيها من حيث لا تدري، فكانت إذ طلبت للرقص في إحدى الحفلات الخيرية رفضت أن تتقاضي مالاً، وعندما حاولت الأميرة شويكار ذات مرة أن تقدم لها هدية بعدما رقصت في إحدى حفلاتها اعتذرت تحية عن عدم قبولها”.
قصة رفض كاريوكا الرقص أمام كمال أتاتورك
من بين القصص التي يرويها الكتاب، رفض كاريوكا الرقص أمام كمال أتاتورك خلال فترة وجودها في اسطنبول لتقديم حفلات، وعللت ذلك بأنها لن ترقص أمام شخص أهان سفير مصر، وهي واقعة سبقت زيارتها البلد بعامين عندما طلب أتاتورك في إحدى الحفلات من السفير المصري خلع الطربوش فانسحب الأخير وطاقم السفارة، وبعد رفضها حزمت حقائبها وقررت العودة إلى مصر بأسرع وقت وكان عمرها أقل من 18 عاماً.
تحية كاريوكا ودورها النضالي في مواجهة الاحتلال
ولا يقتصر وعي كاريوكا الوطني عند حدود ذلك لكنها أيضا قامت خلال حرب فلسطين واشتعال المواجهات بين الفدائيين وقوات الاحتلال على طول خط قناة السويس، بالتواصل مع الفدائيين وراحت تنقل الأسلحة لهم في سيارتها، رغم ما يحمله ذلك من مخاطر عليها، وقيل إنها كانت تساعد زوجها “مصطفى كمال صدقي” الذي كان أحد الضباط الأحرار وانشق عنهم وصار عدواً لهم، في توزيع المنشورات التي تهاجم مجلس قيادة الثورة، وقد كان هذا سببا في اعتقالها بعدما راحت تردد “ذهب فاروق وجاء فواريق”، وهي مقولة لا يعرف أحد على وجه الدقة متى قالتها كاريوكا وأين، ولم تصمت تحية التي كان اسمها الحركي في المعتقل “عباس”، وقد قادت المسجونات إلى شكوى مأمور السجن وجاءت لجنة من حقوق الإنسان وحققت وطالبت المأمور أن يترك الزنانزين مفتوحة خلال ساعات النهار.

وضعت تحية كاريوكا بمواقفها الجريئة والمختلفة نفسها، بداية من انتقاد السادات بعد إعلان نيته زيارة إسرائيل، ومن بعده الرئيس الأسبق مبارك، على يسار السلطة فانحازت للفقراء، ولها قصص لا حصر لها ومواقف شجاعة انتصرت فيها لمن لا نصير لهم، منها قيامها بإخفاء المفكر أنور عبد الملك في منزلها بعدما تمكن من الهرب من السجن وساعدته على السفر إلى الخارج، وتكرر الموقف نفسه مع الكاتب الصحافي صلاح حافظ، كما تبرز المذكرات موقفها من الملك فاروق الذي قالت له “إن الملهى مكان لا يتناسب مع مكانته كملك” وواجهت “مبارك” بحقيقة المصاعب التي تواجه حياة الناس وعدم قدرتهم على تحصيل لقمة العيش.
كتاب “العندليب والسندريلا.. الحقيقة الغائبة”
وفي كتابه “العندليب والسندريلا .. الحقيقة الغائبة” الذي صدر عن دار الشروق المصرية يكشف الكاتب أشرف غريب أسرارا جديدة عن ملاحقة المخابرات المصرية للمطرب المصري الأشهر عبد الحليم حافظ والفنانة سعاد حسني، والين ربطت بينهما علاقة ما زال يحوطها الغموض حتى الآن، بسسب “حالة التعتيم التى فرضها الطرفان على تلك العلاقة”، وهي التي ما زال الوسط الفني في مصر حتى الآن يتحدث عن بعض أسرارها.
ويتضمن الكتاب ما وصفه بالأدلة والوثائق، تفسيرا للكثير من الخفايا التي أحاطت بعلاقة “حليم والسندريلا” منذ لحظة تعارفهما الأول سنة 1959 وحتى انفصالهما الصعب عام 1966، كما سعى “غريب” للكشف عن تشابكات السياسة مع الفن، وجذور العلاقة بين حليم وسعاد والجمهور، وحقيقة زواجهما من عدمه والملابسات التى أحاطت بذلك، وكيف تحولت قصة حبهما الجارف إلى سباب وشتائم واتهامات متبادلة بينهما.

كانت نجاة حافظ شقيقة السندريلا “غير الشقيقة” عرضت في لقاء تلفزيوني ما اعتبرته وثيقة زواج أختها من عبد الحليم حافظ، وقد شكك غريب في صحة المستند، وساق أحد عشر دليلا على ذلك، إلا أنه لم ينكر زواج العندليب من السندريلا معتمدا على شهادات مجموعة من معاصريهما.
عرج أشرف غريب على تأثيرات السياسة على العلاقة بين الحبيبن، وذكر أن “رئيس جهاز الاستخبارات المصرية فى الستينيات صلاح نصر حاول الاستفادة من تلك العلاقة السرية الخاصة التى جمعت حليم وسعاد فى توجيه ضربات موجعة للمطرب الراحل لكراهيته له بسبب قرب عبد الحليم من الرئيس عبد الناصر ونائبه عبد الحكيم عامر”، وقد كانت “محاولة تجنيد سعاد حسنى للعمل مع جهاز المخابرات فى ذلك الوقت حلقة فى هذه الحرب الخفية بين عبد الحليم وصلاح نصر”.
وحكى غريب “تفاصيل هذه الحرب وحقيقة اختطاف الرجل القوى لكل من النجمين الشهيرين، والخدعة التى أنقذتهما فى تلك الليلة المثيرة واللحظة التى طلب فيها عبد الحليم حماية الرئيس عبد الناصر له ولسعاد من ملاحقات صلاح نصر”.
ويذكر الكاتب أشرف غريب أن “صلاح نصر لم يكن السبب المباشر فى نهاية علاقة العندليب بالسندريلا، وأن محاولة تجنيدها للعمل مع المخابرات، كشف اعترافات وزير الإعلام الأسبق صفوت الشريف، ورجل المخابرات المسؤول فى ذلك، أنها كانت فى شهر أكتوبر/تشرين الأول 1963 تقريبا، وأنها انتهت تماما فى صيف 1964 بعد أن رفضت سعاد التعاون مع الجهاز فيما استمرت علاقتها مع حليم حتى صيف 1966.
ليلى مراد
في كتاب “الوثائق الخاصة لليلى مراد” سعى أشرف غريب لإنصاف المطربة الشهيرة وسرد سيرتها الفنية والاجتماعية، وقام بدحض الشائعات والاتهامات التي طالتها خلال حياتها فضلا عن المضايقات التي تعرضت لها.

جعلتها تعتزل الفن وهي في قمة المجد، لكن المدهش في أمر مراد أن الاتهامات التي سعت للنيل منها، وقامت على أساس أنها يهودية، وأنها تعاونت مع اسرائيل لم تتوقف حتى بعد وفاتها.
ناهد صلاح تكشف كواليس حياة عمر الشريف: من الفن إلى السياسة
وفي كتابها “عمر الشريف بطل أيامنا الحلوة” تحكي الكاتبة المصرية ناهد صلاح عن حياة الفنان المصري العالمي، ورأيه في الإرهاب وأسبابه، وسبل الوصول إلى الديمقراطية، وأهمية التعليم، وانتشار الفقر في مصر، وتتحدث عن الأسباب التي جعلته ينقطع بإرادته عن بعد أن وجد أن كل سفرية يقوم بها للخارج لتنفيذ ارتباط فني تحتاج إلى “شهادة حسن سير وسلوك”، مثل التي كانت تحصل عليها الراقصات وقتها من مكتب الأداب التابع لوزارة الداخلية، ثم يتوجه إلى مجمع التحرير للحصول على تأشيرة خروج، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل وصل إلى مستوى أكثر قلقا بعد أن زارهما “صلاح نصر” رجل المخابرات الأول في زمن عبد الناصر، وطلب منه وفاتن حمامة نقل أخبار الفنانيين له، شافعا كلامه بأن ذلك من أجل مصر، وقتها ارتبك الشريف، ولم يعرف بماذا يرد، لكن فاتن حمامة ردت بحسم أنها ترفض أن تقوم بهذا الدور ضد أي زميل أو زميلة، بعدها خططت للخروج من مصر، ولم تعد إلا بعد رحيل عبد الناصر عام 1971.

هذه الظروف نفسها هي التي عجلت برحيل الشريف، الذي كان انتهى في عام 1962 من فيلمه “لورانس العرب”، وترشح للأوسكار، كانت قد ارتبط بعقود للعمل في أفلام كثيرة مع شركة كولوبيا لمدة سبع سنوات، ووجد أن هذه الاجراءات سوف تعطله عن الوفاء بتعاقداته، فقرر البقاء في الخارج لإنجازها.
تحدثت الكاتبة ناهد صلاح عن فيلم “صراع في الوادي” باعتباره الخطوة الأولى في قصة الحب التي جمعت بين عمر الشريف وفاتن حمامة، وعن القبلة التي كانت سببا في غضب الجماهير عليه، وكانت دليلا على حب نما بين نجمة شهيرة، وفنان يبدأ خطواته الأولى في طريق الفن، ثم عن زواجهما بعد طلاق حمامة من المخرج عز الدين ذو الفقار.
غاصت الكاتبة ناهد صلاح في حياة “الشريف” طفلا، ومراهقا، وفتى ينتمي لعائلة ثرية، ثم دراسته في مدرسة “فيكتوريا كوليدج” وإتقانه الانجليزية، وأدائه العديد من الأدوار في المسرحيات العالمية على خشبة المسرح المدرسي، ثم صداقته بيوسف شاهين، ورفيق عمره أحمد رمزي، وصعوده سلم النجومية بعد فيلمه الأول، وانتقاله بعد ذلك للعالمية، وعشقه للفقراء، ومحبته لأمه، ونظرته لأبيه رجل الأعمال الذي كان يريده أن يشاركه تجارته لكنه خالف طموحاته ولم يستجب له.
مذكرات فاروق فلوكس بين السينما والمسرح والسياسة
أما عن مذكرات الفنان فاروق فلوكس التي سرد خلالها الكثير من محطات حياته وسيرته الفنية، وصدرت حديثا في كتاب تحت عنوان “الزمن وأنا” عن دار صفصافة المصرية للنشر والتوزيع، ورواها الكاتب المصري حسن الزوام في خمسة عشر فصلا، وجاءت بعناوين غطت مراحل حياة فلوكس الدراسية والفنية والاجتماعية، وأشار خلالها لبذور الفن التي ظهرت في شخصيته منذ نشأته الأولى، وجيرته للملك فاروق حيث كان يسكن بالقرب من قصر عابدين، وعلى اسم الملك اختار له والداه اسمه تيمنا به، وفيها ذكر أن ممارساته الفنية بدأت مبكرا بتعلمه الرسم ودراسة الخرائط في الجمعية المصرية الجغرافية، كما ركز على أحداث ثورة 23 يوليو ودراسته في كلية الهندسة، وعلاقته بتنظيم الإخوان المسلمين وتطوعه في المقاومة الشعبية.

وتحدث فلوكس خلال صفحات مذكراته عن علاقته بالمسرح، وكيف بدأت، ثم رفضه الانضمام إلى فرقة “ثلاثي أضواء المسرح” بسبب انشغاله بالدراسة، وحكى عن ليالي مسرحية “الواد سيد الشغال” مع الفنان عادل إمام، وعلاقته المميزة بعدد من مشاهير الفنانين في بداية الخمسينات، ثم عمله في مجال السينما مع نجوم كبار أمثال سعاد حسني، ورشدي أباظة وشمس البارودي، وصلاح ذو الفقار وعادل إمام وناهد شريف، وقال إنه كان يتمنى أن يعمل مع المخرجين عاطف الطيب ويوسف شاهين، مشيرا إلى أنه “كانت هناك فرصة لم تكتمل للعمل مع الثاني حينما رشحه لدور في أحد أفلامه، لكنه اختار محمد الشويحي، وكان له الحق في ذلك بوجهة نظره العالية في السينما”.
وقد لاحظ الكاتب حسن الزوام أن “فلوكس” يملك لكل حداثة مرت به ما يدل عليها، فقد كان يحتفظ مثلا بتذاكر الطيران لرحلاته التي كان يقوم بها، والتأشيرات وقسمائم حجز الفنادق، والصور التي تم التقاطها في الأماكن التي زارها، وأظهرت الجلسات أنه يملك أرشيفاً منظماً يدعم كل ما مر به من مواقف وأحداث، وما فيها من مصاعب وأزمات سعى لتجاوزها والخروج منها”.
وركز فلوكس على ظروف نشأته منذ مولده في 10 فبراير شباط عام 1937، وأحداث الكوليرا عام 1942، وحركة الجيش في يوليو تموز 1952، وما جرى من تغيرات سياسية واجتماعية، وما صاحب إعلان قيام إسرائيل من ردود أفعال في مصر عام 1948.
وفي المذكرات يبحر فلوكس خلال حديثه في رحلة عمرها 85 عامًا، قدم في بدايتها مع زملائه مسرحيات لنزلاء مستشفى الأمراض النفسية بالعباسية، ورواد مقهى “متاتيا” الشهير بمنطقة العتبة، ويحكي عن بشر متعددي الأصول والأعراق والديانات عرفهم في حي عابدين، بينهم رجال سياسة وأهل علم، ويتذكر كيف عرف الطريق إلى السينما لأول مرة، حين قدم مع أقرانه من الأطفال في فيلم “الإيمان” للمخرج أحمد بدرخان، مشهدا وهم يلعبون الكرة مع الفنان سعيد أبو بكر، وحصل على جنيه نظير ذلك. وفي ذلك اليوم تأخر في العودة إلى المنزل وتعرض للضرب المبرح من والدته، بعد أن أخدته الجنيه منه ومزقته.
لمزيد من الأخبار زوروا موقعنا: الوسط العربي