لماذا تصمت حكومة العراق على إستيلاء وشنطن على أموال بنوكها ؟

تحليل : أيهاب أحمد
فرضت الخزانة الأمريكية عقوبات غير مبررة على ثمانية مصارف عراقية مؤخراً سبقتها عقوبات على أربعة عشر مصرفاً عراقيا آخرين وهو أمر غريب حيث أن هذه المصارف لم تخالف التعليمات والقواعد المصرفية التي حددها المصرف المركزي العراقي أو بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي فلماذا هذه الغطرسة و هذا الأستبداد……! خاصة و أن هذه المصارف تلعب دورا مهما وكبيرا في تمويل نفقات البطاقة التموينية التي تستفيد منها عائلات ذوي الدخل المحدود حيث توفر لهم سلة غذائية تتكون من المواد الغذائية الأساسية كالدقيق والرز والسكر والشاي وبعض البقوليات ومساحيق الغسيل وغيرها. .
وتبدأ المأساة عندما شهد العراق احتلالا أمريكيا في ربيع عام 2003، ووضع تحت الوصاية الأمريكية كما تم وضع أموال العراق الناتجة عن بيع النفط والتي تشكل أكثر من 90 في المئة من مصادر العراق من العملة الصعبة في بنك الاحتياطي الفدرالي الأمريكي بحجة حمايتها من مطالب التعويض التي قدمتها بعض الدول المتضررة من سياسات النظام السابق الذي حكم العراق قبل عام 2003. عمد الإحتلال الأمريكي إلى دفع الحكومة العراقية و للإستفادة من تلك الأموال إلى أن تقدم وزارة المالية العراقية طلبا للولايات المتحدة مشفوعا بتوضيحٍ يبين أوجه صرف تلك الأموال ليقوم البنك الفيدرالي الأمريكي بدراسة وتدقيق الطلب ويوصي بصرف كمية الأموال المطلوبة.
تنقل بعد ذلك تلك الأموال إلى المصرف المركزي العراقي ليحولها بدوره إلى الحكومة العراقية أما بالدولار الأمريكي أو بالدينار العراقي حسب الحاجة. و يجري المصرف المركزي العراقي يوميا مزادا لبيع الدولار الأمريكي للمصارف العراقية التي تبيعه هي كذلك للتجار العراقيين التوفير احتياجات المواطن العراقي من السلع الأساسية والخدمات،
كما تبيعه لكل من يحتاج الدولار الأمريكي كأولئك الذين ينوون السفر خارج العراق وغير ذلك من الأمور. لكن المصارف العراقية تشترط على من يريد شراء الدولار الأمريكي منها أن يقدم ما يثبت حاجته لتلك العملة كعقود الاستيراد وتذاكر السفر وما شاكلها لكي تقدم تلك المصارف هذه الوثائق للمصرف المركزي ليسمح ثانية لتلك المصارف بالمشاركة بمزاد العملة.
و إن كانت الولايات المتحدة قد ذكرت في مناسبات سابقة أن الاسباب الموجبة لفرض العقوبات هي بشكل أساسي غسيل الأموال وتهريب العملة ولكن دون ذكر تفاصيل دقيقة عن تلك التهم. وهنا يشرح أحد خبراء الإقتصاد العراقيين الموضوع بأن النظام المالي في العراق حيث يتعامل العراقيون بالنقود المتداولة في البلاد سواء كانت بالدينار العراقي أو بالدولار الأمريكي، و لكن أغلبهم يحتفظون بالأموال التي يمتلكونها في بيوتهم ولا يلجأون إلى إيداعها في المصارف، وذلك يشمل المواطنين البسطاء وكبار التجار ورجال الأعمال.
لذلك وعندما يتوجه التجار ورجال الأعمال للمصارف لشراء الدولار الأمريكي فإن الكثير منهم يدفع للمصارف بالدينار العراقي نقدا دون تقديم ما يبين مصدر تلك الأموال التي لكثرتها تقف المصارف عاجزة عن التحقق من مصدرها لتقع بين مطرقة قبولها والمجازفة بالتعرض لتهمة غسيل الأموال وبين سندان عدم قبولها ومواجهة إيقاف عجلة عمل المصرف.
أما عن التهمة الخاصة بتهريب العملة فإن العراق يستورد ما يقارب 90 في المئة من احتياجاته من السلع والخدمات من خارج العراق والسبب يعود إلى تدهور الصناعة وتضاؤل دور القطاع الصناعي الخاص وانحسار الزراعة إلى حد بعيد بسبب قلة الأمطار وانخفاض منسوب المياه في نهري دجلة والفرات. كل ذلك يؤدي بالضرورة إلى نزيف كبير في احتياطي العراق من النقد الأجنبي.
علاوة على ذلك وبسبب العلاقات الواسعة ولقرب المسافة بين العراق وجارتها الشرقية إيران فإن تجارة العراق مع إيران تستحوذ على حصة الأسد من واردات العراق من السلع والخدمات، الأمر الذي يثير حفيظة الولايات المتحدة التي تفرض عقوبات مشددة على إيران وتحظر تزويد إيران بالدولار الأمريكي.
