تركيا وسوريا في مضمار الصراعات

تقرير: إيهاب احمد
كان سقوط بلاد الشام بيد السلطان سليم الأول بعد معركة مرج دابق عام 1516 بداية لتحول الدولة العثمانية إلى امبراطورية ممتدة من بغداد إلى الجزائر ومن حلب إلى عدن إلى أن تم استسلام القوات العثمانية في جزيرة مودروس في 30 أكتوبر 1918 ثم احتلال الحلفاء لبلاد الأناضول وحتى لإسطنبول و بالرغم من توجه مصطفى كمال أتاتورك إلى طي صفحة الماضي العثماني، منذ قيادته لحرب التحرير التركية 1919-1923 ضد احتلال الحلفاء، فإن هذا لم ينهي رغبته في ضم المنطقة الممتدة على خط الإسكندرون – حلب- الجزيرة – الموصل في البداية، وقبل توقيع اتفاقية أنقرة بين الفرنسيين والأتراك (20 أكتوبر 1921)، فإنه استولى على كل ما كان تابعاً لولاية حلب”أورفة – عنتاب – كلس” والتي وقعت طبقا لمعاهدة سيفر (10 أغسطس 1920) ضمن أراضي الإنتداب الفرنسي والتي تنازل عنه الفرنسيون عبر معاهدة لوزان.
تنازل أتاتورك في لوزان عن كل الأراضي الواقعة خارج الحدود التي أقرتها المعاهدة وهو ما اعتبره الولادة الفعلية لجمهوريته و في عام 1938، أصبح لواء الإسكندرونة مستقلاً عن الوصاية الفرنسية على سوريا باسم جمهورية هاتاي وإثر استفتاء بعد ثمانية أشهر في 1939، أعلن انضمامه لتركيا باسم محافظة هاتاي هذا الانضمام لم تعترف به سوريا قط، وتواصل إظهار لواء الإسكندرونة جزءاً من الأراضي السورية في الخرائط الرسمية.

بداية الأزمة التركية السورية
بدأت الأزمة التركية السورية في 18 أغسطس 1957، عندما قام الرئيس السوري شكري القوتلي بتغييرات مؤسسية استفزازية، مثل تعيين العقيد عفيف البيزري قائداً للجيش السوري والذي اشيع غربيا عن ميوله السوفيتية، حيث تزايد الشك في استيلاء الشيوعيين على دمشق، مما دفع العراق والأردن ولبنان إلى النظر في دعم التدخل العسكري العربي أو الغربي لإسقاط الحكومة السورية ولكن كانت تركيا هي البلد الوحيد الذي قام بالتحرك ونشر آلاف القوات على امتداد الحدود التركية السورية مما دعى خروشوف ليهدد بأنه سيطلق صواريخ على تركيا لو قامت بمهاجمة سوريا، بينما قالت الولايات المتحدة أنها ستهاجم الاتحاد السوڤيتي رداً على هذا الهجوم انتهت الأزمة في أواخر أكتوبر.

دعم القوات المصرية سوريا لمواجهة تركيا
في أكتوبر1957، نزلت قوات مصرية في اللاذقية لدعم سوريا في مواجهة التهديدات التركية كانت التوتر قد بلغ ذروته بين الدولتين بعد أن حشدت تركيا قواتها على الحدود ما نتج عنه تقارب بين سوريا والاتحاد السوفيتي والذي اعتبرته الدول الغربية ودول حلق بغداد تهديداً شيوعياً في الشرق الأوسط وكان نتيجة هذا التحرش التركي إعلان وحدة مصر و سوريا في 1958.
وقد كان للورقة الكردية أبلغ الأثر معظم سنوات عقدي ثمانينات وتسعينات العشرين،لتجحيم تركيا خاصة بعد بصفقة خروج عبدالله أوجلان إلى كينيا ووقف تصاعد الأزمة.
توقيع اتفاق أضنة بين سوريا وتركيا
وفي أكتوبر تم 1998 تم توقيع اتفاق أضنة الأمني بين سوريا وتركيا والذي يتضمن التعاون في مواجهة الإرهاب ومنع تواجد عناصرحزب العمل الكردستاني على الأراضي السورية، جاء ذلك بعد التهديدات التركية بالقيام بعمل عمل عسكري ضد سوريا لإيوائها مقاتلي حزب العمال الكردستاني ورئيسه عبدالله أوجلان.

تركيا تنتقد سياسة سوريا تجاه الثوار
وفي أغسطس 2011 صعدت تركيا انتقداتها تجاه ما تقوم به الحكومة السورية لقمع الثوار أثناء الثورة السورية، وهدد أردوغان بأن صبر أنقرة قد نفد إزاء القمع.

أضاف أنه سيوفد وزير خارجيته داوود أوغلو لدمشق لنقل رسالة حازمة للنظام السوري. وأعقبته بثينة شعبان مستشارة الرئيس السوري بتصريح “إن كان وزير الخارجية التركي قادما لنقل رسالة حازمة إلى سوريا، فإنه سيسمع كلاما أكثر حزما بالنسبة للموقف التركي” حيث انتقدت الموقف التركي الذي “لم يدن جرائم القتل الوحشية بحق المدنيين والأمن والجيش”.
محادثات ثلاثية بين وزراء الدفاع في روسيا وسوريا وتركيا
وفي العاصمة الروسية موسكو ديسمبر 2022 أقيمت محادثات ثلاثية جرت بين وزراء الدفاع في روسيا وسوريا وتركيا بالإضافة إلى رؤساء أجهزة الاستخبارات في البلدان الثلاثة لمحاولة حل الأزمة السورية وقضية اللاجئين والجهود المشتركة لمحاربة الجماعات المتطرفة في سوريا.

سوريا تحت سيطرة تركيا
كان مستشار الرئيس التركي ياسين أقطاي في يناير 2023 قال خلال لقاء تلفزيوني بأن حلب بحاجة أن تكون تحت سيطرة تركيا، لأن بهذه الطريقة سيعود الملايين من السوريين إلى حلب بمحض إرادتهم.
واعتبر في تصريحاته أن الحل الأمثل لإعادة ملايين اللاجئين السوريين إلى بلادهم، هو أن تكون مدينة حلب السورية تحت السيطرة التركية، وأكّد “أقطاي”، خلال لقاء متلفز على “قناة البلد” التركية على أن السيطرة على مدينة حلب ستخفف من عدد اللاجئين السوريين، لا سيما أن سيطرة الاسد وروسيا على حلب بعد مجازر مروعة أدت إلى حركة هجرة كبيرة باتجاه تركيا، لذلك ما يجب المطالبة به على طاولة الحوار بين تركيا وسورية هو السيطرة على حلب. وأشار إلى أن جهود السلطات التركية في سوريا تأتي بمثابة طمأنة للناس من الناحية الإنسانية، لذلك فإن السوريين لا يمكنهم الوثوق إلا بتركيا، مشيرًا إلى أن تركيا لا تطالب بتقسيم سوريا أو ضم جزء منها إلى تركيا وأن السيطرة التركية في المناطق السورية مؤقتة فقط.

تسليم إدارة حلب إلى تركيا
بعد أيام وفي تصريح لقناة الميادين بعدها بأيام أوضح أقطاي تصريحاته وقال أن ما نسب إليه في بعض المواقع بشأن تسليم إدارة حلب إلى تركيا هو موقف شخصي وتحليل سياسي لا علاقة لحزب “العدالة والتنمية” أو الحكومة التركية به. وقال في حديث للميادين إن “حديثه عن حلب كان استناداً إلى مقال صحافي”وأضاف “أنه ليس بالضرورة تسليم مدينة حلب لتركيا بهدف عودة اللاجئين السوريين، ولكن يمكن أن تكون الأمم المتحدة هي من تتسلم الأمور في حلب لتوفير مناخ آمن ومستقر للاجئين السوريين.
شهدت الفترة الأخيرة، تصعيداً من جانب تركيا تجاه الأراضي السورية، وهو ما يمكن إجماله على النحو التالي:
1- قصف معاقل حزب العمال الكردستاني.

2- مواصلة استهداف قسد، حيث واصلت تركيا هجماتها المُكثّفة على المناطق التابعة لـ”قسد” (قوات سوريا الديمقراطية والتي يشكل الأكراد قوامها الرئيسي) و إن كانت الضربات التركية ركّزت بشكل أساسي على تدمير المؤسسات والمنشآت الكردية.
دوافع تركيا للتصعيد ضد سوريا
لكن هناك ثمّة مُحفزات قد تكون الدافع وراء تصعيد أنقرة لعملياتها في سوريا خلال الفترة المُقبلة، تتمثل أبرزها فيما يلي:

1- تراخي واشنطن في صد الهجمات التركية.
2- تنافس تركي إيراني في سوريا.
3- مُناورات واشنطن مع “قسد”: في مطلع يوليو 2023، أعلنت القوات الأمريكية عن البدء في مناورات عسكرية مع قوات سوريا الديمقراطية “قسد” تشمل تدريبات جوية في محافظتي الحسكة ودير الزور.
4- جمود مساعي التطبيع.
مُستقبل عملية التطبيع التركي السوري
ما يزال مُستقبل عملية التطبيع التركي السوري العملية وفق سيناريوهات مستقبلية محتملة، تتمثل أبرزها فيما يلي:
السيناريو الأول:
دفع التطبيع قدماً: يرجح هذا السيناريو أن يتم دفع المحادثات بين أنقرة ودمشق قدماً باتجاه التطبيع، خاصة أن وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، قد أعلن في 3 يناير 2024، عن استمرار محادثات الاجتماع الرباعي، على مستويات مختلفةولا سيما أن أنقرة قد قدمت عرضاً لدمشق ضمن مسار إعادة العلاقات بين الجانبين، على لسان وزير الدفاع التركي، مفاده الانسحاب التام من سوريا بشرط اتفاق المعارضة والنظام حيث تبع ذلك حديث الرئيس السوري بشار الأسد عن إصلاحات بحزب البعث في سوريا وعن أهمية الانتخابات، مُعتبراً أنها الطريق الأفضل لاختيار قيادات حزبية جديدة، الأمر الذي ربطه خبراء بمحاولات انفتاح الحكومة السورية على محيطها الخارجي بما فيها مشروع التطبيع بين أنقرة ودمشق.
السيناريو الثاني:
استمرار الجمود الحالي وهو السيناريو الأكثر ترجيحاً، ويرى هذا السيناريو، أن الوضع بين أنقرة ودمشق، سيستمر في اتجاه الجمود الراهن لعملية التطبيع بينهما.
السيناريو الثالث:
عملية عسكرية شاملة: من المرجح وفقاً لهذا السيناريو، أن تتصاعد حدة التوتر بين تركيا وسوريا، من خلال إطلاق أنقرة لعملية عسكرية شاملة في سوريا ضد الأكراد وذلك من دون تنسيق مع الحكومة السورية، إذ يرجح البعض بأن تركيا ستكون خلال 2024 أكثر حزماً وأشد عسكرياً ضد الانفصاليين الأكراد في سوريا والعراق، فعلى الرغم من أن أي عملية برية مُحتملة ضد جميع المناطق في شمال سوريا، قد تُعرض تركيا لخطر التوتر مع واشنطن، فإن تراجع قدرة الأخيرة على كبح العمليات التركية، بالإضافة لاحتمالات طرح انسحاب القوات الأمريكية من سوريا مرة أخرى في حال إعادة انتخاب دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقرر إجراؤها عام 2024، قد يعزز ميزان القوة لصالح أنقرة في سوريا، ويدفعها نحو تدشين عملية عسكرية شاملة تسيطر بها على كافة المناطق التي تسبب لها القلق.
وفي الأغلب الأعم يمكن القول إنه في ضوء معطيات الموقف الراهن بين أنقرة ودمشق، فإنه لا يمكن التكهن بمستقبل تطبيع العلاقات بين أنقرة ونظام الأسد خلال 2024، وسط غموض استعادة المحادثات بين البلدين، واحتمالات تدشين تركيا لعملية شاملة في سوريا، في إطار التصعيد التركي المكثف في شمال شرق سوريا على مواقع الإرهابيين والأكراد، لذلك من المرجح أن تفرز الأيام المقبلة حراكاً قوياً من قِبل واشنطن وموسكو، وأيضاً طهران، مما قد يزيد الأوضاع سوءاً في سوريا، نظراً لتقاطع مصالح الدول الموجودة عسكرياً في سوريا، وإصرارها جميعاً على الاستمرار في البقاء داخل سوريا.
لمزيد من الأخبار زوروا موقعنا: الوسط العربي
