شخصيات عربيةعاجل

“وكشفت وجهها”.. حياة هدى شعراوى أول ناشطة سياسية فى مصر

 

أحمد عبد الحافظ

يرصد كتاب “وكشفت وجهها.. حياة هدى شعراوى أول ناشطة سياسية فى مصر”تأليف سنية شعراوي الذي صدرت نسخته العربية ترجمةنشوى الأزهري، عن المركز القومي للترجمة، محطات مختلفة من حياة هدى شعراوى، والتى تعد من أبرز الناشطات المصريات فى مجال الاستقلال الوطنى المصرى، والتى ولدت فى العام 1879، بمحافظة المنيا، وهى ابنه محمد سلطان باشا، رئيس المجلس النيابى الأول فى مصر فى عهد الخديوى توفيق، تلقت التعليم فى منزل والدها، وتزوجت فى سن الثالثة عشرة من ابن عمتها على الشعراوى الذى كان يكبرها بما يقارب الأربعين عاما ليتغير اسم عائلتها لـ”شعراوى”.

ومن بين ما قامت به هدى شعراوي تأسيس جمعية لرعاية الأطفال عام 1907،وفى عام 1908 نجحت فى إقناع الجامعة المصرية بتخصيص قاعات للمحاضرات النسوية، وشاركت فى قيادة مظاهرات ثورة 1919، وفى هذا الوقت قامت النساء اللاتى شاركن فى المظاهرات والمتزوجات من زعماء وفديين بتأسيس لجنة الوفد المركزية للسيدات، وانتخبت هدى شعراوى رئيسة لها، ويلقي الكتاب الضوء على دورها الهام والمحورى الذى سيظل على مر العصور علامة فارقة فى تحرير المرأة.

فى إحدى رسائلها إلى هدى شعراوى، تكتب جولييت آدم صديقة مصطفى كامل الفرنسية والمناصرة لمصر وتحريرها من الاحتلال البريطانى، في17 أكتوبر 1923تقول:”ما زلت أراك أمامي وأنت فى شرفتي تتحدثين عن مصرنا الغالية. وأتذكر أيام صيف بعيدة كنت أتحدث فيها عن مصر هذه ذاتها مع مصطفى وعمر. كانا زعيمين من زعماء المستقبل، مثلك وأنتِ تناضلين فى سبيل هذا المستقبل. تذكرن أيتها النسوة المصريات ملكاتكم العظيمات اللائى لم تكن عهودهن أقل قيمة من عهود ملوككم. ولكن هذه المساواة لا تعني أن تكن ذكوريات. لتكن زوجات، ولتكن أمهات، ولتسعين إلى ذلك الدور العظيم المتمثل فى تقديم المشورة. ولتصبحن – فى هذه اللحظة التى ربما يتعرض فيها المستقبل العظيم لمصر القديمة للخطر – مصدر إلهام لمطالب وطنية مشروعة. اذهبن إلى الشعب، وأنرن عقول أبنائه لو كانوا لا يعرفون من هم، واجعلنهم يعرفون حقهم فى الحرية ويعرفون مسؤوليتهم الوطنية. أنت الجسورة، وأنت الواعية بقوة الجسارة، وبقيمة العمل. إن أمنياتى تطير بها إليكن السنونوات المصرية المهاجرة التى تغادرنا لتوها لتعود العام القادم إلى الدير بأعداد غفيرة أكثر كثيرا مما هى فى أى مكان آخر لتنبئنا بأخبار مصر وقد تحررت من نير المحتل الأجنبى.

وتكشف قراءة الكتاب أن موضوعه أكبر من النقاب وخلعه، لكنه يكشف الوجه الذي كان يمكن أن تختفي حاملته في مقر الحريم، كشف الوجه المعادل للعمل والنشاط السياسي والاجتماعي، الذي يمكن أن تفعله المرأة في الأوطان، فحياة هدى شعراوي، من زواجها، أو تزويجها وهي في الثالثة عشرة من عمرها، هي حياة امرأة تريد تغيير وجه الحياة المصرية. ورثت ثقافتها عن أبيها محمد سلطان باشا، الذي كان مثقفا وقارئا ولديه مكتبة رائعة ويقيم صالونا أدبيا. موضوع الحجاب والنقاب لم يشغل صفحات كثيرة من الكتاب. الذي شغله وشغل هدى شعراوي في حياتها، هو النضال في ثورة 1919 وقيادتها للنساء، وخلافها مع زوجها علي شعراوي ابن عمها والوصي عليها، الذي طلبت منه أمها زواجها هربا من عرض بالزواج من قبل الخديوي نفسه لأحد ربائبه. وكان علي شعراوي أكبر منها بستة وعشرين عاما. لقد تباعدا منذ ليلة الزواج الأولى، حين جلست تبكي بعد انتهاء الفرح لأنهم قطعوا أشجار البيت من أجل عمل خيمة للزفاف والحضور. احتاجت إلى سبع سنوات حتى تقتنع بالزواج. الذي يشغلها هو سعد زغلول ودوره وأخطاؤه القليلة قياسا بوطنيته ودوره. الذي يشغلها هو المؤتمرات العالمية التي تسافر إليها في إيطاليا وفرنسا وغيرها، هو تأسيس أول اتحاد نسائي في مصر، هو العمل الأهلي والأعمال الحرفية الصغيرة التي تتيحها مع غيرها من النساء والفنانين للناس، ومن عائد بيعها يتم بناء مدارس وتسويق هذه المنتجات في أمريكا، حين صار زوج ابنتها سفيرا لمصر هناك وسافرت ابنتها معه.

سيرة رائدة سياسية

ويقدم الكتاب أجزاءًا من سيرة رائدة سياسية ووطنية بارزة هى هدى شعراوي، ربما تكون أول ناشطة سياسية في تاريخ مصر الحديث كما يتضح من أحداث السيرة، فقد قامت بقيادة المظاهرات السياسية النسائية للمطالبة بجلاء الاستعمار الانجليزي عن مصر وبالحقوق السياسية للمصريين أولا ثم للفلسطنيين بعد ظهور النوايا الغربية لتوطين اليهود في فلسطين لاحقا. ويعد هذا الجزء عن دور هدى شعراوي في تبني قضية فلسطين إضافة مهمة لمذكرات هدى شعراوي التي أملتها بنفسها وجاءت على لسانها. وأكدت الكاتبة أن طرح تاريخ الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين هو أحد أهم أسباب كتابة هذا الكتاب الصادر بالإنجليزية. 

والكتاب سيرة ذاتية لحفيدة هدى شعراوي، وقد اعتمدت في ذكر المواقف الشخصية على ما سمعته من أفراد الأسرة من ذكريات ومواقف بعينها لم يكن أحد ليتعرف عليها إلا من خلال مثل تلك السيرة، هى ذكريات لا يوجد شاهد عليها أحيانا إلا من رواها. فقد توفيت هدى شعراوي وسنية شعراوي في الثالثة من عمرها، أى أنها لم تشهد تلك الأحداث العائلية بنفسها ولم يكن لها أن تكون انطباعتها الخاصة عنها. ومن الجدير بالذكر أن الكاتبة تذكر تلك الأحداث دون ذكر من رواها لها بالتحديد، وهل هو أو هي صاحب أو صاحبة الحدث أم أنهم أصدقاء العائلة أو أحد الخدم الذين عج بهم بيت هدى شعراوي وكانوا دائما من أركانه، وإن كانت تذكر في المقدمة مجموعة من الأقرباء وأصدقاء العائلة الذين ساهموا في إمدادها بتلك الحكايات.

ومن اللافت أن علاقات هدى شعراوي المتميزة للغاية مع ربيباتها وتلميذاتها مثل سيزا نبراوي وأمينة السعيد وحورية إدريس ومشاعرهن تجاهها تتناقض تماما مع مايقدمه الكتاب عن علاقاتها بأفراد أسرتها مثل الابن والابنة أو الزوج أو زوجة الابن، مما يثير التساؤلات حول مصادر الحكايات عن تلك العلاقات.

فبرغم تجنب هدى شعراوي التركيز على حياتها الشخصية إلا في الجزء الأول فقط من مذكراتها، يتضح جليا من هذا الجزء اهتمامها برعاية ابنتها وتكريس ستة أعوام لرعاية الطفلة وتعلقها الشديد بها وعلاقتها القوية جدا بأخيها عمر سلطان رغم اعتراضها على تفرقة المجتمع بينهما والقائم على التفرقة بين الجنسين ووعيها التام بذلك. بل يظهركتاب  “وكشفت وجهها” أيضا أن هدى شعراوي ذات شخصية كاريزمية جذابة لكل من حولها ولكل من يقترب منها.

لذا بدا غريبا أن يصدر الكتاب هذه الصورة القاتمة لعلاقتها بأسرتها الصغيرة في تكريس واضح للصورة النمطية للمرأة الناجحة في الفضاء العام والتي يجب أن تكون فاشلة فيما عداه، مع التأكيد على عدم ذكر مصدر كل معلومة عن تلك العلاقات على حدة. فهل كان هذا مثلا من قبيل حرص الكاتبة على أن تبدو موضوعية في سردها؟ أو أن بعض تلك الحكايات عن الأسرة الصغيرة هى مما أضافه بعض محرري الكتاب في طبعته الإنجليزية الأصلية مثل جريتشن لادش وروبرت هاستنجز اللذين شكرتهما الكاتبة “لإسهماهما في التدقيق ولتحويلهما كتاب في التاريخ إلى عمل فني.” هل سلط المحررين المذكورين الضوء على تلك العلاقات لوضع لمسة درامية على حياة تلك المرأة المتميزة ذات التاريخ الناصع؟ ربما! لكن يبقى الكتاب وثيقة مهمة وإضافة لا يستهان بأهميتها في إلقاء الضوء على كفاح واحدة من أول وأهم الناشطات النسويات والسياسيات والافتصاديات في تاريخ مصر.

سعى نقاد وباحثون مصريون متخصصون في التاريخ إلى تصحيح الكثير من الأحاديث والوقائع التي طالت سيرة السياسية المصرية هدى شعراوي، نافين الادعاءات التي تقول أنها لم تكن تعرف اللغة العربية، وأنها كانت تحارب بعض زميلاتها وتحرمهن من العمل في الحركة النسائية، فضلا عما دار حول قضية خلعها الحجاب من قصص وخرافات لا علاقة لها بالواقع.

سيرة هدى شعراوي والوطن

وفي الكتاب أشارت سنية شعراوي، لما دار حول جدتها من أخبار بعضها غير صحيح، وقالت إن الصحفي الأمريكي ديفيد كيركباتريك في مقالته التي نشرها في صحيفة النيويورك تايمز في 22 أغسطس أب 2018بدا منحازا لدرية شفيق، وكتب مرثية لها بعنوان “لا تجاهل بعد اليوم: درية شفيق التي قادت حركة تحرير المرأة في مصر”، وذكر فيها واقعة ليست حقيقية بشأن محاربة هدى شعراوي لها، لكنه عاد بعد ذلك وقال إنهاساعدت شفيق في الحصول على منحة لدراسة الفلسفة في جامعة السوربون، وهذا الفعل لا يستقيم مع ادعاءات الإقصاء والمنع،والدليل على كذب ذلك ما قالته شفيق رثاء لجدتها في ذكرى الأربعين.

وقالتمؤلفة الكتاب أن”فلسطينكانت منذالبدايةالسببالحقيقىفىنشر سيرةجدتها التىضحتبحياتهافىسبيلالكفاحضدإحتلالمصر،والدفاععنفلسطين، وأهلهاومقاومةاحتلالها،وكانتتلكذروةدورهدىشعراوى،الذىلميتوقفَعندحركةتحريرالنساء”.

بدأتسنية قصة كتابها عندما تحدثت واختها”ملك”منذسنواتحولمايخصجدتهماهدىشعراويمنتاريخمصر،قالت لهاأنهذاالجزءيجبكتابته،وأنهاهيالتيستقومبهذاالعمل،كانتسنيةمازالتصبيةوقتها،ولمتدركأنهاسوفتحققنبوءةاختهاحينتكبر،وحينقررتالشروعفيالكتابةرأتأناللغةالإنجليزيةقادرةبمالهامنانتشارعلىتوصيلمالديهاإلىالناطقينبهافيكلأنحاءالعالم.

وضمن حكاياتها عن جدتها نفتسنيةشعراويأنتكونقدألقتبالحجابوداستهبقديمهاثمقامتبإحراقه،وذكرتأنهاماكانتتحتاجكلهذاوهيتخلعحجابها،وأنماقالتهالكاتبةالصحفيةصافينازكاظمبخصوصذلكغيرحقيقي،وأنجدتهاكانتغنيةعنكلهذهالتصرفات المضحكةالتي لا وجود لهاإلافيخيالقائليها.

وأشارت سنية شعراوي إلى أنها تمكنت في الكتاب منبحثوتأريخجزءاًلابأسبهمنتاريخمصروالعالم، وقد َبَدَأت دراسةوتَفَهُّموبحثكلماتحصلتعليهمنكتبومعلوماتوأحاديثومقابلاتلشخصياتحتىتكتملَأمامهاصورةالجدة، وقد درستتاريخهاومواقفهاحتى تستوعبأسبابقراراتها وسياساتهاوالخططالتىتبنتها.

وذكرت المؤلفة أنها حين أتمتالكتابأخْفَتهُفىالمكتبة،وقررتعدمنشرِه، لكنهاتراجعت عن قرارها وقتقصفغزةالوحشى، واختارت دار “أي بي توريس البريطانية” لطباعته بعدنصيحةمن الكاتب الأمريكىجونرودنبيك.

إسقاط الحجاب ودلالاته

الكتاب،حسب الدكتور خيري دومة، ليسسيرةغيريةترصدالوقائعوتحددالتواريخ،وإنماهوأقربإلىمنطقةالسيرةالذاتية؛فمؤلفتناسنيةشعراويحفيدةهدىشعراوي،والكتاببالفعليحكي عنحياةالجدة كأولنسويةمصرية،لكنهأيضًاسيرةللعائلةمنذظهورهاإلىالنوروالتحامهابتاريخالوطنالناهض،حتىتواريهاوتفرقهافيالبلاد.

يستندإلىمذكراتهدىشعراويالتيأملتهاعلىسكرتيرهاالخاصعام 1947،وصدرتفيكتابلأولمرةعام 1981. لكنهمع ذلك ليسمجردإعادةحكيأوتذكيربقصةالجدة،وإناستندللمذكراتاستنادًاكبيرًا، فأولمايميزبينالكتابينأنما أملتهالجدةكانيحملعنوان “مذكراتي” أو “مذكراتهدىشعراويرائدةالمرأةالعربية” كمانشرتهأمينةالسعيد،وهوعنوانيكاديكونمحايدًا. أماكتابالحفيدةفيركزفيعنوانهالأساسيكمالاحظالدكتور طارقالنعمانفيمقدمتهله، علىفعلالسفورأوإسقاطالحجاببماينطويعليهمنعنفومايمثلهمنرمزلانتهاءمرحلةوبدايةمرحلة. والحقيقةأنفعلإسقاطالحجابلميكنغائبًاعنمقدمةمارجوبدرانللجزءالذيترجمتهإلىالإنجليزيةمنمذكراتهدىشعراويعام 1986 تحتعنوانآخرهو “سنواتالحريم”،إذتسردفيالفقرةالأولىمنالمقدمةمشهدخلعالحجابفيمحطةالسكةالحديدبالقاهرةفي ربيع 1923 عندعودةهدىشعراويورفيقاتهامنمؤتمرروما.

أما ثانيمايميزكتابالحفيدةعنكتابالجدةمن وجهة نظر دومة، أنكتابالجدةبطبيعةالحاليستعيدذكرياتوأحداثذاتية،ومرويمنبدايتهبضميرالمتكلم، وإنحافظتفيهعلىقدركبيرمنالموضوعيةواستعانتبقدرالإمكانبالوثائقالمتاحة،أماكتابالحفيدةفمرويمنبدايتهبضميرالغائب،وتستندالجدةإلىذاكرةالطفولة،مضافًاإليهاماتحتفظبهمنوثائقحياتهاالتيالتحمتبحياةالوطن،بينماتستندالحفيدةإلىخيالالروائيةالذيتغذيهدوافعذاتية،ويغذيهالتاريخالشفويالذيسمعتهالحفيدةمنرفاقجدتهاومحيطهاالعائلي،كماتغذيهالكتاباتوالوثائقالتاريخيةالمتاحةلهاوالمكتوبةبلغاتعدةوفيسياقاتمتنوعة.

لكنأهممايميزبينكتابالجدةوكتابالحفيدة،هوأنبينهماعقودًامنالتغيرفيحالالمرأةومصروالعالم،وأنالجدةماتتقبلأنتستكملإملاءمذكراتهاالتيتوقفتعندعام 1935 بينماتوفيتعام 1947،لتأتيالحفيدةوترىالصورةمنخارجهاومنبُعديزيدعلىالثمانينعامًا. بعدأناكتملت،وتحددتالمصائروالنتائجالنهائية.

ويستقصيالكتابويبحثفيزواياخاصةمنحياةهدىشعراويوأفكارها،ويبدوالفصلالأخير”الجمعيةالعامةللأممالمتحدةتقسمفلسطين”،وكأنه يصنعموازاةرمزيةبينتقسيمفلسطينوموتالجدةالتيدافعتعنالحقطيلةحياتها، وتحكي سنية شعراويعن طريقة تعاملجدتهامعالطباخ،الذيلميكنسوىالنحاتالشهير”عبدالبديععبدالحي”،وسعيهالتشجيعهعلىبلورةمهاراتهالفنية، كماتفاعلت معخيبةأملهاعندمولدالحفيدةالأولى، فذلكيشهدعلىأنها مثلالأمهاتالعربيات اللواتي يرتجين أحفادهن أولادا، أما اهتمامهابحياةابنهاوالعملعلىتقويمهواختيارزوجتهفيشهدعلىمشاعرهاالأموميةككلأممصرية، وقدرأتالأزهري فيسردالمؤلفةلهذهالمواقفجانبًاايجابيًايسعىلتقديمأيقونةالنسويةالعربيةكامرأةمصريةصميمةفيمايخصحياتهاالشخصية.

زر الذهاب إلى الأعلى