أخبارحول الخليج

تأثير قرارات المنظمات الدولية على إيران.. الأمم المتحدة نموذجًا

تقرير: علي عبدالجواد

تواجه إيران منذ سنوات عديدة تحديات كبيرة على صعيد استقرارها الداخلي والخارجي، تُعزى بشكل كبير إلى فرض عقوبات دولية عليها من قبل مجلس الأمن الدولي والولايات المتحدة الأمريكية، تهدف إلى الضغط عليها لتغيير سياساتها، خاصة فيما يتعلق ببرنامجها النووي ودعمها للجماعات المسلحة في المنطقة.

ومنذ الشروع في تطوير برنامجها النووي، واجهت إيران سلسلة من قرارات مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة التي فرضت عقوبات على مختلف قطاعاتها، والتي أثرت بشكل كبير على استقرارها الداخلي وعلاقاتها الخارجية.

وتبنى مجلس الأمن منذ عام 2006 وحتى 2020، سبع قرارات ركز معظمها على تقييد أنشطة إيران النووية وفرض عقوبات اقتصادية وعسكرية.

كما تنوعت العقوبات لتشمل حظر توريد الأسلحة والمواد ذات الاستخدام المزدوج، وتجميد أصول بعض الأفراد والكيانات الإيرانية، وحظر التعاملات المالية مع بعض البنوك الإيرانية، ومنع السفن الإيرانية من دخول بعض الموانئ.

وأدت العقوبات إلى تدهور الاقتصاد الإيراني، وارتفاع معدلات التضخم والبطالة، وزيادة الاستياء الشعبي، وتقييد العلاقات التجارية والاقتصادية مع الدول الأخرى، وزيادة التوتر بين إيران والمجتمع الدولي.

قرارات مجلس الأمن بشأن إيران

   

أصدر مجلس الأمن سبعة قرارات تتعلق بالبرنامج النووي الإيراني، لكن القرار الوحيد الساري حاليًا هو القرار 2231 الصادر في 20 يوليو 2015، الذي صادق على خطة العمل الشاملة المشتركة.

وتبنت الأمم المتحدة سلسلة من القرارات المتعلقة بأسلحة إيران، حيث أصدر مجلس الأمن القرارات 1737، 1747، 1803، 1929، و2231 بشأن برنامجها النووي.

ويعتبر القرار 1737 أول قرار تم اعتماده في ديسمبر 2006، وطالب إيران بتعليق أنشطتها المتعلقة بتخصيب اليورانيوم، تبعه القرار 1747 في مارس 2007، الذي فرض قيودًا على توريد الأسلحة والتصدي لنقل الأسلحة من وإلى إيران.

وفي العام التالي، اتخذ مجلس الأمن القرار 1803 في مارس 2008، الذي عزز القيود السابقة وأضاف قيودًا على المعاملات البنكية الإيرانية، فيما شدد القرار 1929 الصادر في يونيو 2010، على القرارات السابقة وأضاف عقوبات إضافية، بما في ذلك حظر الصواريخ والأسلحة الثقيلة.

و اعتمد مجلس الأمن القرار 2231 في يوليو 2015، الذي ألغى جميع القرارات السابقة بعد مرور عشر سنوات من اتفاق خطة العمل الشاملة المشتركة.

هزيمة مذلة للولايات المتحدة

وأثارت محاولات الولايات المتحدة في عام 2020 لتمديد حظر الأسلحة على إيران انتقادات ومعارضة من قبل بعض الدول الأعضاء الأخرى في المجلس، فبعد أن انتهت في أكتوبر 2020، صلاحية جميع قرارات حظر الأسلحة السابقة على إيران، وحظر السفر على قائد فيلق القدس، قدمت الولايات المتحدة مشروع قرار لمجلس الأمن يدعو لتمديد حظر السلاح على إيران، لكن وزيرا خارجية روسيا والصين انتقدا هذا الاقتراح وأشارا إلى استعدادهما لاستخدام الفيتو لرفضه.

وقدمت الولايات المتحدة في أغسطس 2020، مسودة جديدة لتمديد حظر الأسلحة، تقترح تمديد الحظر إلى أجل غير مسمى، ولكن مجلس الأمن رفض المشروع بعدما لم يحصل على الأصوات اللازمة للتمرير.

ردًا على ذلك، أعربت الولايات المتحدة عن استيائها وتهديدها بتطبيق آلية لاستعادة جميع العقوبات على إيران، فيما وصفت إيران رفض المجلس للاقتراح الأمريكي بأنه هزيمة مذلة للولايات المتحدة، واعتبرته إساءة استخدام الولايات المتحدة للقانون.

تداعيات قرارات مجلس الأمن على طهران

يتضح من العرض السابق أن مجلس الأمن الدولي، وخاصة من خلال قراراته المتعلقة بالبرنامج النووي الإيراني، لعب دوراً حاسماً في تشديد العقوبات على إيران وفرض قيود على نشاطاتها النووية والعسكرية، ومن الملاحظ أن القرار 2231، الذي صدر عام 2015 وألغى العديد من القرارات السابقة بعد توقيع اتفاق خطة العمل الشاملة المشتركة، مازال ساري المفعول ويشكل إطاراً للمفاوضات الدولية حول البرنامج النووي الإيراني.

وبالتالي، يظهر بوضوح أن قرارات المنظمات الدولية، وخاصة مجلس الأمن الدولي، تلعب دوراً بارزاً في تحديد مسار العلاقات الدولية واستقرار الدول، وقد أظهرت تجربة إيران أن فرض العقوبات الدولية يمكن أن يكون له تأثير كبير على حياة المواطنين والسياسات الحكومية.

ولا شك أن قرارات مجلس الأمن الدولي ألقت بتداعياتها على استقرار إيران، وفرضت العديد من التأثيرات التي تمثلت في تأثيرات مباشرة وتأثيرات غير مباشرة.

ويأتي فرض العقوبات الاقتصادية، في صدارة هذه التأثيرات، حيث أدت هذه العقوبات إلى تدهور الاقتصاد الإيراني، مما أسفر عن ارتفاع معدلات التضخم والبطالة وزيادة الاستياء الشعبي.

وكان لتقييد العلاقات الدولية تأثير كبير على طهران، إذ أدى إلى تقييد علاقاتها مع الدول الأخرى، مما أثر على قدرتها على التجارة والاستثمار، كما أدى انسحاب الولايات المتحدة من خطة العمل الشاملة المشتركة إلى زيادة التوتر بين إيران والولايات المتحدة.

من ناحية أخرى، فإن التأثيرات غير المباشرة تضمنت تقوية التيار المتشدد في إيران بسبب العقوبات والضغوط الدولية، مما دفع في اتجاه الأهداف الأمريكية الخاصة بزعزعة استقرار النظام في البلاد.

وحاولت الولايات المتحدة من خلال تلك القرارات والعقوبات التي فرضت على طهران، تأزيم الأوضاع الاقتصادية وخلق حالة من الحراك الشعبي، مما يزيد من توتر الوضع الداخلي في البلاد.

بالإضافة إلى ذلك، فإن الضغوط الدولية ساهمت في تدهور حقوق الإنسان في إيران، وهو ما حاولت الولايات المتحدة والغرب استخدامه لزعزعة استقرار النظام الحاكم.

ولا شك أن إيران واجهت في ظل هذه التأثيرات تحديات عدة، بما في ذلك السيطرة على التضخم والبطالة وتحسين العلاقات مع الدول الأخرى، بالإضافة إلى الحفاظ على استقرار النظام في ظل الضغوط الداخلية والخارجية.

مستويات العقوبات الأمريكية

يتنوع مستوى العقوبات الاقتصادية التي تفرضها الولايات المتحدة، حيث تُفرق بين العقوبات الجماعية التي تفرضها الأمم المتحدة بموجب الفصل السابع من ميثاق المنظمة الدولية، والتي تُلزم الدول كافة، والعقوبات الثنائية التي تُفرضها دولة معينة على دولة أخرى، والتي تفقد صفة الإلزام الجماعي، وهو ما يمكن الإشارة إليه في التالي:

العقوبات الجماعية:

تُفرض هذه العقوبات من قبل الأمم المتحدة بموجب الفصل السابع من ميثاق المنظمة الدولية، وتكون ملزمة لجميع الدول الأعضاء، وتهدف هذه العقوبات إلى معالجة الأزمات الدولية الخطيرة التي تُهدد السلم والأمن الدوليين، مثل العدوان أو انتهاكات حقوق الإنسان الجسيمة.

العقوبات الثنائية:

تُفرض هذه العقوبات من قبل دولة معينة على دولة أخرى، ولا تكون ملزمة للدول الأخرى، وتهدف هذه العقوبات إلى معالجة قضايا محددة بين الدولتين، مثل النزاعات التجارية أو انتهاكات حقوق الإنسان.

العقوبات خارج الحدود الإقليمية:

تُوسع الولايات المتحدة نطاق العقوبات لتشمل الشركات والمؤسسات الأجنبية التي لا تحمل الجنسية الأمريكية، أو فروع الشركات الأمريكية في العديد من بلدان العالم.

يُعد قانون “هيلمز-بيرتون” الصادر في عام 1996 نموذجًا بارزًا في هذا السياق، حيث يفرض عقوبات على الشركات غير الأمريكية التي تشارك في التجارة والاستثمار في كوبا.

حصار اقتصادي على إيران

تُعد العقوبات الاقتصادية أداة رئيسية في السياسة الخارجية الأمريكية، تهدف إلى فرض ضغوط اقتصادية على الدول المستهدفة، مما يؤدي إلى عزلها عن أكبر اقتصادات العالم ومراكزه المالية الرئيسية، وبالتالي التأثير سلبًا على قدرتها الاقتصادية وجذب الاستثمارات الأجنبية.

في عام 2019، انسحبت الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الإيراني، المعروف بخطة العمل الشاملة المشتركة، وأعادت فرض جميع العقوبات السابقة التي توقفت بموجب الاتفاق. شملت هذه العقوبات جميع الشركات التي تتعامل مع القطاعات الاقتصادية الرئيسية في إيران، بما في ذلك الطاقة والبنوك والشحن والنقل البحري، بالإضافة إلى المعاملات المتعلقة بالنفط مع البنوك الأجنبية والبنك المركزي الإيراني.

على مدار الأربعين عامًا الماضية، واجهت إيران سلسلة طويلة من العقوبات الاقتصادية من الولايات المتحدة وأوروبا، بالإضافة إلى عقوبات أحادية الجانب وعقوبات مفروضة بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة.

في عام 1996، فرضت إدارة الرئيس بيل كلينتون حظرًا شاملاً على التجارة والاستثمار الأمريكيين في إيران، مهددة بفرض عقوبات على المستثمرين من دول أخرى في قطاع الطاقة الإيراني.

في عام 2010، تبنى الكونجرس الأمريكي قانون “العقوبات الشاملة والمحاسبة والإغلاق في إيران” (CISADA)، الذي شدد العقوبات الأمريكية على الشركات التي تستثمر في قطاع الطاقة الإيراني وفرض عقوبات جديدة على الشركات التي تبيع النفط المكرر إلى إيران.

في عام 2011، مر قانون “ترخيص الدفاع الوطني” (NDAA) الذي سمح للإدارة الأمريكية بفرض عقوبات على البنوك الأجنبية التي تستمر في إجراء المعاملات النقدية مع البنك المركزي الإيراني في عام 2012.

شهد عام 2015 تحولًا هامًا في تاريخ العقوبات على إيران، حيث توصلت مجموعة 5+1 إلى “الاتفاق النووي”. أدى الاتفاق إلى تجميد تخصيب اليورانيوم وتفكيك البنية النووية الإيرانية، بالإضافة إلى رفع العقوبات المفروضة بسبب برنامجها النووي. ومع تجديد الإعفاءات الأمريكية في مايو 2017، تجددت الآمال في استقرار العلاقات.

ولكن، في مايو 2018، انسحبت الولايات المتحدة من الاتفاق النووي، مما أدى إلى إعادة فرض العقوبات الاقتصادية وتشديدها على جميع قطاعات الاقتصاد الإيراني في أغسطس 2018، بما في ذلك القطاعين المالي والنفطي.

في النهاية، يثير دور مجلس الأمن الدولي في فرض العقوبات بشكل متزايد تساؤلات حول فعاليته ونزاهته كهيئة دولية مسؤولة عن الحفاظ على السلام والأمن الدوليين، فعلى الرغم من الهدف المعلن لفرض العقوبات لتحقيق السلام والأمن، إلا أن هذه العقوبات غالبًا ما تؤثر بشكل كبير على المدنيين وتؤدي إلى تفاقم الأزمات الاقتصادية والاجتماعية في الدول المستهدفة، دون أن تحقق الأهداف المرجوة.

بالتالي، فإن هناك حاجة ملحة إلى إعادة النظر في آليات فرض العقوبات وتحسينها بما يتناسب مع مبادئ العدالة وحقوق الإنسان، وضمان عدم تأثيرها السلبي على السكان المدنيين وتفاقم الأزمات الإنسانية.

 

لمزيد من الأخبار زوروا موقعنا: الوسط العربي

زر الذهاب إلى الأعلى