ابن كثير.. الكواكب المنيرة في تفسير القرآن الكريم

كتب: أبوبكر عبد السميع

في دولة التفسير رجال رأوا نور القرآن الكريم فمشوا وراء سطوره تفسيرا وتأويلا وشرحا وتفصيلا، من أجل ذلك نظروا في النور فأبصروا ببصيرة، فرأوا وما شبعوا شغفوا باللفظ والمعنى وما سدوا حاجة حبهم، فنور القرآن الكريم أسرار ومعان، كنوز تسكن المصحف الشريف بحور ليس لها آخر فكل عصر نهل من كلمات ربي فإذا بالمداد يتحول إلى مدد وإذ بالتجليات تشرق على الروح بجديد غذاء من كل غصن صنف ومن كل صنف تذوق بكؤس تسري تمري في شرايين الإيمان. فكان عماد الدين أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير الشهير بابن كثير عمدة في التفسير، خزانة عقلية تغلق وتفتح بأعاجيب أسرار القرآن الكريم.

ابن كثير صاحب الكتاب الأشهر والأكثر حظا لدى القراء وتحتويه المكتبات في البيوتات والمساجد والمدارس والجامعات وأوسع انتشارا في كل مكان، فابن كثير المولود سنة 701 هجرية بقرية مجدل التابعة لدمشق بسوريا عرف اليتم، لكنه لم يفقد الاهتمام والحب والحنان، فأبوه توفي وابن كثير بلغ السن الثانية من سني عمره، يعيش تحت كفالة أخيه كمال الدين الذي رحل وأخوه الي دمشق، حيث يغرس أخوه فيه طلب العلم حبا لاجبرا.

انتقاله إلى دمشق

وفي دمشق تنقل ابن كثير على حلقات العلم فدمشق كرنفال علماء تتحرك الحركة العلمية فيه وتدور علي رءوس طلاب العلم سقاة فهم ومعرفة، وفي هذا الجو عاش ابن كثير ، تعاطي مع العديد من العلوم علي يد علماء.

ففي علم الحديث علي يد ابن الشحنة وابن عساكر وإسحاق الامدي وأخذ علم الفقه من كمال الدين ابن قاضي وبرهان الدين الفزاري إضافة إلي علوم القرآن الكريم على يد علماء من مصر والعراق وسوريا، لكن شيخه الأثير كان ابن تيمية وصار ابن كثير في ركابه وطلب صداقته وعاش في صحبته وعلم منه وتعلم.

منهج ابن كثير 

منهج ابن كثير في التفسير تحليلي غواص في بحر غني بخيرات الدنيا والآخرة، منهج يعتمد علي آليات مهمة مشقة في البحث ؛ لكنها قريلة إلى الله فعلوم القرآن سياحة عقلية بسفينة الروح لا يعول على الإسرائيليات، بل يهمش الاعتماد عليها وبالنسبة للسيرة فهو ينتقي أصح الروايات ويصطفي الصادق منها.

يتتبع أثر إنتاج الصحابة والسلف والتابعين، يهتم بإعراب الآيات فيخرج منها بالمعاني البكر، تلك من نور تجليات القرآن الكريم، لذا كان منتوج علمه كتاب تفسير القرآن العظيم المعروف باسم تفسير ابن كثير أو بعض من مضمون منهجه يقول: “إن أصح الطرق أن نفسر القرآن بالقرآن، فما أجمل في مكان، فإنه قد فسر في موضع آخر، فإن أعياك فعليك بالسنة فإنها شارحة للقرآن وموضحة له، وحينما إذا لم تجد التفسير لا في القرآن ولا في السنة رجعت في ذلك إلى أقوال الصحابة، فإنهم أدرى بذلك لما شاهدوا أن القرائن والأحوال التي اختصوا بها ولمالهم من الفهم التام والعلم الصحيح والعمل الصالح لا سيما علماؤهم وكبراؤهم وهم كالأئمة الأربعة والخلفاء الراشدين والأئمة المهديين كعبد الله بن مسعود”.

يضع ابن كثير تساؤلا مهما ويجبب عنه وفق منهجه إذ يقول: “وإذا لم تجد التفسير في القرآن ولا في السنة ولا وجدته عند الصحابة؟ فقد رجع كثير من الأئمة في ذلك إلى أقوال التابعين كمجاهد بن جبر، فإنه كان أية في التفسير لهذا كان سفيان الثوري يقول: “إذا جاءك التفسير عن مجاهد فحسبك به وسعيد بن جبير وعكرمة مولي ابن عباس وعطاء بن أبي رباح والحسن البصري ومسروق بن الأجدع وسعيد بن المسيب وأبي العالية والربيع بن أنس وقتادة والضحاك ومزاحم وغيرهم من التابعين وتابعيهم ومن بعدهم”.
قال ابن كثير نقطة مهمة على بساط علم التفسير: ” فنذكر أقوالهم في الآية فيقع في عباراتهم تباين في الألفاظ يحسبها من لا علم عنده اختلافا فيحكيها أقوالا وليس كذلك، فإن منهم من يعبر عن الشيء بلازمه أو بنظيره ومنهم من ينص على الشيء بعينه والكل بمعنى واحد في كثير من الأماكن؛ فليتفطن اللبيب لذلك والله الهادي”.

ما يميز منهج ابن كثير 

يعد من منهج ابن كثير ضبط بالمتن والسند وذكر المصادر والإعلام فكما يرى أن شواهد الشعر تدل على المعنى ومقتضي الألفاظ وأساليب اللغة ودلالات الألفاظ ويمكن القول: إن ابن كثير مفسر مجود مجتهد غير مقلد.

قال الإمام محمد علي الشوكاني عن ابن كثير وتفسيره: “وله التفسير المشهور وهو في مجلدات، وقد جمع فأوعى ونقل المذاهب والأخبار والآثار وتكلم بأحسن الكلام وأنفسه، وهو من أحسن التفاسير إن لم يكن أحسنه”.

أما عن بقية مؤلفاته في المختصر يقول الشوكاني: “البحور التي كتب فيها ابن كثير متعددة، وأشهرها التفسير وقد جمع من الآثار وآراء العلماء في المسائل الفقهية فأحسن الكلام فيه”.
لابن كثير مؤلفات كثيرة عظيمة، مثل: كتاب البداية والنهاية، كتاب بدء الخلق، كتاب تاريخ مدينة دمشق، كتاب النهاية في الفتن والملاحم، كتاب طبقات الشافعية، كتاب الباعث الحثيث شرح اختصار علوم الحديث، كتاب شرح صحيح البخاري وكتاب رسالة في الجهاد. 

وفي سنة 1373 ميلادية توفي ابن كثير رحمه الله.

 

لمزيد من الأخبار زوروا موقعنا: الوسط العربي وللتواصل الاجتماعي تابعنا على فيسبوك الوسط العربي