الشرق قادمعاجلملفات

شلالات الاستلاب الداخلى فى السودان “حين بدأ تغيير الوعي”

هناك لحظات في التاريخ لا تُعلن عن نفسها بصوتٍ عالٍ لحظات تتحرك فيها «الخرائط» قبل أن تتحرك «العقول»وحين تتغير الخرائط السكانية، يبدأ الوعي في الانزلاق من تحت قدميه دون أن يشعر الإنسان هكذا بدأت أول شلالات الاستلاب الداخلي في السودان وفقاً لمحمد أحمد ابو بكر الباحث بمركز الخبراء للدراسات الانمائية فى السودان فى دراسة له بعنوان استلاب الوعى الداخلى حيث يقول :” إن ما نسميه اليوم دورة إعادة إنتاج الاستلاب الداخلي ليس ظاهرة طارئة، ولا ابن اللحظة السياسية إنه مسار طويل نهر خفيٌّ كان يجري تحت أرض السودان منذ القرن التاسع عشر، ثم ارتفع منسوبه، ثم فاض، ثم أصبح تيارًا يغسل الوعي السوداني جيلاً بعد جيل”.

وهنا… أصل القصة من وجهة نظر أبو بكر 

أولًا: حين تغيّرت الأرض قبل أن يتغيّر الوعي ويقصد التغيير الديموغرافي حيث كانت البذرة الأولى للتغير حين دخل الاستعمار التركي ثم الإنجليزي، لم يكن الهدف فقط إدارة السودان وبل إعادة تشكيله كانت هناك ثلاث أدوات حاسمة:

 إعادة توزيع السكان و نقل مجموعات من الشمال إلى الوسط ونقل مجموعات من الغرب إلى المواقع الزراعية

 خلق مراكز مدنية جديدة على حساب أخرى.

 فهندسة المدن والطرق بحسب كاتب الدراسة

أصبح ما حول النيل هو «السودان المرئي»، وما وراءه هو «السودان المنسي حيث تغيير معنى المركز والهامش ليس فقط جغرافيًا، بل اجتماعيًا ونفسيًا و هنا بدأت أول شروخ الوعي.

شعر جزء من السودان بأنه الأصل وجزء آخر بأنه الملحق الاستلاب بدأ جغرافيًا قبل أن يصبح فكريًا.

ثانيًا: شلال الاستلاب الأول حين احتُكرت المعرفة

مع قيام مشروع الجزيرة، ونشوء الإدارة الأهلية، وبروز طبقة «المتعلمين» في المركز، ظهرت حقيقة جديدة الوعي السوداني لأول مرة يُدار من فئة صغير ويُستهلك من أغلبية واسعة.

وهنا حدثت ثلاثة تحولات خطيرة وفقاً للدراسة

 احتكار التفسير:

من يكتب؟

من يُقرر؟

من يفكر؟

أصبحت مجموعات معينة هي من تمتلك «رواية الوطن».

٢ـ تشييء المواطن:

أصبح الفرد مجرد رقم في مشروع زراعي أو أداة في وظيفة إدارية.

٣ـ انفصال الوعي عن الجغرافيا: المركز يفكر الأطراف تنفذ.

وهنا ظهر أول شكل من «الاستلاب الهيجلي–الماركسي»:

السوداني لا يرى ذاته إلا من خلال «سلطة أعلى»… نخبة، أو مكتب، أو موظف، أو مستعمر.

وبحسب توصيف الدراسة فإن شلال الاستلاب الثاني حين سكن المستعمر داخل العقل بعد رحيل المستعمر، غادر الجنود… لكن بقي «نظام التفكير» من المدارس، الخطاب العام، شكل الدولة، اللغة البيروقراطية، تقسيم الوظائف ومن هنا تشكلت أول مرآة مشوّهة الوعى.

أن الخارج دائمًا معيار أن السوداني دائمًا دون المستوى كل نجاح يحتاج «تصديقًا خارجيًا» كل فكرة يجب أن تأتي من فوق لا من داخل المجتمع.

طلق ابو بكر على هذا النمط المجتمعى” استلاب ما بعد الاستعمار” وفى رأيه صنع أخطر جملة رسخت في الوعي السوداني النظر الجارح باعتباره الأفضل ليس من باب المقارنة… بل جلد ذات.

انا النوع الثالث من الاستلاب هو ” تفكك الرواية الوطنية “حين عجزت الدولة عن وضع «رؤية كبرى» عن نفسها، فإن كل مجموعة ستكتب رؤيته الخاصة وهذا ما حدث بالفعل فى السودان.

 فاليسار له روايته والإسلاميون لهم روايتهم

و القوميون لهم روايتهم

والهامش له روايته و المركز له روايتهو العسكر لهم روايتهم و المدنيون لهم روايتهم وبدلاً من أن يكون السودان دولة داخل رواية ورؤية واحدة، أصبح يعيش روايات داخل دولة واحدة.

هنا ظهرت الهيمنة الثقافية الغرامشية بمظهرها السوداني الخاص:ر

فئة تمتلك المايكروفون، وفئة تمتلك المعرفة، وفئة تمتلك الخطاب… لكن لا أحد يمتلك «السودان».

انا النوع الرابع من استلاب الوعى تسير الدراسة إلى أنه – جلد الذات وتكسير السوداني للسوداني فحين تتراكم الهزائم السياسية والاقتصادية، تتحول إلى عقدة جماعية يصبح المجتمع كله مثل بيت قديم ينتج غباره بنفسه ومظاهرها اليوم واضحة فأي سوداني ينجح يتم اتهامه واي مشروع وطنى يتم حاصره

أي مبادرة جديد تُدفن

أي قيادة وطنية تُسحب للأسفل ليس بسبب الحقد وحده بل بسبب ذاكرة طويلة من الفشل علمت الناس أن لا شيء يستمر، وأن الأفضل أن «نهدمها قبل أن تهدمنا».

هنا يصل الاستلاب إلى ذروته وفقاً للدراسة.

النوع الخامس مناستلاب الوعى– الفوضى المنظمة

حين تتصارع النخب، ولا توجد رواية وطنية، ولا يوجد وعي موحد هنا تولد بيئة مثالية لإعادة إنتاج الفوضى جهات تستفيد من الانقسام، وتيارات تتغذى على التعطيل،وأطراف تبني قوتها على انهيار الآخرين.

وهكذا… يعود الوعي لينزلق من جديد إلى نقطة الصفر.

هذه هي الدائرة المكتملة لإنزلاق الوعى حسب الباحث.

هنا يتساءل كاتب الدراسة هل يمكن كسر الدائرة؟ – منظور الجسر والمورد استراتيجية «الجسر والمورد» لا تعالج الاستلاب كشعور بل كبنية.

وتقترح الدراسة ثلاث خطوات مؤسسة:

١- إعادة تعريف الذات السودانية ليس عبر الماضي فقط، بل عبر:حضارة كوش

 المورد البشري و الجغرافيا و عبقرية النيل

القوة الإنتاجية وموقع السودان كبوابة إفريقيا–عربية.

٢- بناء رواية وطنية واحدة

قصة السودان الكبرى القصة التي تعلو فوق الأحزاب والجهات والأيديولوجيات.

٣ـ استرداد الوعي قبل استرداد السلطة الوعي ليس حرب شعارات بل:

 تعليم جديد

 إعلام وطني

 مشروع اقتصادي

دولة تعترف بالمواطن لا تستخدمه وسردية تحترم الإنجاز السوداني.

ويختم بحثه قائلا:”أصل القضية إن شلالات الاستلاب الداخلي لم تبدأ بالكلمة بل بالخريطة.

ولم تبدأ بالوعي بل بالسكان.

ولم تبدأ بالسياسة بل بالتصور الذهني عن من نحن”.

مشيراً إذا لم يستعيد السودان هذه الجغرافيا النفسية، فإن الدائرة ستبقى تتوالد، والوعي سيبقى يتكرر، والسوداني سيبقى يصنع قيده بيدي دون أن ينتبه.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى