من ذاكرة المقاومة في السرد الأدبى الروائية العربية “رضوى عاشور”

تمر اليوم الذكرى الحادية عشرة لرحيل الأديبة الكبيرة رضوى عاشور، صوت الذاكرة ومقاومة النسيان.
كانت ترى أن كل رواية تحمل تاريخها، وأن الشخصيات تُخلق من الواقع وتتفاعل معه.
قدّمت رضوى أعمالًا أصبحت علامات فى الأدب العربى، أبرزها ثلاثية غرناطة التي أعادت فيها سرد سقوط الأندلس عبر 3 أجيال من عائلة واحدة، لتصنع من “مريمة” رمزًا حيًا باق.
وفي الطنطورية، تروي نصف قرن من الوجع الفلسطيني.
أما في فرج، فقدمت سيرة الألم والاعتقال عبر ثلاثة أجيال، كاشفة تاريخًا طويلًا من الانكسارات والمقاومة .
رحلت رضوى عام 2014، لكن رواياتها ما زالت تقاوم، وتنبض بالحياة، وتذكرنا بأن الحكاية دومًا جزء من التاريخ.
مقاطع من سيرة ذاتية للكاتبة “حين يراودنى اليأس أقول لنفسي لا يصح ولا يجوز، إنني من حزب النمل، من حزب قشة الغريق، أتشبث بها ولا أفلتها أبدًا من يدي، من حزب الشاطرة التي تغزل برجل حمارة، لماذا لا أقول إننا، كل أسرتنا، لا أعني أنا ومُريد وتميم وحدنا، بل تلك العائلة الممتدة من الشَّغيلة، والثوار والحالمين الذين يناطحون زمانهم، من حزب العناد .
نمقت الهزيمة، لا نقبل بها، فإن قضت علينا ، نموت كالشجر واقفين، ننجز أمرين كلاهما جميل: شرف المحاولة، وخبرات ثمينة، تركة نخلفها بحرص إلى القادمين؛ عزيزي القارئ، عزيزتي القارئة، أستدرك لأنهي حديثي بالسطر التالي:
“هناك احتمال آخر لتتويج مسعانا بغير الهزيمة، ما دمنا قررنا أننا لن نموت قبل أن نحاول أن نحيا.
رضوى المقاتلة.
لم تكن رضوى تلك المرأة الرقيقة والأدبية استاذ الأدب الانجليزى بجامعة القاهرة فقط وحبيبة مريد البرغوثى الذى قال عنها”ضِحكتها صارت بيتي
إنّي أقرأ في عَينيكِ الزمن القادم… ولهذا أتحمَّل عِبء حياتي ،فمُنذُ رؤيتي عيناك
نسيتُ معنى أعباء الحياة”. كانت رضوى إمرأة ثائرة فى حبها لمناضل فلسطينى مهموم مشغول بوطن مجروح بل هى ذات شخصية عنيدة لكنها ناضجة مكتملة النضج من أقولها “بطبيعتي مُقاتلة، ولكنني بلغت قدرًا من النضج يسمح لي بالتمييز بين معركة يمكن أن تحقق أهدافها، ومعارك لا جدوى من خوضها”.
وصفها مريد البرغوثي فى شعره قائلاً “أنتِ جميلة كوطن محرٌر،
وأنا متعب كوطن محتل
أنتِ حزينة كمخذول يقاوم،
وأنا مستنهض كحرب وشيكة
أنتِ مشتهاة كتوقف الغارة،
وأنا مخلوع القلب كالباحث
بين الأنقاض
أنتِ حنونة كالرذاذ،
وأنا أحتاجك لأنمو
كلانا جامح كالانتقام..
كلانا وديع كالعفو،
وكلما التقينا ..
تحدثنا بلا توقف،
كمحامييْن عن العالم”.

رضوى عاشور اهى مؤرخة لمآساتنا ونكبتنا العربية حيث تميز مشروعها الأدبي بتيمات التحرر الوطني والإنساني حيث تؤرخ لمذابح نكبة الفلسطنيين ومآسي شتاتهم حيث تكتب بعين المرأة العربية وتحمل القضايا الوطنية على عاتقها.
ولدت رضوى عاشور في القاهرة، سنة 1946 ودرست اللغة الإنجليزية في كلية الآداب بجامعة القاهرة، وبعد حصولها على شهادة الماجستير في الأدب المقارن، انتقلت إلى الولايات المتحدة حيث نالت شهادة الدكتوراه من جامعة ماساتشوستس، بأطروحة حول الأدب الإفريقي الأمريكي.
وفي 1977، نشرت عاشور أول أعمالها النقدية “الطريق إلى الخيمة الأخرى” حول التجربة الأدبية لغسان كنفاني. وفي 1978، صدر لها بالإنجليزية كتاب جبران وبليك، وهي الدراسة نقدية التي شكلت أطروحتها لنيل شهادة الماجستير سنة 1972.
في نوفمبر 1979، وتحت حكم الرئيس أنور السادات، تم منع زوجها الفلسطيني من الإقامة في مصر، مما أدى لتشتيت أسرتها. فهي زوجة الأديب الفلسطيني مريد البرغوثي، ووالدة الشاعر تميم البرغوثي.
تراث الموؤودة
في مقال لها في عام 1994 قالت رضوى عاشور: أشعر بالخوف من الموت الذي يتربص بنا وما أعنيه هنا ليس الموت في نهاية المطاف فحسب، ولكني أعني أيضاً الموت بأقنعته العديدة.. أعني الوأد.. أنا امرأة عربية ومواطنة من العالم الثالث وتراثي في الحالتين تراث الموؤودة، أعي هذه الحقيقة حتى العظم مني وأخافها إلى حد الكتابة عن نفسي وعن آخرين أشعر أنني مثلهم أو أنهم مثلي.
في 1980، صدرت لها آخر عمل نقدي، قبل أن تلج مجالي الرواية والقصة، وكان أولها أيام طالبة مصرية في أمريكا (1983)، والتي اتبعتها بإصدار ثلاث روايات (حجر دافئ، خديجة وسوسن وسراج) والمجموعة القصصية رأيت النخل، سنة 1989. توجت هذه المرحلة بإصدارها لروايتها التاريخية ثلاثية غرناطة، سنة 1994، والتي حازت، بفضلها، جائزة أفضل كتاب لسنة 1994 على هامش معرض القاهرة الدولي للكتاب.
نشرت بين 1999 و2012 أربع روايات ومجموعة قصصية واحدة، من أهمها رواية الطنطورية (2011) ومجموعة تقارير السيدة راء القصصية.
في 2007، توجت بجائزة قسطنطين كفافيس الدولية للأدب في اليونان، وأصدرت سنة 2008، ترجمة إلى الإنجليزية لمختارات شعرية لمريد البرغوتي بعنوان “منتصف الليل وقصائد أخرى”
