إنشاء جيش أوروبي موحد اقتراح فى خيال الغرب حبيس فى الظلام

تحليل ومتابعة: محمد عطا
تتجدد كل فترة من الزمن فكرة إنشاء جيش أوروبي موحد لمواجهة روسيا والصين، من أجل التحرر من تحالف شمال الأطلسي( الناتو )،الذى تهيمن عليه الولايات المتحدة الأمريكية وتفرض الاتوات والجبايا على الدول الأوربية لتمويله .
ولكن الاختلافات السياسية والعرقية والثقافية تجعل تنفيذ الفكرة أمر من ضرب الخيال والأوهام ، والتى تجعله مجرد حلم بعيد المنال،ولا يمكن أن يكون مثل الاتحاد الأوروبي الذى يقتصر فقط على الجانب الاقتصادي، والذى صمد فترة من الزمن ولكن خروج بريطانيا وانفصاله عنه يجعل انهياره وفشله مجرد وقت طال أو قصر فالنهاية حتمية .
ودعوة أنطونيو تاجاني وزير الخارجية الإيطالي ،خلال التصريحات الصحفية الذى اطلع عليه ” الوسط العربي” مطلع 2024 ، إلى إنشاء جيش موحّد للاتحاد الأوروبي يمكنه من لعب دور في حفظ السلام ومنع الصراعات، في عالم تحدث فيه الأزمات في الشرق الأوسط ومنطقة المحيط الهادي، وحيث يوجد لاعبون أقوياء مثل الولايات المتحدة والصين والهند وروسيا، يجب أن يكون لدى الاتحاد الأوروبي (جيش) للعب دور أكثر فعالية لمنع الصراعات، لم تكن أول دعوة من نوعها ولن تكون الأخيرة.
وتمت مناقشة الفكرة لأول مرة في عام 1950، باقتراح من قبل فرنسا، وكان سيتألّف الجيش الموحد المزعوم من الدول الستة الداخلية (بلجيكا وفرنسا وإيطاليا ولوكسمبورغ وهولندا وألمانيا الغربية)، من أجل تعزيز الدفاع ضد التهديد السوفيتي دون إعادة تسليح ألمانيا مباشرة في أعقاب الحرب العالمية الثانية، ولكن لم يكتمل الأمر حسب الفكرة المطروحة .
ثم جاء إيمانويل ماكرون الرئيس الفرنسي فى عام 2018 ليسبق وزير الخارجية الإيطالي ،فى دعوة لإنشاء جيش أوروبي موحد لحماية أوروبا من روسيا والصين ومن الولايات المتحدة الأمريكية التى تهيمن على حلف الناتو وتفرض مبالغ مالية ضخمة على الدول الأوربية لتمويل الحلف.
وتطرق الرئيس الفرنسي فى تصريحات صحفية اطلع عليها “الوسط العربي” فى نوفمبر 2018 ، إلى إنشاء جيش أوروبي موحد، ما أثار ردود فعل منزعجة من الرئيس الأمريكي وقتها دونالد ترامب ، الذي سخر من تصريحات ماكرون ومن التجربة التاريخية لفرنسا في الحرب العالمية الثانية، ودعا إلى تعزيز دور الناتو بدلا من التفكير في جيش أوروبي جديد.
وحسب صحف ومقالات انجليزية اطلع عليها ” الوسط العربي” فإن المسؤولين البريطانيين قد رفضوا فكرة الجيش الأوروبي على اعتبار أنه سيقوض وسيوازي الناتو ،الذى سيقلل ويهمش من دور الولايات المتحدة الأمريكية، التى تعد الحليف الأكبر للانجليز .
وحسب مراقبون للمشهد الأوروبي فإن رغبة الولايات المتحدة فى استمرار سيطرتها على الدول الأوربية خلال حلف الناتو، أمر يجعل الدعوة لإنشاء جيش أوروبي موحد مجرد فكرة خيالية ستظل حبيسة فى الظلام لن ترى النور ،يتم طرحها كل فترة للاستهلاك المحلي والشو الاعلامى لإعطاء رسائل ضمنية للولايات المتحدة الأمريكية وروسيا والصين ،لكن دون أى صلة لها بالواقع.
كما أن الظروف الاقتصادية الصعبة التى تعاني منها غالبية الاتحاد الأوروبي ، تجعل فكرة وجود جيش أوروبي موحد أمر مستحيل الحدوث ،بسبب ضخامة تكلفة الاقتراح المتكرر الطرح ،الأمر يجعل فكرة التمويل لاخراج المقترح للنور فوق أمكانيات دول أوروبا ،خاصة فى ظل الظروف الصعبة التى يمر بها العالم نتيجة تفشي فيروس كورونا والحرب الروسية الاوكرانية.
كما لا يمكن إنكار قوة الولايات المتحدة الأمريكية باعتبارها قوة عظمى فى العالم ،ولن تسمح بإنشاء جيش موازى لها فى المنطقة يهدد مصالحها واهدافها الاستراتيجية ،ويسقط حلف الناتو الذى أسس على مدار سنوات طويلة تحت الأجندة الأمريكية لحماية أوروبا وفرض المصالح الأمريكية وحمياتها فى المنطقة،حتى لو على حساب الدول الأوربية ذاتها .
