نبوية موسى..نادت بالمساواة وخاضت معارك من أجل استكمال تعليمها..
كانت مؤمنة بأن تعليم المرأة أساس نهضة المجتمع.. طالبت بتوحيد مناهج التعليم لكل من البنين والبنات

قراءة :نجوى إبراهيم
المفكرة و الأديبة “نبوية موسى”..عاشقة التعليم ..ورائدة العمل الوطنى و النسائى وأول سيدة تشغل منصب ناظر مدرسة.. ..التى تمردت على العادات والتقاليد و تمردت على قيود المجتمع وأصرت على استكمال تعليمها ..فى الوقت الذى كانت فيه المرأة المصرية سجينة آفكار رجعية تحرمها من حقها فى التعليم كانت نبوية موسى أول فتاة مصرية تحصل على شهادة البكالوريا
عام 1907 الحدث الذي لم يتكرر بعدها إلا بعد 21 عاما…وهو الأمر الذى أثار ضجة كبرى ونالت بسببه شهره واسعة.. ولم تكن نبوية موسى أول فتاة تحصل على البكالوريا ، فقط ولكن أيضا كانت أول امرأة تعمل معلمة للغة العربية، أول ناظرة وأول مفتشة، أدركت “نبوية ” أن العلم هو النور الحقيقى وأيقنت أن تعليم البنات هو ضرورة لنهضة وتقدم المجتمع ,وأن ما ينقص الفتيات فى مصر هو التعليم ومن هنا جاءت دعوتها لتعليم الفتيات .. ولذلك فانها تعد من الرعيل الأول من المربيات المصريات، تتلمذ على يديها الكثيرات أبرزهن الدكتورة سميرة موسى عالمة الذرة المصرية…
كان التعليم بالنسبة لها بمثابة قضية عمرها التي كافحت في سبيلها على مدى مراحل حياتها المختلفة،أصبحت تلك الفتاة مع مرور العقود أيقونة لكل المدافعين عن حق النساء في المعرفة..رفضت الظلم ونادت بالمساواة بين الرجل والمرأة , فلم تقبل أن تأخذ نصف راتب الرجل وقررت أن تخوض معركة البكالوريا ,والشهادة الجامعية لتتساوى مع خريجى المعلمين العليا فى الأجر ..
النشأة
ولدت “نبوية موسى” في 17 ديسمبر عام 1886م في “كفر الحكما” بالزقازيق محافظة الشرقية، كان والدها ضابطا بالجيش المصري برتبة يوزباشي عمل في السودان، وتوفى قبل ولادتها بشهرين،فنشأت يتيمة الأب ..عاشت “نبوية موسى”مع والدتها وشقيقها الأكبر” محمد ” كانت شغوفة منذ صغرها بالتعليم ،وحفظت الشعر العربى قبل تعلمها القراءة والكتابة..و بسبب التقاليد الإجتماعية الصارمة التى كانت سائدة فى المجتمع آنذاك ,لم يسمح لها بالالتحاق بالمدرسة حيث لم يكن مسموحا للفتاة الابتعاد عن عتبة المنزل إلا أن هذا لم يمنعها التعلم فاستطاعت أن تتعلم القراءة والكتابة فى البيت بمساعدة أخيها الأكبر الذي كان كثيرا ما يقرأ عليها الدروس فتحفظها بسرعة فائقة,ثم علمت نفسها مبادئ الحساب , وعلمها أخوها اللغة الإنجليزية. ويشار إلى تعلمها الكتابة عن طريق محاكاة النصوص المكتوبة.
التحدى الأول والالتحاق بمدرسة السنية الابتدائية
وعندما بلغت “نبوية” الثالثة عشر كانت الاسرة قد انتقلت إلى القاهرة لتقيم مع شقيقها الأكبر الذى كان يدرس باحدى مدارس القاهرة ,وزاد تعلق نبوية بالعلم والرغبة فى استكمال تعليمها، والالتحاق بالمدرسة غير أنها لم تجد أي مساندة من عائلتها عند اتخاذها هذا القرار،فقد عارضت الأسرة بشدة كما ذكرت نبوية تفاصيل هذا التحدى فى كتابها “حياتى بقلمي” الذى يحوى سيرتها الذاتية قائلة: جاء بعض من ردود كبار العائلة صادمة ومنها: “عيب، مش أصول بنات العائلات، سفور وقلة حياء”. وقال لها عمها “البنت للغزل مش للخط”, فما كان من نبوية موسى إلا أن سرقت ختم والدتها,وباعت سوارا من الذهب لتقدم نفسها للإلتحاق بالمدرسة ,فذهبت للمدرسة سرا متخفية بملابس خادمة، وقدمت أوراقها بنفسها ودفعت المصروفات التى بلغت 7 جنيهات دفعة واحدة حتى تحمل المدرسة على قبول طلبها ,والتحقت بالمدرسة السنية للبنات بالقاهرة القسم الخارجى عام 1901.
وأشارت “هدى الصدة “فى مقدمة كتابها :من رائدات القرن العشرين :شخصيات وقضايا “إلى بدايات نبوية مع التعليم قائلة “علمت نبوية موسى نفسها بنفسها، لتلحق بالمدرسة السنية عام 1901، رغم معارضة الأسرة، وعلى الرغم من أن تعليم البنات في ذلك الوقت، كان ينظر إليه على أنه خروج عن قواعد الأدب والحياء والدين، فإنها كانت تعتقد اعتقادا راسخا بأن التعليم للفتاة من أولويات الأشياء التي تضمن استقلالها”.
في عام 1906 حصلت نبوية موسى على دبلوم المعلمات لتعين معلمة بمدرسة عباس الأميرية للبنات، ولتبدأ رحلها في مجال ممارسة التعليم
وروت نبوية أن كلا من “محمود فهمى النقراشى ,وعباس محمود العقاد “كانا من بين زملائها فى الدفعة وأنها تفوقت عليهما فى مادة اللغة العربية , وكان هذا أول تحدى يواجهها وتتغلب عليه كما.. ذكر موقع الملك فاروق الأول.. وحصلت” نبوية موسى” على الشهادة الابتدائية عام 1903مثم التحقت نبوية بالسنة الأولى في مدرسة معلمات السنية، وفي عام 1906 حصلت على دبلوم المعلمات ثم عينت مدرسة لغة عربية في مدرسة عباس الأول الابتدائية الأميرية بمرتب 4 جنيهات شهريا تم رفعه إلى 6 جنيهات بعدما اجتازت فترة التمرين ، وهو نصف مرتب خريج المعلمين العليا من الرجال ,فاحتجت لدى وزارة المعارف على ذلك المرتب لأنه كان نصف المرتب الذى يتقاضاه زملائها من الرجال ,وكان رد الوزارة أن سبب التفرقة هو أن متخرجى المعلمين العليا حاصلون على شهادة البكالوريا التى تعادل الثانوية العامة حاليا ..فعقدت نبوية العزم على الحصول عليها .
التحدى الثانى
أقدمت “نبوية موسى” على خطوة أكثر جرأة عندما قررت استكمال تعليمها والحصول على شهادة البكالوريا,حتى تتساوى فى الأجر مع زملائها من الرجال خريجى المعلمين العليا ,وفى هذا التوقيت لم تكن هناك مدارس ثانوية للفتيات,فتقدمت لامتحان البكالوريا متحدية مستشار التعليم الإنجليزي “دانلوب”، فأثارت ضجة في وزارة المعارف باعتبارها أول فتاة فى مصر تخطو هذه الخطوة , و انعقدت لجنة من الوزارة للبت فى أمرها ,ولم يجد أعضاء اللجنة سببا لرفض طلبها ,وفى نهاية المطاف نجحت نبوية في الامتحان وحصلت علي شهادة البكالوريا عام 1907 فكان لنجاحها ضجة كبرى، ثم حصلت على دبلوم المعلمات عام 1908, وكانت أول فتاة مصرية تتقاضى أجرا من وزارة المعارف نظير عملها بالتدريس، وحاولت بعد ذلك الحصول على ليسانس الحقوق، ولكن ظروف الإحتلال منعتها.
اقتحمت “نبوية موسى “مجال العمل بالتدريس وكان وقتها قاصرا على الرجال ولذلك أعتبرها الكثيرون بأنها قاطعة لأرزاقهم وبدأ العديد من زملائها فى العمل يتصيدون لها الأخطاء ونظر لها البعض أنها مؤيدة لأفكار الاحتلال الانجليزى ,واستغل بعضهم المقالات الصحفية التى كانت تكتبها وتنشرها باسم مستعار فى بعض الصحف مثل “مصر الفتاة “و”الجريدة”وهو الأمر الذى أدى إلى نشوب خلاف بينها وبين ناظرة المدرسة الإنجليزية التى تعمل بها ، ووصل الأمر إلى فصلها نهائيا من وزارة المعارف لأن القواعد تحظر على الموظفين الكتابة للصحف,ولكن أنقذها ثناء سعد زغلول باشا على مقالاتها التى كانت تكتبها ضد الانجليز ,وتتناول فيها قضايا اجتماعية وأدبية وتعليمية..
زاد ايمان “نبوية موسى” بضرورة تعليم الفتاة لذلك ألفت كتابا مدرسيا بعنوان “ثمرة الحياة فى تعليم الفتاة”قررته نظارة المعارف للمطالعة العربية فى مدارسها .وفى عام 1909 تولت “نبوية “نظارة المدرسة المحمدية الإبتدائية للبنات بالفيوم ,وبذلك أصبحت أول ناظرة مصرية لمدرسة ابتدائية.
استطاعت” نبويه “خلال وجودها فى محافظة الفيوم أن تنشر أهمية تعليم الفتيات فزاد الاقبال على المدرسة ,ولكنها كانت تحارب من بعض العقول الضيقة الذين ينظرون ألى تعليم المرأة وعملها نظرة متدنية ,ولذلك تم نقلها ورشحها “أحمد لطفى السيد “لتكون ناظرة مدرسة معلمات المنصورة ,وأثبتت كفاءة ونهضت بالمدرسة نهضة كبيرة وحصلت على المركز الأول فى امتحان كفاءة المعلمات الأولية .
طالبت نبوية بتوحيد مناهج التعليم لكل من البنين والبنات، وعُنيت في وزارة المعارف بوظيفة وكيلة معلمات بولاق في ديسمبر 1914، ثم تم ترقيتها بعد ذلك في العام 1916 ناظرة لمدرسة معلمات الورديان.
واصلت نبوية كفاحها من أجل نشر أهمية تعليم الفتيات فانتدبتها الجامعة الأهلية المصرية عقب افتتاحها عام 1908 لإلقاء محاضرات مع “ملك حفنى ناصف”لتثقيف نساء الطبقة الراقية,وشاركت فى العديد من الأنشطة التربوية العامة والمؤتمرات التعليمية وذلك بجانب إدارة مدرستها.