عائشة عبد الرحمن.. أول امرأة تخوض معترك الفقة الإسلامي و تحاضر بالأزهر الشريف

نجوى إبراهيم
عائشة عبد الرحمن المعروفة ب “بنت الشاطئ”، هي أول امرأة عربية وكانت أول كاتبة رأي عربية، وأول من اشتغلن بالصحافة، انخرطت في سجالات الهوية والحداثة التي كانت تموج بها مصر والدول العربية فى ذاك الوقت ، حصدت بنت الشاطئ على العديد من الجوائز وكانت أول امرأة تنال جائزة الملك فيصل في الآداب والدراسات الإسلامية عام 1994 مناصفة مع الدكتورة وداد القاضي.
النشأة
ولدت عائشة محمد علي عبد الرحمن أوائل شهر نوفمبر عام 1913 بمدينة دمياط شمال دلتا مصر، وهى ابنة لعالم أزهري، وحفيدة لأجداد من علماء الأزهر ورواده حيث كان والدها مدرسًا بالمعهد الديني بدمياط، و كان جدّها لأبيها وأمها من الشيوخ الأزهريين.
حفظت القرآن و جوّدته وهي فى سن العاشرة ، ورغبت في الالتحاق بالأزهر الشريف فرفض والدها.. نظرا للتقاليد السائدة والتى كانت تقضى بمنع خروج المرأة من المنزل والرغبة في عدم تعليم البنات من جيلها الذي أسمته “جيل ضحايا شهيدات”.ولكنها أصرت على التعلم وتعلمت بالفعل فى المنزل الكٌتَّاب ومن المنزل حصلت على شهادة الكفاءة للمعلمات عام 1929 بترتيب الأولى على القطر المصري كله، ثم الشهادة الثانوية عام 1931، والتحقت بجامعة القاهرة لتتخرج في كلية الآداب قسم اللغة العربية 1939 بدعم من أمها ، حيث كان والدها حتى ذلك الحين يرفض بشدة تعليمها وخروجها من المنزل، وبإصرارها وتفوقها حصلت على درجة الماجستير بمرتبة الشرف الأولى عام 1941م.
تفتحت مداركها على جلسات الفقه والأدب، التقت وهي طالبة بكلية الآداب قسم اللغة العربية أستاذها وأحد أعلام الفكر والثقافة يومئذ الأستاذ” أمين الخولي” والذي قدم لها نصيحة ثمينة تتمثل في وجوب الاهتمام بفهم وهضم الأدب واللغة التي أنزل بها القرآن الكريم، فذاك هو المفتاح لتحصيل الدراسات الإسلامي, وهذا الأمر لم يكن صعبا عليها، وهي التي تربت في بيت علم وفضل، نهلت منه العلوم والدراسات الأدبية والإسلامية.
لقاءها بزوجها
تزوجت عائشة بعد ذلك باستاذها العالم الجليل “أمين الخولي” أحد قمم الفكر والثقافة في مصر حينئذ، وصاحب الصالون الأدبي والفكري الشهير بـ”مدرسة الأمناء” وأنجبت منه ثلاثة أبناء,وبالرغم من اهتمامها الدائم بالعلم والفكر والثقافة، إلا أنها كانت قادرة أن تكون مثالا للزوجة الصالحة الواعية، والأم الفاضلة.
اعتبرت لقاءها بزوجها قدرا غيَّر مجرى حياتها، حيث قالت: “قطعت العمر كله أبحث عنه في متاهة الدنيا وخضم المجهول، ثم بمجرد أن لقيته لم أشغل بالي بظروف وعوائق قد تحول دون قربي منه، فما يعنيني سوى أني لقيته، وما عدا ذلك ليس بذي بال.”
وقالت أيضا في سيرتها الذاتية “على الجسر” أن طوال رحلتها حتى آخر العمر لم يتخل عنها إيمانها بأنها ما سارت على الدرب خطوة إلا لكي تلقاه.
وكتبت مذاكراتها “على الجسر بين الحياة والموت” لتوثق قصة حياتها وتربط وجودها بوجوده، فلم تشغلها شهرة ولا علم غزير عن إخلاصها وحبها له، والإشادة بفضله عليها,وعند وفاته عبرت عن تأثيره عليها ووصفته بـالروح العزيزة التي فارقتنا إلى دنيا الخلود.
واصلت بنت الشاطئ مسيرتها العلمية لتنال رسالة الدكتوراه عام 1950 عن “أدب أبي العلاء المعري”، وناقشها عميد الأدب العربى الدكتور طه حسين.

علاقتها ب “طه حسين”
وعن علاقتها ب “طه حسين” فتقول بأنه هو من أشرف على رسالة الدكتوراه الخاصة بها وأعطاها الكثير من العلم، وتقول بأنها تعرف عليه حينما كان عميد لكلية الأداب وكانت دوما تعانده في بعض القضايا مثل رأيه في المتنبي وكتابه في الشعر الجاهلي وكثيرا ما كانت تنتقده وهو يتقبل نقدها.
إبداعها الأدبي والفكري
نشأت “بنت الشاطئ في بيئة طبعت شخصيتها العلمية والإنسانية بنموذج يجمع بين الصوفية والحداثة؛ وفي الوقت نفسه تمسك بثوابت الدين التى اكتسبتها من والدها .
تجلت قدرتها الأدبية وشخصيتها الفكرية قبل أن تكون طالبة بالجامعة، حيث كانت تنشر لها الأهرام مقالاتها عن الريف المصري بصفحاتها الأولى، وتعتبر بنت الشاطئ ثانى امرأة يخرج فكرها إلى النور من خلال صفحات جريدة الأهرام بعد الكاتبة “مى زيادة” , كما كانت تقوم بتحرير مجلة “النهضة النسائية” وإدارتها.

كانت عائشة معتزة جدا بنشأتها ومنهج والدها ويمكننا بوضوح قراءة مدى اعتزازها بالمنهج الذي سلكه والدها في تربيتها ومدى تأثير ذلك عليها في رسالتها إليه والتي قالت فيها: “إلى من أعزني الله به أبًا تقيًّا زكيًّا، ومعلمًا مرشدًا، ورائدًا أمينًا ملهمًا، وإمامًا مهيبًا قدوة؛ فضيلة والدي العارف بالله العالم العامل؛ نذرنى رضي الله عنه لعلوم الإسلام، ووجَّهني من المهد إلى المدرسة الإسلامية، وقاد خُطاي الأولى على الطريق السويِّ، يحصنني بمناعة تحمى فطرتي من ذرائع المسخ والتشويه.

دخولها عالم الصحافة
دخلت عائشة عبد الرحمن عالم الصحافة باكرا، باسم مستعار، نظرا لأسرتها وبيئتها المحافظة التي كانت تَحُدُّ من إمكاناتها الإبداعية، ونظرا للموروث الثقافي السائد آنذاك، والمُكَبَّل بسلاسل التقاليد والعادات.
واختارت لنفسها اسم “بنت الشاطئ لتوقع به كتاباتها في المجلات والجرائد، وهو اسم له ارتباط وثيق ببيئتها، وبالضبط ضفاف النيل بمحافظة دمياط، حيث مهد الطفولة والذكريات الجميلة، وهو اسم له دلالة القرب من واقعها الاجتماعي والثقافي أيضا…وكانت من أبرز الأديبات العربيات اللواتي كان لهن حضور إعلامي متميز في عالم النشر والصحافة.
لمزيد من الأخبار زوروا موقعنا: الوسط العربي
