عاجلمقالات

أبوبكر عبد السميع يكتب: موقف فرنسا من الحرب على غزة.. وعقدة دريفوس

 

منذ بدء العدوان الإسرائيلي على غزة بعد يوم السابع من أكتوبر نرى الموقف الفرنسي هو مرض” العقدة النفسية من التاريخ ” فالرئيس الفرنسي ماكرون كان أسرع الرؤساء الأوروبيين، الذي أطلق مقولة -حق إسرائيل الدفاع عن النفس- صحيح قد سبقه في مضمار حقيقة الرئيس الأمريكي بايدن وساسة أمريكا والتوابع بالمصالح من رؤساء دول وحكومات وجمعات ومنظمات، لكن الذي يكشف ويشف ويسف هو موقف رئيس فرنسا ماكرون، كشفته أقواله دون مواربة لباب الكذب أو دون لجوء إلى تورية لفظية تحتمها لغة السياسة بمنطق الدبلوماسية، فماكرون كان عنيفا عنيدا جريئا دون مسحة من حياء، بل خلو من نظرية سياسة مسك العصا من المنتصف! وحتى لغة الجسد كشفت عنف وخشونة ماكرون، وهذه تعد حالة نفسية أصابها الهلع وترتب عليه الفزع، نعم موقف رئيس فرنسا من الحرب على غزة تبلور بالعدوى لدى وزيرة خارجيته، فأصدرت قرارا بمنع التظاهرات رغم قرار المحكمة الفرنسية بحق الناس في التظاهرات تأييدا لفلسطين المعتدي عليها.
موقف ماكرون وبعض ساسة فرنسا اوجدته خلفية تاريخية أو أزمة قضائية كان اليهود طرفا فيها كما كانت أزمات القتال والحروب الأوروبية الماضية حاضرة بقوة دفع للفزع وتوظيف الهلع الفرنسي.

نقصد بالقضية المحورية المؤثرة بقوة في عقدة ساسة فرنسا ومداهنتهم لليهود ومحاباتهم باطلا يرتكزون عليه في تنشيط هروبهم من اختناق الماضي إلي خنق شعب فلسطين في ذمة الحاضر، فقضية الضابط اليهودي النقيب ألفريد دريفوس خريج مدرسة البوليتنكيك، الذي اتهم بالتجسس علي فرنسا لصالح ألمانيا، هذه القضية أشعلت حربا مجتمعية في فرنسا بين صحفيين وأدباء وساسة ينتمون إلى أحزاب سياسية ليبرالية ويسارية وجنرالات عسكر في الجيش الفرنسي.

ففي عام 1894 اتهم دريفوس بالتجسس بإرساله معلومات إلي ألمانيا عن الأسلحة الفرنسية وأماكن تموضع الجيش الفرنسي وكذا إرسال ملفات سرية ، في هذه الفترة كانت الجمهورية الفرنسية الثالثة تعيش حالة مجتمعية تعصبية ضد اليهود ومعاداة ” السامية ” ففي المدارس والمصالح والمؤسسات والأندية ودور المسارح كان الفرنسيون يضيقون الخناق علي اليهود بل كانت صحف فرنسية تصفهم ب” يهود القذارة” كما كان الوطنيون الفرنسيون يعملون علي تطهير الجيش من عناصر اليهود ،فلما وقع دريفوس في فخ التجسس تحولت فرنسا إلي ساحة حرب بالكلمة وحرب بالضرب حتي الموت فقد قام جنرالات بقتل ضباط يهود تحت مبرر المبارزة بالسيف ! استمر العداء علي خلفية قضية دريفوس ١٢ سنة تم فيها تكسير عظام الساسة ورجال الدين ” الاكليروس “.

المدهش وصول هذه القضية إلي ديارنا العربية وتفاعل معها كتاب عرب ،فعبد الرحمن الكواكبي ضمن كتابه ” طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد ” هذه القضية مدافعا عن اليهودي دريفوس وربما قد سبقه محمد رشيد رضا فلحق بالركب وكتب عن قضية اضهاد اليهودي دريفوس وذلك في أول عدد لمجلة المنار ودافع هو الأخر عن اليهودي المتهم بالتجسس ضد فرنسا لصالح ألمانيا.

عقدة ساسة فرنسا المعاصرين مثل ماكرون تعود إلي أن الحكومة الفرنسية لفقت التهمة وقام جنرالات الجيش الفرنسي بعمل خلطة من التحقيقات الملفقة لدريفوس وهم يعلمون أن المتهم الحقيقي هو شخص اخرمن أصل فرنسي يدعي استيرازي ،وقد كانت حركة معاداة السامية تضغط بقوة لإدانة دريفوس و” طرمخة ” القضية، فعلا دخلت فرنسا في أزمة ثقة أخلاقية وسياسة ومجتمعية نتج عنها في الأخير تغيرات في نظام الحكم ،لكنها تركت أثرا في نفوس الفرنسيين لم يبرءوامنه إلى الآن أصبح عقدة نقص تدفعهم عمدا إلى الدفاع عن جرائم اليهود ضد الفلسطينيين، يفعل الفرنسيون ذلك بهستيريا أعصاب عقل الماضي يسري دما مفكرا ولحما وشحما في الأجيال التالية اللاحقة ومنهم الرئيس ماكرون، رغم أن ما حدث ضد العرب في الجزائر والمغرب وتونس أكبر دموية في التاريخ الحديث لكنهم لا يهتمون بذلك حتى ولو من قبيل الاعتذار عن جرائم الأسلاف، وقد رفض رؤساء فرنسا على التوالي الاعتذار بالاعتراف، مثل: ديجول وشيراك وساركوزي وماكرون.

لعل الكاتب الروائي الفرنسي إميل زولا كان حاضرا بشجاعة وشاهدًا بشناعة جرم قضية دريفوس، فكتب رسالة إلى الرئيس الفرنسي وقتها “فيليكس هوز” في جريدة لولو عام 1898 بعنوان _ أنا اتهم _ منها:” السيد الرئيس.. هل تسمح لي انطلاقا من عرفاني بالجميل لاستقبالك اللطيف لي ذات يوم بأن أقلق علي مجدك وبأن أقول أن نجمك مهدد بأكثر الوصمات عيبا.. فتدنس وجه فرنسا “.
وقال زولا ” إن احتجاجي الملتهب ،ليس إلا صرخة روحي، فليتم إذن تقديمي للمحكمة الجزائية وليزر التحقيق في وضح النهار ” وذهبت صرخة زولا ادراج الرياح وتم نفيه إلي لندن وقاموا بسجن دريفوس في معتقل جزيرة الشيطان.

هذه الجريمة شكلت عقدة نفسية وهروبا منها ،ومنه الدفاع عن جرائم ساسة اليهود في فلسطين المحتلة ،ومن هنا نجد تضييق الخناق علي الفيلسوف الفرنسي _ روجيه جارودي _ وغيره من كتاب موضوعين. وحتي ضد كتاب عرب كما فعلوا مع _ إبراهيم نافع _ رحمه الله رئيس مجلس إدارة مؤسسة الاهرام رئيس تحرير جريدة الاهرام ، فقد رفعوا عليه قضية في فرنسا قضية معاداة السامية مع أن العرب ساميون.

تبقي فرنسا في البالطو الأبيض لباس الهستيريا فتكون غير موضوعية حتى تتخلص من عقدتها النفسية بجريدة لم يصنعها العرب بل فعلتها اوروبا كلها باضطهادهم لليهود وهاهم يرحلون المشكلة في مياه سياسة المحيط العربي.

 

لمزيد من الأخبار زوروا موقعنا: الوسط العربي وللتواصل الاجتماعي تابعنا علي فيسبوك الوسط العرب

زر الذهاب إلى الأعلى