جميلة بوحيرد…أسطورة من كفاح الجزائر..ورمزا خالدا للبطولة والصمود

نجوى إبراهيم
جميلة بوحيرد..أسطورة الشباب ..أسطورة البراءة والطهر..هى صاحبة تاريخ حافل بالتضحية والإيثار وحب الوطن ..فهى الشهيدة الحية .. أيقونة الثورة الجزائرية.. ابنة بلد المليون ونصف المليون شهيد ..مناضلة نسائية من الطراز الأول ..حين يُسمع اسمها نستحضر دائماً أسمى معاني النضال والتضحية والشجاعة، نستلهم روح البطولة.. تحدت المحتل الفرنسي بصبرها وشجاعتها، قاومت أبشع أساليب التعذيب الروحي والنفسي والجسدي، لم تخشَ مقصلة الاحتلال الفرنسي عند إعلان عقوبة الإعدام على مسامعها، بل صرخت في أعلى صوتها نموت وتحيا الجزائر ..علمتنا الشجاعة والفداء والتضحية بالروح والبطولة في مواجهة المحتل وقيمة المقاومة حتى ينتصر الوطن..
روعة نضالها دفعت الاحتلال الفرنسي يضعها في صدارة المطلوبين، وحين استهدفت بطلقة في كتفها وسقطت على الأرض 1957، لم تسلٍ دمائها على الأرض بل سالت معها ازدواجية المبادئ الفرنسية بعباراتها الشهيرة: “أعرف أنكم ستحكمون عليّ بالإعدام، لكن لا تنسوا أنكم بقتلي تغتالون تقاليد الحرية في بلدكم لكنكم لن تمنعوا الجزائر أن تصبح حرة مستقل “.عاشت سنوات في سجن الاحتلال ذاقت فيها عذابا لا يتحمله بشر، ولكن بحجم هذا العذاب سكنت قلوب جميع الشعوب العربية على مدار الأجيال، وصارت رمزاً خالداً للكفاح من أجل الحرية. حكم عليها بالإعدام من قبل محاكمة منحازة حيث نطق فيها القاضي الفرنسي بوانار بحكم الإعدام في حقها… أثارت قضيتها سخط العالم وتدخلت لجنة حقوق الإنسان بالأمم المتحدة من أجل تأجيل إعدامها وإلغائه فيما بعد… أصبحت نموذجاً حياً للإنسانية جمعاء ..كانت ملهمة للشعراء بما يقارب 70 قصيدة كتبها شعراء في الوطن العربي عنها..من الأشعار التي قيلت فيها:
قالو لها بنت الضياء تأملي ما فيك من فتن ومن انداء..سمراء زان بها الجمال لونه واهتز روض الشعر للسمراء..ألهمت أيضا الكثير من السينمائيين والفنانين وقاموا بتصوير مقاومتها وشجاعتها من أجل الحرية والكرامة.
نقلت السينما المصرية قصة كفاحها حيت انتج فيلم يحكى قصة كفاحها و زملائها ضد الاحتلال،وكرموها في عام 2018 في مهرجان أسوان الدولي لسينما المرأة الذي كان يحمل اسمها
النشأة والتعليم
ولدت جميلة بوحيرد سنة 1935 بالحي العتيق “القصبة” بالجزائر العاصمة، من أب جزائري وأُم تونسية، ولأنها البنت الوحيدة بين 7 شبان؛ كان لوالدتها التأثير الأكبر في حبها للوطن، فقد كانت أول من زرع فيها حب الوطن وذكرتها بأنها جزائرية لا فرنسية.
رغم سنها الصغيرة آنذاك، واصلت جميلة تعليمها المدرسي، ومن ثَم التحقت بمعهد للخياطة والتفصيل، فقد كانت تهوى تصميم الأزياء. مارست الرقص الكلاسيكي وكانت ماهرة في ركوب الخيل.حظيت باهتمام كبير من والدها، الذي كان مثقفا ورافضا للإستعمار الفرنسي، وعلمها حب الوطن، وزرع فيها روح المقاومة.
وظهرت وطنيتها عندما كانت فى المدرسة ,وكان الطلاب الجزائريون يرددون في طابور الصباح فرنسا أُمُنا لكنها كانت تصرخ وتقول: الجزائر أمنا، فأخرجها ناظر المدرسة الفرنسي من طابور الصباح وعاقبها عقاباً شديداً لكنها لم تتراجع، وفي هذه اللحظات ولدت لديها الميول النضالية..
الإنضمام للمقاومة
عندما اندلعت الثورة الجزائرية عام 1954،,كانت فى العشرين من عمرها ,انضمت بوحيرد إلى جبهة التحرير الوطني الجزائرية للنضال ضد الاحتلال الفرنسي ، بمساعدة عمها الشهيد مصطفى بوحيرد، والذي عرفها بياسيف سعدي وعلي لابوانت، فتمكنت من كسب ثقتهما بسبب نشاط عمها ووطنية عائلتها. وعندما توسعت دائرة الثورة الجزائرية وانتقلت من الجبال إلى المدن، وبدأت ما يعرف بـ”معركة الجزائر العاصمة”، التحقت بصفوف الفدائيين وكانت أول المتطوعات مع المناضلة جميلة بو عزة وجميلة بوباشا وسامية لخضاري, وكانت جميلة حلقة الوصل بين قائد الجبل في جبهة التحرير الجزائرية ومندوب القيادة في المدينة (ياسيف السعدي) الذي كانت المنشورات الفرنسية في المدينة تعلن عن دفع مبلغ مئة ألف فرنك فرنسي ثمنا لرأسه,ثم أوكلت لها هى وزميلاتها المناضلات مهمة ووضع القنابل في المقاهي والملاهي الفرنسية، وفقا لسياسة جبهة التحرير التي اتجهت إلى زرع القنابل في طريق الإستعمار الفرنسي، كانت تنقل القنابل من داخل حي القصبة العربي إلى المنطقة الأوروبية متنقلة بحقيبة بها ملابس شاطئ وواقي شمس وزيوت و تتظاهر بأنها ذاهبة للإستمتاع بشاطئ البحر, وظلت تنفذ المهام التي توكل إليها مدة عامين,إلى أن تم إلقاء القبض عليها في شارع سفنكس بالقصبة في 9 أبريل 1957، وهي تحاول إيصال عدد من الوثائق المهمة إلى “ياسيف سعدي “و ” علي لابوانت” ، إذ تلقت وهي تهم بالهروب رصاصة في كتفها ,وعلى الرغم من جراحها فإنها صرخت حتى يتمكن زملاؤها من الهرب، ثم أسعفت وأجريت لها عملية جراحية على مستوى الصدر، لاستخراج الرصاصة التي تلقتها..وهنا بدأت رحلتها القاسية مع التعذيب.
السجن والتعذيب