حوار مع المخرجة العراقية خيرية المنصور.. ما زلت أسيرة “شاهين” والسينما العراقية تمر بمخاض في مواجهة الأفكار البالية

أحمد عبد الحافظ
منذ عام 1980 وحتى عام 2003 قدمت الفنانة خيرية المنصور، التي تعتبر المخرجة العراقية الأولى التي خاضت غمار العمل في الفن السابع، أكثر من 80 فيلما سينمائيا وتسجيليا، وتلفزيونيا في كل من العراق ومصر وسوريا والأردن، فضلا عن عدد من المسلسلات والسهرات التلفزيونية, وقد شاركت في العديد من المهرجانات الدولية، وحصلت على جوائز مهمة، وتم اختيارها عضوا في كثير من لجان التحكيم السينمائية.
وبدأت المنصور تجربة العمل في مجال السينما كمساعدة مخرج مع مخرجين مصريين مهمين مثل توفيق صالح في فيلمه “الأيام الطويلة”، وصلاح أبو سيف في فيلم “القادسية”، ويوسف شاهين في أربعة أفلام هي “حدوتة مصرية” و”اسكندرية كمان وكمان” و”المصير” و”كلها خطوة”، ومحمد راضي في فيلم “حائط البطولات”، أما المخرجة إيناس الدغيدي” فقد عملت معها مخرجا منفذا في فيلم “الوردة الحمراء”…. وفي زيارتها حاليا للقاهرة لتوقيع كتابها “شرنقة شاهين” كان معها هذا الحوار حول مسيرتها السينمائية في مصر وطموحاتها للسينما العراقية.
عملتِ مساعدًا لمخرجين مصريين كبار أمثال توفيق صالح، صلاح أبوسيف، محمد راضى، يوسف شاهين، كيف كان العمل مع كل منهم، وما الفرق بينهم وبين شاهين الذي طالت رحلة عملك معه؟
نعم كنت محظوظة جدا بالعمل مع مخرجين كبار، فلكل مخرج أسلوبه الخاص به في إخراج عمله، وفي تكوين ورسم كادراته السينمائية، والتعامل مع الممثلين، وقد استفدت قطعا من عملي معهم، ولكن يوسف شاهين له مدرسته وأسلوبه الذي يتميز به ويختلف عن بقية المدارس الأخرى في كل شيء، فلديه عالم ساحر وراقي ومعرفي.

وقد اشتغلت وكانت فرصة ذهبية لي لا تعوضها أي دراسة أكاديمية، لأني واكبت العمل في “حدوتة مصرية” من كتابة السيناريو إلى السيناريو التنفيذي ثم التصوير والمونتاج والموسيقى التصويرية ووسائل الدعاية حتى ظهور النسخة النهائية للفيلم وعرضه للجمهور، وهذا الفيلم كان له صدى رائعا في العراق حين تم عرضه هناك وهو ما أثلج قلب شاهين.
هل رأى يوسف شاهين أعمالا سينمائية لك وماذا عن رأيه فيها؟
أولا الفضل كل الفضل له فيما قدمت من أفلام، فهو الذي نهلت من مدرسته أبجديات السينما، ووضع قدمي في هذا العالم وقادني بكل اعتزاز واصرار، وكان لا يبخل عليَّ بأي جواب لاسئلتي المتلاحقة ويشرح لي.

حينما شاهد فيلمي الروائي الأول ” 6 / 6″ كان سعيدا بما شاهده، والذي كتبت له السيناريو والحوار، وقال رأيه وقتها للصحافة العراقية “بفيلم خيرية بدأت سينما عراقية جديدة مزقت كل الدعاية الفجة والإعلامية التي صاحبت الفيلم العراقي.

استمر عرض فيلمي ثلاث شهور بثلاث دور سينما، وكنت مبسوطة برأيه بالفيلم، ووقتها قال لي لا تتوقفي ستكونين مخرجة لك شأن في الساحة السينمائية، ولا تتنازلي عن حقك أبدا، ونفذي ما تؤمنين به، وهذه وصيته التي أعتز بها، وقد سببت لي الكثير من المشاكل مع الإدارة الحكومية للسينما، فليس لدينا قطاع خاص يقوم بدور في الانتاج، والقطاع العام الممول من الحكومة يضطلع بالمهمة وحده.
ما الذي كان يفرضه ذلك من تبعات وكيف استطعتِ التحايل عليها؟
هم يرون أن الأفلام يجب أن تعكس ما تريده الحكومة، ولكني بالكوميديا اخترقت هذه السياسة التي قاموا بفرضها على العمل السينمائي، وقدمت فيلم “6/ 6 ” بطولة الفنان قاسم الملاك، وليلى محمد، ويعد نقلة نوعية في تاريخ السينما الكوميدية العراقية، وقد حصل على جائزة الإبداع السنوية من وزارة الثقافة العراقية، وتم عرضه في مهرجان معهد العالم العربي بباريس.
وهناك أيضا فيلم “100 / 100” سيناريو واخراجي ويعود لعام 1992، لكن كانت هناك الكثير من العراقيل، ولم يكن طريقي سهلا أو معبدا أمامي، بل بالعكس تعبت جدا، وكل فيلم قدمته كان يصاحبه المشاكل والمشادات والصراعات.
لكن بالتأكيد هناك جوائز وتكريمات تزيل هذه المتاعب؟
بالطبع فقد حصلت عن فيلم “انظروا” عام 1991 على الجائزة الأولى في المغرب، وأحسن فيلم تسجيلي في العراق وشهادة تقدير من مهرجان المبدعات العربيات بتونس، وعن فيلم “أحلام بيضاء” حصلت على الجائزة الذهبية في مهرجان الأفلام التسجلية في العراق، وجائزة الابداع السنوية التي تقدمها وزارة الثقافة، وشهادة تقدير من جمعية نقاد السينما في مصر، وعن “عاشق السينما” حصلت على الجائزة الأولى من مهرجان معهد الفنون الجميلة بالعراق.
لديك مشروع فيلم تقومين بكتابة السيناريو الخاص به لإحدى الشركات الأمريكية.. ما هي تفاصيله؟
نعم هناك سيناريو كتبته في أميركا بعنوان دعونا نغني “Let’s Sing”، ولكن ظروف حدثت على الساحة منها انتشار الكورونا أعاقت ظهوره للنور. وقد أدت تقريبا لتوقف الإنتاج السينمائي إلا من بعض الشركات الكبيرة، وقد تم تأجيل العمل به، والآن السينما تمر بمرحلة كساد اقتصادي، وأنا أحاول حاليا أن أسابق الزمن وأقوم بعرضه على شركات عربية لتمويل انتاجه، لأنه يناقش الوضع العربي.
قدمتِ كتابا للحديث عن رحلة تصوير وإنتاج فيلم “حدوتة مصرية” ما هي الأهداف التي سعيت لتحقيقها من ذلك؟
الكتاب هو “شرنقة شاهين” والهدف منه؛ أولا أن يعرف محبو الفن السابع سينما يوسف شاهين، أما الثاني فيخص طلبة السينما ودارسيها، ربما يجدون ما يفيدهم بين طياته والثالث وهو الأهم أن أعترف بعرفان وفضل أستاذي الذي نهلت من مدرسته السينمائية وتأثرت بها.
تحدثتِ في الكتاب عن لقائك مع المخرجة إيناس الدغيدى، على هامش مهرجان القاهرة السينمائى، ونصيحتها لك بالخروج من شرنقة شاهين والبحث عن ذاتك في السينما.
متى كان قرارك بالخروج من الشرنقة وكيف كان وما الذي أخذته منها في رحلتك السينمائية بعد شاهين؟
إيناس مخرجة ذكية وصاحبة حرفة وتعجبني أفلامها الجريئة، وتطرح أفكارها بصورة معبرة ودائما أقف في صفها، وانتصر لها، فهي تقول ما تريده وتؤمن به، وأفلامها هادفة، وهي عبارة عن صرخة احتجاج ضد قسوة المحتمع تجاه المرأة. الدغيدي أيضا صادقة مع الصورة التي ترسمها وهي صرخة حق، وقد هوجمت كثيرا لأن مجتمعنا مجتمع ذكوري لا يرغب أن تكون هناك امرأة تصرخ، وتطالب بحقوقها بالإضافة إلى الغيرة الهدامة من قبل الوسط الفني من نجاح أي امرأة، وخاصة التي تقول ما تؤمن به وتقدم أفلاما ناجحة. لكن الانتقادات التي وجهوها لها لم تؤثر فيها، لأنها مناضلة، وقد ظلت صامدة، وتجاوزت كل من أراد لها أن تختفي، لكنها استمرت متقدة بالابداع والتألق.
لكن ماذا عن “شرنقة شاهين” هل سعيت للخروج منها؟
ما زلت أسيرة مدرسة شاهين بعملي، ورغم أن ظروف الحياة تغيرت إلا أنني لم أمزق شرنقته، وإيناس معرفتي بها قديمة وأرادت مني أن أتعرف على الوسط السينمائي أكثر، لذلك اشتغلت معها في فيلم “الوردة الحمراء” وكونت صداقات مهمة.
أنتِ المخرجة الوحيدة في العراق حتى الآن ما هي المعوقات التي تقف أمام دخول المرأة العراقية مجال الإخراج السينمائي؟
نعم أنا المخرجة السينمائية الأولى في العراق، لكن الأن هناك شابات أتمنى لهن التوفيق في عملهن، فالمجتمع الذكوري الذي نعيش في وسطه لا يؤمن بقدرات وإبداعات المرأة المخرجة، وكأن الإبداع في الإخراج حكرا على الرجال، وأنا أرى أن المرأة المخرجة أكثر قدرة على فهم الواقع لأنها تمسك بالكاميرا مثل معول لتهدم كل فكر بال، لا تهمها الأعراف السائدة، وإنما تطمح بحياة طيبة للمجتمع والمرأة التي سلبت منها حريتها بدون وجه حق.
هل تؤثر هذه الجرأة على مسيرة المرأة السينمائية؟
المنتج يخاف من المرأة المخرجة لأنها تسعى لكسر الأطر الإجتماعية البالية، وهو حريص على ما يراه في الواقع، لكنه إن وافق على أفكارها وساندها فهذا يعني خسارة الشباك فلذلك لا يحبذ معظم المنتجين الخروج عن المألوف.
كيف ترين السينما العراقية في تحولاتها مع الواقع الذي تمر به العراق بين صدام والحرب ثم داعش وغير ذلك من أحداث وأزمات تطال الإنسان العراقي؟
– العراق الآن يمر في حالة مخاض وإثبات وجود، فمن يتحكم ويحكم العراق مليشيات دموية، ولكن هناك شذرات فنية متوهجة على يد شباب واعد يؤمن بالسينما أداة تغيير، وهم في صراع بين ما يريدون وبين السائد من قيم بالية عفا عليها الزمن، وحتما سوف ينجحون لانهم يمتلكون إرادة جبارة من أجل بقاء وطنهم سليما معافى.
لمزيد من الأخبار زور موقعنا: الوسط العربي