شخصيات عربيةعاجل

بنت الشاطئ.. علامة مضيئة للمرأة المسلمة المعاصرة.. حظيت بمكانة رفيعة في العالم العربي والإسلامي

نجوى إبراهيم

شنت عائشة عبد الرحمن هجوماً واسعاً على الذين يرون المرأة بمنظور واحد ينحصر في وصف النساء بأنهن مادة للشهوة و المعصية والإغراء ,فهى ترى أن الله سبحانه اختص الإنسان بالعلم ليحمل الأمانة التي تتضمن القيام بالمسئوليات وتحمل تبعات التكليف. لا تتفق مع القصص الذائعة التي تسللت إلى كتب التفسير والتي تقول أن حواء كانت سبب خروج آدم من الجنة. 

وتقوم فلسفة عائشة التربوية على الترفق في تربية النساء إذ لا يمكن توجيههن وإرشادهن بالشدة. لقد حذرت عائشة من أخذ النساء بالشدة لأنه منهج يخالف فطرة الإنسان كما أن الغلظة آفة وقع فيها من يفهم النصوص الدينية بحرفيتها.

وصفت عائشة واقع المرأة المعاصرة ورسالتها فقالت: “تشغلني قضايا، أهمّها: تلبُّس الإسلام بالعنف والإجرام، واستمرار اللغو في قضايا المرأة وموضعها في الإسلام. وعن نفسي طوَّفت في الآفاق لأسأل عمَّا أعطاني الإسلام، وتأكدتُ أنّ الإسلام أعطاني ما لو ظللتُ أكدح إليه العمر كلّه ما بلغته، وأحتاج لإعادة النظر في قضية المرأة والإسلام، وأخشى أن تكون الحركة النسائية المعاصرة أوقعت النساء في خصومة مع الرجل، مع أنّ ما بيننا وبينهم ليس تنافساً أو سباقاً، لكننا رفاق رحلة عمر لا نستغني عنهم ولا يستغنون عنّا، ومن غير المتصوّر أن تقوم الحياة على الرجل وحده؛ لأنّ هذا ضد الفطرة والدين، إضافة إلى أن تأثير المرأة أخطر بجانب الرجل الذي تحمله جنيناً وترعاه رضيعاً وصبياً، فهل ممكن أن نقول إن نصف رئة المجتمع معطّلة؟ وهل تكون المرأة بلا عمل لو تفرّغت للأمومة؟

تصدت عائشة لشبهات المستشرقين وعززت مواقفها بالحجج القاطعة ,ورفضت الفكر الأجنبي المناقض للإسلام,وعندما أطلعت المستشرقة اليابانية كوماسو على دراسات عائشة فتأثرت بكتاب تراجم سيدات بيت النبوة وأسلمت ثم قامت المستشرقة بترجمة الكتاب إلى اللغة اليابانية.  

النزعة الصوفية عند عائشة عبد الرحمن

سيطرت النزعة الصوفية على عائشة عبد الرحمن والمبادئ التى تربت عليها ,وبدا هذا جليا فى أعمالها الأدبية ومعاركها الفكرية فى الدفاع عن ثوابت الدين فقد اتخذت طوال مشوارها مواقف حاسمة دفاعا عن الاسلام ,وخلفت ورائها سجلا مشرفا من السجالات الفكرية ضد ما عرف وقتها بالتفسير العصري للقرآن الكريم ومناهضة التمييز ضد المرأة ودعمها لتعليم المرأة واحترامها بمنطق إسلامي وحجة فقهية أصولية دون طنطنة نسوية، وموقفها الشهير من البهائية وكتابتها عن علاقة البهائية بالصهيونية العالمية, وغيرها والدراسات الرصينة عن سيدات بيت النبوة والحديث النبوي والتفسير البياني للقرآن وحقوق الإنسان وتحقيقها في العديد من المخطوطات.

التزمت بنت الشاطئ بالنزعة الصوفية فى كتاباتها الصحفية وكانت قد بدأت الكتابة فى سن مبكرة وهى بعمر الثامنة عشر ,فكتبت فى مجلة النهضة النسائية باسم بنت الشاطئ ,وبعدها بعامين بدأت الكتابة فى جريدة الأهرام وظلت تكتب به حتى وفاتها؛ وكانت آخر مقالاتها بالصحيفة يوم 26 من نوفمبر 1998، قبل وفاتها بأربعة أيام؛ بعنوان “علي بن أبى طالب كرَّم الله وجهه”، وهو استكمال لسلسلة من المقالات تناولت فيها سير آل البيت العطرة.

رحلتها في المجال الأدبي والفقهي والإسلامي

أما ابداعاتها في المجال الأدبي والفقهي والإسلامي فتركت بنت الشاطئ رصيدا أدبيا ضخما أكثر من أربعين كتابا فى الدراسات الفقهية والاسلامية والأدبية والتاريخية، منها: التفسير البياني للقرآن الكريم، القرآن وقضايا الإنسان، تراجم سيدات بيت النبوة، الشخصية الإسلامية: دراسة قرآنية.

وقامت بتحقيق الكثير من النصوص والوثائق والمخطوطات،منها: رسالة الغفران للمعري، ناقشت فيها الحياة الإنسانية عند أبي العلاء: لم خلقنا؟ وكيف نحيا؟ وإلى أين المصير؟,والخنساء الشلعرة العربية الأولى ,ومقدمة فى المنهج وقيم جديدة للأدب العربى ,وتحقيق رسالة الصاهل والشاحج.

أما انتاجها الأدبى فاتسمت كتاباتها بالحزن فى مجملها فجسدت رحلتها القاسية وكيف أثر عليها موت والدتها ,واتسمت لغتها بالسلاسة والقوة نتيجة لحفظها للقرآن الكريم.

"كتاب بطلة كربلاء"
“كتاب بطلة كربلاء”

 

ومن أبرز كتاباتها “كتاب بطلة كربلاء” وهو عن السيدة زينب رضى الله عنها بنت أبى طالب وما عانته فى واقعة عاشوراء عام 61 هجرية ومقتل أخيها الحسين ,ومن مؤلفاتها أيضا “سكينة بنت الحسين”، و”مع المصطفى”، ونساء النبي”، و”أم الرسول محمد.. آمنة بنت وهب”، و”أعداء البشر”، و”أرض المعجزات” , و”مقال في الإنسان”, ومن أبرز ابداعاتها سيرتها الذاتية التى حملت عنوان ” على الجسر بين الحياة والموت” سجلت فيه طرفا من سيرتها الذاتية، وكتبته بعد وفاة زوجها أمين الخولي بأسلوبها الأدبي,وختمت رحلتها إلى جزيرة العرب (أرض المعجزات) .

المكانة العلمية

حظيت عائشة عبد الرحمن على مكانة رفيعة فى العالم العربى والإسلامي، وحصلت على العديد من الجوائز منها جائزة الدولة التقديرية فى الآداب فى مصر عام 1978 , وجائزة الحكومة المصرية في الدراسات الاجتماعية، والريف المصري عام 1956,وفى المملكة المغربية بلدها الثانى كرمها العاهل المغربي الراحل الملك الحسن الثاني ومنحها وسام الكفاءة الفكرية عام 1967 حيث قدمت خلال فترة اقامتها هناك إسهامات علمية جليلة؛ كعثورها على نسخة مفقودة لواحد من أهم كتب أبي العلاء المعري؛ ضمن مخطوطات جامع القرويين؛ وهو كتاب “رسالة الصاهل والشاحج”، والكتاب عبارة عن محاورة أمام قاض من قضاة ممالك الشرق وكان الكتاب قد اعتبر من الكتب المفقودة إلى أن عثرت عليه الراحلة الكبيرة؛ كما ناقشت العشرات من الرسائل العلمية للباحثين المغاربة في مختلف فروع الفقه والحديث والأدب.

تكريمات وجوائز لعائشة عبد الرحمن

وفى الكويت حصلت على جائزة الأدب عام 1988، وفازت بجائزة الملك فيصل للأدب العربي مناصفة مع الدكتورة وداد القاضي عام 1994 م. 

قامت العديد من المؤسسات الإسلامية بمنحها عضوية لم تمنحها لغيرها من النساء مثل مجمع البحوث الاسلامية بالقاهرة والمجالس القومية المتخصصة ,وأطلق اسمها علي الكثير من المدارس وقاعات المحاضرات في العديد من الدول العربية.

رفضت وصفها ب”جيل الرائدات”

رفضت الدكتورة عائشة عبد الرحمن بأن يتم وصفها بأنها من جيل الرائدات وأشارت فى لقاء تلفزيوني لها عام 1994، أنها تصف نفسها بجيل الطليعة بسبب أنه قد سبقها سيدات كثيرات في مجال تعليم المرأة والعمل الأدبي مثل الشاعرة مي زيادة.

أكدت بأنها حاربت من أجل إثبات نفسها لأن المجتمع في حينها لم يكن ليقبل أن تدرس فتاة بالجامعة وعن الفرق بينها وبين رفيقتها الدكتور سهير القلماوي قالت إن الدكتورة سهير خريجة مدرسة أمريكية أما هي فخريجة الكتاب بقريتها وترى بأن الطريق كان صعب عليها للوصول إلى الجامعة.

وفاة عائشة عبد الرحمن

توفيت عائشة عبد الرحمن عن عمر يناهز 86 عاما بسكتة قلبية يوم الثلاثاء الأول من ديسمبر عام 1998, ودعتها مصر في جنازة مهيبة حضرها العلماء والأدباء والمثقفون من مختلف دول العالم؛ ونعاها العالم الجليل شيخ الأزهر جاد الحق علي جاد الحق، وأمَّ صلاة الجنازة عليها.

ووفاء لها أقامت وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية المغربية سرادق لتقبل العزاء فيها، في لفتة تعكس مكانة الراحلة من الخليج إلى المحيط؛ كما أطلق اسمها على الكثير من المدارس وقاعات المحاضرات في الجامعات المغربية؛ كمدارس عائشة عبد الرحمن للتعليم العتيق في وجدة وفاس ومكناس وغيرها؛ وأقامت “جامعة القرويين” العديد من الندوات لإحياء ذكراها واحتفاء باسمها وعطائها وإسهاماتها المضيئة في خدمة وطنها…فهى واحدة من أعلام هذه الأمة جاهدت بالعلم والقلم للدفاع عن الإسلام ، وعاشت حياتها تكافح من أجل العلم وستظل مسيرتها وإسهاماتها علامة مضيئة للمرأة المسلمة المعاصرة.

 

لمزيد من الأخبار زوروا موقعنا: الوسط العربي

زر الذهاب إلى الأعلى