راضية الحداد.. صوت النساء المقهورات.. ناضلت من أجل المشاركة السياسية

تقرير: نجوى إبراهيم
واصلت” راضية الحداد “مسيرتها النضالية ..ومضت نحو إعلاء مكانة المرأة..ودافعت عن النساء المهمشات ..وحاربت التقاليد البالية.
انخرطت” راضية الحداد” في الحزب الدستوري الجديد سنة 1952 ومع قرب استقلال تونس بدأ التخطيط لإحداث الاتحاد القومي النسائي التونسي، كانت راضية الحدّاد من مؤسّساته.
منذ عام 1956 قدم الاتحاد القومي للنساء التونسيات نفسه كمنظمة نابعة من حزب الدستور الجديد الحاكم، وضم في عضويته الرئيس بورقيبة، وكانت العضوية تضم حليفات سياسة بورقيبة، وقد حددن مهامه في الإعلان الذي صدر عن مؤتمره الدولي العام 1958، وهي تنظيم النساء في منظمة نسائية تهدف للنهوض بمستواهن الثقافي والاجتماعي، ومحاربة جميع أنواع القيود التي تعوق حركة المرأة. حيث أصبح من الضروري محاربة التقاليد البالية التي تمثلها النساء، وتحكمت في حياتهن، وأيضا إقناع الرجال بعدالة قضية المرأة، وتطوير العلاقة بين الجنسينوفى عام 1957 تولت راضية الحداد رئاسة الاتحاد وحتى عام 1972.
الحركة النسائية في تونس
توضح راضية الحداد فى مذكراتها شكل الحركة النسائية في تونس فى ذلك الوقت قائلة : لقد مرت الحركة النسائية في تونس بالعديد من المراحل بـ «اتحاد النساء المسلمات التونسيات»، الذي تكون العام 1936 برئاسة «بشيرة بن مراد»، وتعتبر نشأته استمرارا لمؤسسة الزيتونة بسماتها القوية والإسلامية.
قد دعا الاتحاد للانتماء الإسلامي العربي، لكن عضواته كن يرفضن أوضاعهن التقليدية، وأعدن قراءة النص القرآني برؤية جديدة. تبرز الجوانب الإيجابية المتعلقة بالنساء، وركزن نضالهن ضد أنواع التخلف، وكان هذا الاتحاد من أولى المدارس لعدد من المناضلات التونسيات، ولم يكن يهدف لهدم النسق القيمي الإسلامي. بل كان جزءا متكاملا من آليات النظام للحفاظ على النفس.
وتستطرد راضية الحداد قائلة: لقد تكون «اتحاد النساء المسلمات التونسيات» تحت مظلة الحزب الشيوعي التونسي في أواخر العام 1944، وانضم إلى الاتحاد النسائي الديموقراطي العالمي في نوفمبر 1945، واعتمد يوم «8» مارس يوما عالميا للمرأة، وقد كرس الاتحاد جميع مجهوداته للسلام العالمي، والتحرر التونسي، معتبرا النازية أعلى تعبير عن تحالف الاحتكارات الكبرى والاقطاع.
وخلال هذا العمل تم تطوير بعض الأنشطة تجاه المرأة، كما تكون خلال هذه الفترة «الاتحاد القومي للنساء التونسيات»، وبالرغم من الاختلاف الأيديولوجي بين المنظمتين السابقتين، فقد كان موقفهما من قضية التحرر الوطني متقاربا.
وكانت كل منهما تعتبر نفسها جزءا من القوى الاجتماعية، التي تهدف لتحرير البلاد، فعلى حين كان توجه المنظمة الأولى ينطلق من تعاليم القرآن والاندماج في المجتمع العربي المسلم، نهجت الثانية طريق تحريك النساء بهدف إسهامهن في عملية التحويل الجذري للمجتمع، وفي هذا الوقت كانت هناك ضرورة لتأسيس «الاتحاد القومي للنساء التونسيات» في إطار مشروع مجتمعي يعتبر تحرير المرأة جزءا من مهمة البناء الوطني.
وضع المرأة القانوني في تونس
الوضع القانوني للمرأة في تونس تم تطويره بإصدار مجلة «الأحوال الشخصية» في 13 أغسطس 1956 بعد الإستقلال، فكان النهوض بالمرأة وثيق الصلة باستعادة السيادة الوطنية.
ذكرت راضية حداد في مذكراتها أن الدولة التونسية قامت بتوحيد تشريع القوانين الخاصة بالمرأة وتطبيقها، وتغاضت عن أي مصادر تشريعية أخرى، والتي لا يمكن تصنيفها كمصادر وضعية، واعتبرتها فقط مجرد مراجع يُلجأ إليها في حالة وجود لبس أو تصور في القواعد القانونية، وينطبق هذا خصوصا على الشريعة الإسلامية.

كانت تونس تبدو دائما باعتبارها بلدا في حالة تغيير مستمر تنامى فيها الإصلاح بشكل دائم بسبب موقعها الوسطي بين الشرق والغرب، وفي أوائل العام 1857 تم إعلان «عهد الأمان»، والذي يتضمن حقوق المواطنة والحريات الأساسية، وفي ذلك الوقت ظهر عدد من الإصلاحيين الذين دافعوا عن المرأة، حيث طالب الوزير الإصلاحي «خير الدين التونسي» بتعليم النساء.وفي العام 1930 نشر طاهر حداد كتابه: «امرأتنا أمام القانون والمجتمع»، الذي نادى فيه بتعليم المرأة وإلغاء تعدد الزوجات، ومع توالي هذه الأحداث. انقسم المجتمع إلى تقليديين يدافعون عن المحافظة على الوضع القائم في تشريعات الأسرة، وتقدميين استندوا إلى كتاب طاهر حداد. كمرجع لتغيير أوضاع النساء، ومع صدور «مجلة الزمان» الأسبوعية في العام 1930، أصبحت هذه الأفكار أكثر تحديدا.

دافعت المجلة عن نظرية طاهر حداد، وصدرت أول مجلة نسائية في العام 1936 باسم مجلة «ليلى»، وفي العام 1946 فتحت مؤسسة الزيتونة تحت عمادة الشيخ طاهر بن عاشور. قسما للنساء، ما سهل حصولهن على التعليم، كل هذه الأحداث، والأفكار نتج عنها تغيير وضع المرأة في الاعتبار، وكانت عونا للمناضلة راضية الحداد فى مواصلة مسيرتها ،و فيما يتعلق بعقد الزواج تم تنظيم عدد من الأمور المتعلقة بالزواج، والتي انتهت بمشروع قانون لتوحيد جميع النصوص الخاصة بالأحوال الشخصية.
قانون الأحوال الشخصية
وحول سن قانون الأحوال الشخصية تقول راضية الحداد: إنه في 22 مايو 1941 صدر أول مرسوم من الحاكم «الباي» في تونس لتحديد الحد الأعلى للمهور ولجهاز العروس بهدف تقليل نفقات الزواج المرتفعة، التي كانت تلتزم بها العائلات المسلمة في تونس، وتعتبر من العادات التي لا تتماشى مع أحكام الشريعة الإسلامية، لذلك كان يجب معالجة هذا الوضع الاجتماعي، الذي يعوق الزواج، ما يضر بالمجتمع.
اعتبرت راضية الحداد هذا المرسوم مسايرا لنضالها ضد جميع التقاليد، التي تعوق تطور وتقدم المجتمع، والإصلاح الاجتماعي، وفي العام 1947، قامت لجنة برئاسة شيخ المذهب المالكي «محمد عبدالعزيز جعيت» لوضع مشروع قانون للأحوال الشخصية، وفقا للشريعة الإسلامية بهدف وضع حد للتناقض بين المذهبين الحنفي والمالكي، واستنباط أساسيات للأحوال الشخصية، والحقوق الأساسية في هذين المذهبين،وتكونت هذه اللجنة من محامين وقضاة ورجال الإفتاء، وعدد من الشيوخ من كلا المذهبين، وأعدت اللجنة في سبتمبر 1948 مقترحا قانونيا سمي «جعيت»، وفي العام 1956 حين صدر قانون الأحوال الشخصية، أنكر الشيخ «جعيت» أي وجه تشابه بينه وبين القانون الذي شارك هو في وضعه من قبل، وأنكر أن تكون له أي علاقة بهذا القانون، وذكر أن تكييف القوانين للعصر الحديث لا يتعارض مع الإسلام.
دور مجلة «الأحوال الشخصية» حول حقوق المرأة التونسية
منذ إصدار مجلة «الأحوال الشخصية» أدخلت إصلاحات مهمة تتعلق بحقوق المرأة التونسية، وتعتبر فترة السبعينات، وخاصة النصف الثاني منها. لحظة تاريخية مهمة على الصعيدين «الإجتماعي والاقتصادي» في تونس.إذ تمثل حدا فاصلا، وضحت فيه الأزمة العامة للنظام على صعيدي القيادة السياسية والإدارة الاقتصادية، فعلى المستوى الاقتصادي نجد التناقض بين الليبرالية التجارية، والطبقات الاجتماعية الأخرى، وما نتج عنه من ازدياد حركة الإضرابات التي وصلت ذروتها في الإضراب العام في 26 يناير 1978، والعصيان العام، الذي واجهته الشرطة بالقمع.
أما على الصعيد السياسي، فإن المظاهر العامة للمطالبة باحترام الحريات، وعلى وجه التحديد تأسيس الرابطة التونسية لحقوق الإنسان، وقد هزت تماسك السلطة السياسية، وخطابها عن الوحدة الوطنية، ومن قلب هذا الإطار العام من المتغيرات، والجدل ظهرت النواة الأولى للحركة النسائية التونسية المستقلة.
تؤكّد راضية الحدّاد في مذكراتها أنّ إقرار مجلّة الأحوال الشخصية في 1956 لم يكن لينجح لولا التدخل الشخصي والمباشر لبورقيبة وتذكر أنّه دون إرادة بورقيبة لم يكن لأي إصلاح راديكالي أن ينجح ذلك أنّ كل البلدان العربية التي تخلّصت من الاستعمار لم تتمكّن من القيام بثورة اجتماعية بهذا الحجم (حديث امرأة ص 12) مضيفة أنّ جلّ المسؤولين السياسيين بتونس في بداية الاستقلال كانوا متخوّفين من إمكان ردّ فعل سلبي من الرأي العام ضدّ هذه المجلة التي تُعَدّ في نظر المحافظين آنذاك خروجا عن التقاليد السائدة.
لمزيد من الأخبار زوروا موقعنا: الوسط العربي