فشل “حارس الازدهار” في البحر الأحمر يدفع أوروبا لعملية “أسبيدس”

تقرير: علي عبد الجواد
أطلق الاتحاد الأوروبي تحالفاً جديداً تحت اسم عملية “اسبيدس” الذي يعني باليونانية “الدرع” في التاسع عشر من فبراير الجاري، إيذاناً بتوسع رسمي للصراع في البحر الأحمر وتعقد أفق الحل في الشرق الأوسط، واعترافاً بفشل “حارس الازدهار ” في تحقيق نتائج حقيقية ملموسة أمام الهجمات الحوثية التي لم تتوقف رغم الضربات الأمريكية البريطانية على الجماعة.
مهام عملية “أسبيدس”
تهدف العملية إلى حماية السفن التجارية من هجمات الحوثيين، خاصة في مضيق باب المندب، أحد أهم ممرات الشحن البحري في العالم، كما تقوم الفرقاطات والسفن الحربية المشاركة في العملية بمواكبة السفن التجارية خلال رحلتها في البحر الأحمر وخليج عدن، وتقديم الدعم والمساعدة في حال تعرضها لأي تهديد.
تهدف العملية إلى اعتراض وإسقاط الصواريخ الموجهة التي يطلقها الحوثيون على السفن التجارية في البحر الأحمر، حيث تمتلك الفرقاطات والسفن الحربية المشاركة في العملية أنظمة دفاع جوي متطورة قادرة على رصد واعتراض الصواريخ الموجهة.
بينما تسعى فرنسا من خلال عملية اسبيدس إلى تعزيز حضورها العسكري في منطقة الشرق الأوسط، وموازنة النفوذ المتزايد لروسيا والصين في المنطقة، كما تهدف العملية إلى تأكيد حرية الملاحة البحرية في البحر الأحمر وخليج عدن، ومنع أي دولة من فرض هيمنتها على هذه الممرات المائية الاستراتيجية.

تركز عملية “اسبيدس” على الدفاع عن السفن التجارية ومواجهة هجمات الحوثيين، دون الاشتراك في أي ضربات هجومية ضد الجماعة الحوثية، حيث تسعى فرنسا من خلال العملية إلى لعب دور الوسيط بين الأطراف المتصارعة في اليمن، ودعم الجهود الدولية لحل الأزمة اليمنية.
أسباب إطلاق عملية “أسبيدس”
- الهيمنة البحرية الغربية: لا يزال الغرب يسيطر على البحار، والقوى البحرية الغربية منتشرة من سواحل أفريقيا الغربية إلى المحيد الهندي، مروراً بالمتوسط، والبحر الأحمر وباب المندب. لن يسمح الغرب بتحدي هيمنته على البحار والمحيطات، خاصة من لاعب من خارج إطار الدولة ويعبر عن جماعة متمردة.
- فشل الولايات المتحدة: رفضت أوروبا في البداية المشاركة في مهمة حارس الازدهار، معتقدةً أن الولايات المتحدة قادرة على هزيمة الحوثيين بسهولة. دقت التصريحات الأمريكية بإعلان الفشل في ردع الحوثي ناقوس الخطر لدى أوروبا.
- تأمين الطاقة: أدى انخفاض شحنات الغاز المُسال إلى أوروبا جراء اشتعال الحرب في البحر الأحمر إلى استشعار الدول الأوروبية الخطر بشأن تأمين مصادر الطاقة الاستراتيجية بالنسبة لها.
- مستقبل حلف الناتو: من المحتمل أن تنامي احتمالات فوز دونالد ترامب الذي هدد دول حلف الناتو مراراً بأن الولايات المتحدة لن تحميهم دون مقابل. قد يدفع ذلك أوروبا إلى البدء في اتجاه الدفاع عن نفسها تحت مظلة الاتحاد الأوروبي بدلاً من الناتو.
القدرات العسكرية لعملية “أسبيدس”

استخدم الاتحاد الأوروبي أسطوله البحري الموجود في مضيق هرمز المتواجد هناك منذ 2020 حيث تم نقله من هرمز إلى مضيق باب المندب ومنطقة المياه الدولية المقابلة لليمن.
ويتشكل الأسطول البحري التابع للاتحاد الأوروبي في مضيق هرمز ومياه الخليج العربي من كل من فرنسا والدنمارك وبلجيكا وهولندا وانضمت لهم ألمانيا بعد موافقة البوندستاغ الألماني على المشاركة.
ويقع مقر قيادة أسطول الاتحاد الأوروبي في العاصمة الإماراتية أبو ظبي، لكن الاتحاد الأوروبي أعلن أن قيادة عمليات أسطوله ضد الهجمات اليمنية ستكون من اليونان لاقترابها جغرافياً من منطقة العمليات المُستهدفة.
وتتكون القطع البحرية للأسطول الأوروبي من الفرقاطة الفرنسية “كوربيه” والفرقاطة الهولندية “دي رويتير” إضافة لفرقاطة دنماركية، في حين أعلنت أيضاً ألمانيا إنها سترسل فرقاطة للانضمام لقطع الاتحاد الأوروبي في باب المندب والبحر العربي، فيما أعلنت إيطاليا أنها ستشارك أيضاً لكن لم تفصح عن طبيعة مشاركتها.
آفاق نجاح عملية “أسبيدس”
في ظل فشل “حارس الازدهار” الذي مثل مهمة هجومية قوية من جانب أكبر قوة في النظام الدولي وهي الولايات المتحدة، فإنه على الأرجح إطلاق مهمة دفاعية لن يكون مرشحاً لتحقيق فارق كبير في ميزان القوى.
ويعبر قرار مشاركة الدول الأوروبية في تأمين الملاحة في البحر الأحمر على الأغلب عن رغبة أوروبية لإثبات الوجود وتثبيت أقدامها في ظل عسكرة شاملة للممر الملاحي الاستراتيجي الدولي.
ورغم اقتصارها على الدفاع بحسب تصريحات الاتحاد الأوروبي فإن التركيز على حماية السُفن من الممكن أن يؤدي إلى مزيد من إفشال الضربات الحوثية لكنه لن يمنعها بشكل كامل على الأرجح.
ختامًا، يمكن القول أن رؤية مهمة “اسبيدس” عبرت عن تنامي الانقسام الأوروبي الأمريكي، وسعي الاتحاد الأوروبي إلى تشكيل قوة لها رؤية خاصة تختلف عن الرؤية الأمريكية وتعمل بمعزل عنها، وهي رؤية دفاعية في الأساس.
وتُمثل مهمة “اسبيدس” بنفس القدر الذي مثلته عملية حارس الازدهار – رؤية نابعة من الهيمنة الغربية التي تلجأ للعسكرة والسيطرة على البحار دونما اعتبار لوسائل بديلة مثل دعم الحكومات وبناء قدراتها لمواجهة التحديات، وهو ما عبرت عنه الحكومة اليمنية الشرعية مراراً بأهمية الدعم الدولي لها إزاء الحوثيين بما يسهم في إنهاء أخطارهم.
عبرت المهمة عن توافق مع الرؤية الأمريكية في السعي إلى التعاطي مع مسألة التصعيد الحوثي في البحر الأحمر باعتبارها مسألة منفصلة عن حرب غزة، بينما أكد الحوثيون منذ بدء الهجمات أنها ستقف بمجرد وقف إطلاق النار في غزة.
ويمثل الإصرار الأوروبي والأمريكي والبريطاني على دخول حرب دولية ضد الحوثي عن رغبة غربية شعواء لردع الجماعة المتمردة التي تجرأت على خلخلة هيبة الأقطاب الدولية الكُبرى لحفظ ماء وجه الغرب أمام ما يعتري مركزه الدولي المُهيمن على العالم من أخطار تنذر بتراجعه وانهياره أمام حركة متمردين مثل الحوثيين.
لمزيد من الأخبار زوروا موقعنا: الوسط العربي
