العرب وافريقياعاجل

حكاية مقتل مليون مواطن رواندي في 100 يوم

 

تقرير: إيهاب أحمد

في شرق وسط إفريقيا وعلى مساحة حوالي 25 ألف كيلومتر مربع وبتعداد سكان يُقدر بنحو 10 ملايين نسمة تقع رواندا، التي تعني باللغة المحلية “أرض الألف تل” وترتبط رواندا في ذاكرة العالم بأكبر “إبادة جماعية” في التاريخ الحديث، أدت إلى مقتل نحو مليون طفل وامرأة ورجل في 100 يوم، بحسب الأمم المتحدة، التي حددت يوم 7 أبريل (نيسان) في كل عام، كي يحيي العالم ذكرى المذبحة الجماعية، التي وقعت عام 1994 ضد أقلية التوتسي ويعود النزاع الفئوي فيها إلى ستينات القرن الماضي، حيث لعب الدور الأكبر في تأجيجه بين أقلية التوتسي، الذين يمثلون (14 في المائة)، والهوتو (الذين يؤلفون ما يقرب من 85 في المائة من عدد السكان). ووفق وثائق تاريخية، فإن الاستعمار البلجيكي عمد إلى تقديم التوتسي على حساب غالبية الهوتو، في المناصب والتعليم، باعتبارهم “العرق الأنقى” في حين استعبد الهوتو الذين عملوا مزارعين عند المستعمرين البلجيك إمعاناً في التفرقة، ما زاد الإحساس بالكراهية والمرارة عند الهوتو، الذين اغتنموا الفرصة بعد جلاء الاستعمار للانتقام من التوتسي.

شكّل أبناء التوتسي قبل فترة الاستعمار الطبقات العليا في النظام الاجتماعي، في حين قبع معظم الهوتو في القاع، مع أن بعض الحراك الاجتماعي ظل ممكناً بين الجانبين، إذ كان الهوتو الغني مرحباً به في أوساط التوتسي، كما كان يُنظر إلى فقراء التوتسي على أنهم من الهوتو  ولكن في أواخر الخمسينات، أشعل أحداث عنف نيران ثورة للهوتو قتل مئات من التوتسي، وجرى تشريد آلاف منهم، وإجبارهم على الفرار للجوار وكانت هذه بداية ما أطلق عليه مسمى «ثورة فلاحي الهوتو» التي استمرت من 1959 إلى 1961.

120 ألف توتسي هاربا من العنف 

وبعد استقلال رواندا عام 1962 لجأ 120 ألف توتسي إلى دول الجوار هرباً من العنف الذي صاحب مجيء الهوتو التدريجي للسلطة واستؤنف العنف بحلقة جديدة من الصراع الطائفي بعد الاستقلال، حيث بدأ اللاجئون من التوتسي في تنزانيا والكونغو ” زائير” ينظمون أنفسهم ويشنون الهجمات على حكومة الهوتو.

في ثمانينات القرن الماضي، كان نحو 480 ألف من الروانديين قد تحوّلوا إلى لاجئين، في بوروندي – التي فيها أيضاً غالبية من الهوتو وأقلية من التوتسي – وأوغندا وزائير وتنزانيا. وفي عام 1988 أسست “الجبهة الوطنية الرواندية” في أوغندا،وهي حركة تستهدف تأمين عودة الروانديين المنفيين. وفي أكتوبر 1990 شنّت الجبهة هجوماً كبيراً على رواندا وبسبب هجمات “الجبهة” و التي تسببت في تشريد الآلاف، ولجوء الحكومة لسياسة دعائية استهدافية  لوصم جميع أبناء التوتسي داخل البلاد بأنهم شركاء لـ”الجبهة”، ما أدى إلى تفاقم المشكلات العرقية.

ومن خلال جهود تحقيق السلام الدولية وفي أغسطس 1993 بدا وكأن التوقيع على اتفاقات السلام في أروشا (بجمهورية تنزانيا) قد وضع حداً للصراع، غير أن إرادة تحقيق السلام تعرّضت للتخريب من قِبل بعض الأحزاب الرواندية المشتركة في الاتفاق ويوم 6 أبريل 1994، أشعل مقتل رئيسي رواندا وبوروندي في حادث إسقاط طائرة جذوة عدة أسابيع من المذابح المنهجية، وقدّر أن نحو مليون نسمة فقدوا أرواحهم فيها. وأشارت التقديرات أيضاً إلى اغتصاب ما بين 150 ألفاً و250 ألف امرأة.

آنذاك، اعترفت الأمم المتحدة بعجزها على الحد من المعاناة في رواندا نظراً لتواضع قدرات الدول الأعضاء للاستجابة لتغير الظروف في رواندا، خصوصاً عبر تعزيز إمكانات البعثة والإسهام بقوات إضافية.

عملية توركواز

أذن مجلس الأمن في 22 يونيو لقوات تحت قيادة فرنسية بالقيام بمهمة إنسانية وأنقذت هذه المهمة التي أطلق عليها «عملية توركواز»، حياة مئات المدنيين في جنوب شرقي رواندا، و يذكر إنها سمحت للميليشيات والجنود والمسؤولين الضالعين في جريمة القتل الجماعي بالهروب واستمرت جرائم القتل في المناطق الأخرى حتى 4 يوليو  1994 حين سيطرت “الجبهة الوطنية الرواندية” عسكرياً على أراضي رواندا بأكملها الحكومة الرواندية.

باشرت في نهاية عام 1996 إجراء المحاكمات على جريمة الإبادة الجماعية وبحلول عام 2000  كان هناك 100 ألف مشتبه ينتظرون المحاكمة وفي 2001 بدأت الحكومة في تنفيذ نظام العدالة التشاركية، المعروف باسم “جاتشاتشا”، للتصدي للكم الهائل من القضايا المتأخرة وأطلق سراح المتهمين في محاكم “جاتشاتشا” مؤقتاً رهن المحاكمة ولكن سببت عمليات الإفراج قدراً كبيراً من الاستياء بين صفوف الناجين الذين رأوا فيها شكلاً من أشكال العفو العام.
أما على الصعيد الدولي، فأنشأ مجلس الأمن في نوفمبر (تشرين الثاني) 1994 المحكمة الجنائية الدولية لرواندا. وأصدرت المحكمة منذ ذلك الحين حكمها على جان كامباندا، رئيس الوزراء إبان جرائم الإبادة الجماعية، بعقوبة السجن مدى الحياة. وبحلول أبريل 2007، كانت قد أصدرت 27 حكماً على 33 متهماً.

جان كامباندا، رئيس الوزراء
جان كامباندا، رئيس الوزراء

 

حداد على ضحايا الإبادة الجماعية 

وراهناً، في رواندا عطلتان رسميتان اعتمدتا حداداً على ضحايا الإبادة الجماعية. وتبدأ فترة الحداد الوطنية، التي يطلق عليها اسم «كويبوكا»، أو «تذكار» باللغة المحلية، على المستوى الوطني في 7 أبريل، وتختتم في يوم التحرير في 4 يوليو. وفي رسالته بمناسبة اليوم الدولي لتذكر المجذرة حيث شدد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش على ضرورة عدم نسيان ما حدث، وضمان أن تظل الأجيال القادمة تتذكر دوماً وقال إن خطاب الكراهية، وهو أحد النُذر الرئيسية بخطر الإبادة الجماعية، من السهل أن يتحول إلى جرائم كراهية.

كانت رواندا في حاجة لعملية شاملة لإعادة الإعمار في جميع المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وذلك لما خلفته الإبادة الجماعية من تدمير للاقتصاد وشيوع حالة من عدم الاستقرار السياسي فضلا عن تدمير البنية التحتية في رواندا، ما سرع عمليات الإصلاح في جميع المجالات.

وفي الواقع إن عملية التحول الديمقراطي لا يمكن فصلها على المستويين النظري والتطبيقي عن عملية التحديث والليبرالية في المجالات السياسية والاقتصادية والحريات المدنية يتضح بذلك أن عملية التحول الديمقراطي يمكن تقسيمها لشقين؛ شق يشمل الإصلاحات السياسية في الدولة، من بينها تحديث الدستور “2003”، الذي نص على مساواة الحقوق بين جميع الروانديين، كذلك إصدار قوانين تجرم التمييز وأيدولوجية الإبادة الجماعية، منع وتجريم استخدام ألفاظ الهوتو و التوتسي بموجب القانون الجديد، كما تم تجريم أي خطاب له طابع عرقي أما الشق الثاني فهو مرتبط بالإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية والتي تضمنت مجموعة من الأهداف قصيرة ومتوسطة وطويلة الأمد؛ ركزت الأهداف القصيرة منها على تشجيع الاستثمار، تكوين الثروات بما فيها الرأسمال البشري والتكنولوجيا الحديثة، تقليل الاعتماد على الديون الدولية، في حين أن الأهداف المتوسطة ركزت على  الانتقال بالاقتصاد الزراعي من الطريقة التقليدية إلى الطريقة العلمية المعاصرة من خلال توظيف التعليم والتكنولوجيا والاتصالات، أما الأهداف طويلة الأمد فقد ركزت على تقليص الفوارق الاجتماعية، محاربة الفقر و خلق طبقة وسطى منتجة تساهم في تطوير الاقتصاد.

 

لمزيد من الأخبار زوروا موقعنا: الوسط العربي وللتواصل الاجتماعي تابعنا على فيسبوك الوسط العربي

زر الذهاب إلى الأعلى