شخصيات عربية

فتحية العسال.. مناضلة مصرية .. نادت بحق المراة فى التعليم والعمل السياسى..

- جسدت فى أعمالها الأدبية شخصيات نسائية حقيقية ضحايا للقهر المجتمعى.. - علمت نفسها بنفسها ..وعاشت تبحث فى عن العدل وتدافع عنه.. - طلبت الطلاق من زوجها دفاعا عن حريتها .. - اتسمت سيرتها الذاتية بالجرأة ومواجهة الذات والمجتمع بأخطائه 

نجوى إبراهيم

الكاتبة والمناضلة المصرية “فتحية العسال”أو ماما توحه “كما كان يطلق عليها فى الوسط الثقافى والفنى والسياسى أيضا .. أمراة هزمت المستحيل واجهت الفكر الذكورى ورفضت الاستسلام له, و تصدت لكل ألوان الجهل والتخلف ..كان حلمها أن تتعلم, فحققت حلمها رغم كل القيود التى تعرضت لها منذ نعومة أظافرها , نجحت في أن تعلّم نفسها القراءة والكتابة، لتخوض تجربتها الأدبية الممتدة منذ أواخر خمسينات القرن الماضي.. علمتنا درسا فى الإصرار والإرادة ..قضت عمرها فى الدفاع عن حقوق المرأة وحريتها وحقها في التعليم والعمل السياسي ,وظهر ذلك جليا من خلال كتابتها وأيضا من خلال رئاستها لاتحاد المرأة النسائى بحزب التجمع التقدمى .. كانت تفخر دائما كونها رمزا من رموز الكتابة النسائية ..قدمت فى أعمالها الأدبية وخاصة مسرحية” سجن النسا” شخصيات نسائية حقيقية ضحايا للقهر المجتمعي..,وفى أعمالها الدرامية كانت خير من عبر عن أحوال المرأة المصرية

وفى أحداث ثورة 25 يناير صممت على النزول للميدان والمشاركة في الثورة رغم معاناتها من المرض والتقدم في السن، ومن بعدها في اعتصام المثقفين إبان عصر الإخوان أمام وزارة الثقافة عام 2013 للمطالبة بإقالة وزير الثقافة.

النشأة والطفولة 

ولدت الكاتبة فتحية العسال في 20 فبراير 1933 بين عائلة متوسطة الحال، تأثرت بالكثير من الأحداث في طفولتها تركت آثارها فى شخصيتها وكتاباتها مثل تجربة الختان وهي لا تزال في العاشرة من عمرها، ورؤيتها لخيانة أبيها لأمها, وحرمانها من التعليم, حيث أخرجها والدها من المدرسة فى عمر العاشرة إلا أنها لم تتنازل عن حلمها وعلمت نفسها بنفسها، اشترت الكتب المدرسية، و تمرنت على كتابة الأحرف والقراءة , ومع ظهور علامات الأنوثة عليها أجبرتها الأسرة على العيش في عزلة داخل المنزل,وعاشت تحت رقابة شديدة , فكان لها شقيق يدعى “حسني” كان بمثابة الرقيب عليها، يتولى مسؤولية توجيهها كما يحلو له، حتى أنه فى أحد الأيام قص جزءًا من شعرها لوقوفها أمام نافذة المنزل كما عاقبها أيضًا على مشاركتها في مسيرات مناهضة للاستعمار الإنجليزي.

وحكت “العسال”عن هذه الفترة من حياتها فى سيرتها “حضن العمر” التي نشرتها عام 2004،وقالت: “لم أنل أي شهادة أكاديمية ولا حتى شهادة ابتدائية، ولم يساهم أحد في تعليمي، إنما كل ذلك كان نتيجة ردة فعل علي وضعي، أخرجني والدي من المدرسة وأنا فى سن عشر سنين لأنه خاف علي باعتباري بنت “جسمي فاير ومفتحة حبتين”، فقررت أن أعوض كل شيء حرمت منه، وابتدات أعلِّم نفسي، وأول شيء فعلته محاولة كتابة اسمي، فيما بعد رأى أبي إصراري وعنادي على العلم فبدأ يساعدني في بعض الكتب الدراسية، وعند إتقاني القراءة والكتابة، أصبح والدي يعطيني الصحيفة لأقرأ له أخبار (هتلر) أثناء الحرب.

تجربة الختان

روت “العسال “فى “حضن العمر”تجربتها مع الختان على يد امرأة غجرية صعيدية, وهي لا تزال ابنة العاشرة، لا تدرك ما يحدث لها , قالت :كبرت الطفلة وأدركت “يعني إيه طفلة صغيرة يجزروا جزء من لحمها باسم العادات والتقاليد” كما قالت في مذكراتها “حضن العمر”,كما عبرت هذه التجربة المريرة في مسرحية “نساء بلا أقنعة”.

وتحكي عن تجربتها في تعليم نفسها في مذكراتها قائلة “ابتديت كل يوم بعد ما أخلص شغل البيت من كنس لمسح لطبيخ أدخل أوضتي وأقفلها عليّ وأعيش إصراري اللي شرنقت نفسي جواه وأمسك القلم وهات يا مذاكرة”.

الزواج

فكان الزواج هو السبيل للخروج من أسوار هذا السجن اللعين فتزوجت وهى لا تزال في الرابعة عشرة من عمرها، من الكاتب عبد الله الطوخي “رفيق رحلة حياتها” و”حضن عمرها”، وأنجبت منه ثلاثة ذكور هم شريف وإيهاب وصلاح وابنة واحدة هي الفنانة صفاء الطوخي.

بدأت فتحية العسال فصلا جديدا من حياتها بعد زواجها من الكاتب عبد الله الطوخي، حيث قامت بالإشراف على تكوين فصول محو أمية لتعليم السيدات، وإقناعهن للالتحاق بها حتى كونت 14 فصلا، وافتتحت أول فصل في حي السيدة زينب عام 1956.

وتقول في مذكراتها “صحيح مكنتش بقوم بالتدريس لكن بعد اليوم الدراسي كنت باقعد واتكلم مع الستات في كل حاجة وأربطها بأسبابها الحقيقية وهى الفكر المتخلف والتقاليد البالية وأن الست لازم تدافع عن حقوقها”.

ووصفت فتحية العسال تلك الفترة ببداية الازدهار في حياتها، مشيرة إلى أنها كانت فترة ازدهار أكبر على مستوى البلد وعلى طريق تحرير المرأة عقب إجراء انتخابات مجلس الأمة (البرلمان) لأول مرة بعد حصول المرأة على حق الترشح والانتخاب وفوز سيدتين هما راوية عطية في الجيزة وأمينة شكري في الإسكندرية.

وجسدت فتحية العسال قناعتها واهتمامها بتعليم الفتيات من خلال المسلسل التليفزيونى هى والمستحيل حيث جسدت البطلة دور فتاة أجبرها والدها على ترك التعليم مثلها تماما ولكنها تحدت الصعاب ونجحت فى تعليم نفسها حتى وصلت إلى الجامعة .

دفاعا عن الحرية

 اعتقلت هى وزوجها سويًا مرارًا، بسبب اَرائهما السياسية، وعلى الرغم من الحب والتوافق بينهما، إلا أنها فاجائته بطلب الطلاق عندما شعرت أنه يحاول تملكها والاستحواذ عليها وبدأ يحاول فرض اَرائه، حيث رأت أنه لا قيمة للحب طالما صاحبه يريده امتلاكًا وطُلِقت بالفعل 

وأفصحت عن سبب طلاقها فى سيرتها الذاتية “حضن العمر”قائلة أنا طلبت الطلاق رغم الحب الكبير بسبب كلمة واحدة اسمها الحرية، كنت عاوزة أعرف أنا مين، عروسة بدوبارة واللاعب بيلعبها وبيلعب بيها.. اللاعب ده كان القديم اللى عايش جوايا منذ سنين، كنت عاوزة أعرف أنا حرة بصحيح أم بدَّعى الحرية.

وتابعت :”كيف يمكنني أن أمارس الحرية مع رجل غير متحرر من شبح الملكية والموروث”.

وفى المقابل كتب عبد الله الطوخى يقول فى سيرته “دراما الحب والثورة”: الآن أعترف من الأعماق أن القضية بينى وبين فتحية هى قضية الحرية، بالتحدديد حريتها فى مواجهة حريتى، فقد تعاملت معها طوال حياتنا على أننى أنا الراعى المسئول عنها وكان هذا هو اللغم الأكبر.

وكانت تجربة الطلاق فى حياتها محفزًا لخيالها، فكتبت كتابها بعنوان “هل أنا حرة أم أدعي الحرية؟ ” استمر الطلاق ثلاث سنوات ,وحينما التقيا بالصدفة وخلال ساعتين من الحديث اكتشفا أن الحب لايزال موحدًا، وتزوجا مجدداً, وبقيا معا أكثر من 25 عاما حتى رحيل الكاتب عبد الله الطوخى.

 

زر الذهاب إلى الأعلى